ظلت مصر منذ فجر التاريخ شامخة وأبية، صنعت الحضارة قبل أن تعرف الدنيا الحضارة، وبشعبها وجيشها ملأت العالم نورًا وسلامًا وعلمًا، لم تنكسر مصر إلا بانكسار جيشها الأبي الذي هزم التتار وتصدى للمغول وأذل الصهاينة، وفى تلك الفترات الاستثنائية التى تهاوى فيها الدرع وانكسر السيف، استباح العدو الوطن وارتكب الأجانب أفظع وأقذر الجرائم ضد المصريين، والآن جاء وقت الحساب حلقات تاريخية استثنائية بالتعاون مع الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ الأساتذة فى العلم المعاصر فى ليلة لن تنساها قرية الشوبك: جنود الاحتلال يغتصبون النساء ويحرقون البيوت الأهالى دافعوا عن قريتهم ببسالة.. وقطعوا السكة الحديد ليغرق قطار المعتدين.. فعوقبوا بانتهاك حرماتهم حامل فى شهرها التاسع تستعطف الإنجليز بطفلها الرضيع.. فيطلقون الرصاص عليه ويحرقونه بعد اغتصابها تتزامن هذه الأيام مع الجريمة البشعة التى ارتكبها الاحتلال البريطانى في إحدى قرى محافظة الجيزة الباسلة، وهى قرية "الشوبك" التى أصبحت تحمل رمزًا واحتفالاً وطنيًا من كل عام فى 31 من مارس، بعدما تمكن أهلها ببسالة الدفاع عن أرضهم ضد المحتل البريطانى، حتى انهارت قواهم بنفاذ آخر طلقة من الذخيرة الحية، وبتكبيد المحتل المعتدى خسائر فادحة، بقتل جنوده، وإغراق قطار كان يحمل المزيد من المرتزقة الإنجليز، ومن هنا كانت الطامة الكبرى، وواحدة من أقذر وأحقر الجرائم التى ارتكبها المعتدى الإنجليزى ضد أبرياء عزل، وصلت إلى حد الاعتداء على الاطفال، وإحراق البيوت، واغتصاب النساء. تلقى محافظ الجيزة التعليمات من الرئيس جمال عبد الناصر، وبعدها بساعات كان المحافظ يجتمع مع عدد من المثقفين والمطلعين، طالبًا منهم أن يقترحوا يومًا وطنيًا لمحافظة الجيزة، بناءً على طلب الرئيس الزعيم، حينها اقترح المحامى محمد أبو المجد، أن يكون ال 31 من مارس عيدًا قوميًا لمحافظة الجيزة، نظرًا لبسالة أهالى قرية الشوبك فى التصدى للعدوان الإنجليزى، وتخليدًا لأبطالهم الذين سقطوا جراء العدوان وهم يدافعون عن بلدتهم، وتلك النساء اللاتى اعتدي عليهن فى جرائم وحشية تعرضن إليها من قبل الجنود الإنجليز. قاهرة الإنجليز وتعود الحكاية عندما علم اهالى الشوبك بانطلاق القوات الإنجليزية فى البلاد، رافعين الأعلام الأجنبية، ليرفض اهالى الشوبك الاحتلال البريطانى، ويقررون مقاومة المحتل، وهو ما علمه الإنجليز ليقرروا الدفع بقوات الهدف منها التنكيل بأهالى القرية، أو تأديبهم حسبما ذكرت أو أشارت بعض الكتب التاريخية. أهالى الشوبك يعلمون بخطة الإنجليز،أرادوا قطع الطريق أمام القوات القادمة عن طريق القطار، سرعان ما انطلق الأهالى يفككون القضبان الحديدية، وعند اقتراب القطار، انقلب فى البحر بفعل تفكيك القضبان، ولم ينج من القطار وما فيه سوى أربع عربات. ومن هنا بدأت حملة التنكيل والتأديب، وحسبما تشير مذكرات عبد الرحمن فهمى، فى كتابه التاريخى، "يوميات مصر السياسية"، فإن ملاحظ البوليس المعين على القرية حاول دخولها أكثر من مرة، إلا أن الإنجليز رفضوا، ومع إصراره وافقوا على دخوله فى يوم 31 من مارس عام 1919، على أن يكون برفقته قوة إنجليزية، شاهد الملاحظ بنفسه الجنود فى كل مكان يملأون البلد، طرقاتها وأطلالها والبقية الباقية من بيوتها الخربة والإنجليز ينهبون ويقتلون مع استمرار الرصاص، ورأى أيضًا عددًا عظيمًا من النسوة والأطفال وبعض الرجال يحيط بهم حرس من الجنود، وعندما أبصروه بكوا واستغاثوا به، فاسترحم هو الضابط الإنجليزى باكيًا مستعطفًا حتى أطلق سراحهم. وتكشف الشكوى المرفوعة من "عبداللطيف أبوالمجد" ابن عمدة القرية إلى السلطان فؤاد والحكومة ونواب الأمة المصرية، إلى جزء من جرائم الانجليز حينها، مشيرًا فى شهادته أن ملاحظ البوليس المصرى، سمع صوت امرأة تستغيث، ولما دخل عندها وجد ثلاثة من الجنود انصرفوا عند رؤيته، وقالت له المرأة، إنهم كانوا يريدون ارتكاب الإثم معها، ومنعها الخجل أن تذكر للملاحظ أن اثنين من الجنود قبل هؤلاء دخلا بيتها، واغتصبها أحدهما كرهًا. ويضيف ابو المجد فى روايته،: "تعذر على الإنجليز كسر باب منزل جارنا عبدالمولى حسن فدخلوه من منزل مجاور له، واستولوا على ما وجدوه من نقود وحلي، وبلغتنا امرأته المدعوة "وافدة بنت الجابرى"، وهى حامل فى الشهر التاسع أن الجند حاولوا اغتصاب عفتها فتقدم زوجها للدفاع عنها فضربه أحدهم بالرصاص، وتوفى فى اليوم التالى »31 مارس«، - وفى رواية أخرى أنه توفى فورًا على اثر اختراق جسده الرصاص- ولما فرت الزوجة إلى غرفة أخرى تبعها الإنجليز إليها، وأمسكوا بها لينالوا غرضهم منها، فلم تجد وسيلة إلا أن تحول بينها وبينهم بطفلها البالغ من العمر سنة واحدة، فقدمته لهم مستشفعة، ومدت نحوهم يديها وهى تحمله، علها تدخل على نفوسهم شيء من الحنان والشفقة، أو أن يكون هذا الطفل باعثًا على تلطيف شىء من غلظتهم، فما كان منهم إلا أن أطلقوا الرصاص على الطفل الرضيع فاخترقت واحدة منها كتفه، وقبل أن يخرجوا من المنزل أتموا الفاجعة المحزنة بإشعال النار فيه". اغتصاب مستمر وتضيف شكوى ابو المجد بروايات اخرى مفزعة، فيقول عن مأساة أخرى، "أخبرنى سليمان محمود الفولى بأنه أغلق باب منزله على نفسه وامرأته، فكسر الجند الباب ونهبوا كل ما وجدوه وأحاط به جنديان مسلحان، ورفع أحد العساكر ثوب امرأته إلى صدرها وهى تستغيث ولا مغيث، وتقاوم الاغتصاب بكل قواها ولما رأوها مستميتة فى الدفاع عن عرضها قتلوها رميًا بالرصاص، فماتت فى الحال شهيدة العفاف وزوجها يرى وينظر، ثم أشعلوا النار فى المنزل»، أما السيدة فاطمة زوجة عبداللطيف الدكرورى فينقل «أبوالمجد»، أنها أبلغته بأن باب بيتها انكسر فجأة إلى نصفين عند طلوع الشمس، واندفع أربعة من الجند فى الدار، فنصحت زوجها أن يصعد إلى السطوح، وتقابلهم هى وأطفالها وتعطيهم كل ما يطلبون، فاختفى الزوج ونهب الجند ما وصلت إليه أيديهم، ثم جذب أحدهم المرأة من شعرها وطرحها على ظهرها، وهى تتوسل وتستغيث ولا مغيث، فلم يطق زوجها صبرًا، ولما هم بالنزول لإغاثتها بادره أحدهم وهو على السلم بطلقة نارية خر منها صريعًا، يهوى إلى حوش المنزل ثم خرجوا بعد أن أحرقوا الدار وسلبوا ما فيها". وتتابع شكوى ابو المجد بواية جديده، الجنود أطلقوا الرصاص على جمع من النسوة وكانت بينهن "واطفة بنت عقبى"، تحمل ابنتها الصغيرة "أم السعد" وعمرها ثلاثة أعوام، فأصابت رصاصة وجه الصغيرة، واستخرجها الدكتور حسنين بك حسنى، مفتش مديرية الجيزة، بعملية جراحية، ويؤكد أبوالمجد أن كثيرًا من أهل البلدة الذين أصابتهم تلك النكبة، لم يبرحوا بها خشية العار الدائم والفضيحة الخالدة، ويضيف: "هذا قليل من كثير"، ويكشف، أنهم رفعوا شكواهم إلى السلطان فؤاد وللحكومة بعد أن لجأوا إلى مدير الجيزة وأعضاء مجلس المديرية، ورغم أنهم احتجوا على هذه الفظائع، لكن لم يكن هناك نتيجة لهذا الاحتجاج. إحراق وتنكيل مع عمليات اغتصاب النساء، كان الجنود الإنجليز يرتكبون جرائم أخرى لا تقل بشاعة عن سابقتها، حيث دارت معركة غير متكافئة بين الإنجليز واهالى القرية التى نفذت ذخيرتها، حتى جاء الإنجليز بنفاثات مملوءة بالبنزين، وأطلقوا النار على القش والحطب بعد أن غرقوه بنفاثاتهم، فاحترقت القرية كلها، وخرج أهلها يطلبون النجاة ولكن الموت كان يتصدى لهم من فوهات البنادق، ولم يتوقف بطش الإنجليز عند إحراق القرية، فألقوا القبض على 5 من شيوخ القرية وشبابها وهم: (عبد الغني إبراهيم، وشقيقه عبد الرحيم، وابنه محمد عبد الرحيم، وعبد الصمد العقبي، وخفاجة إبراهيم خفاجة)، وأخذوهم سرًا إلى قطارهم، وفي صباح أول إبريل وجدوا مجردين من ثيابهم ومدونين إلى نصفهم في التراب، وقد مزق الرصاص أجسادهم. الكارثة أن بعد كل ما ارتكبه العدوان الإنجليزى ضد اهالى القرية، أبلغت القيادة البريطانية مديرية الجيزة أن أهالي النزلة قتلوا 56 جنديًا، وطالبت بفتح تحقيق في الواقعة ومعاقبة "المعتدين"، إلا أن أعضاء مجلس المديرية رفضوا مطالب القيادة، واجتمعوا في جلسة غير عادية يوم 9 إبريل، برئاسة أحمد حمدي سيف النصر، وقدموا احتجاجًا مكتوبًا وقع عليه جميع الأعضاء، وأعلن «سيف النصر» استعداده للاستقالة ما لم تحقق القيادة في جرائم جنودها، ومعاقبة المعتدين. وكان رد الإنجليز على ذلك أن ألقوا القبض على أبو المجد طلبة، عمدة القرية، وكان في السبعين من عمره، ونقلوه إلى محاكم الواسطى بتهمة قتل 56 جنديًا، وحاولوا إكراهه على الاعتراف بأسماء شركائه في "الجريمة" مقابل إطلاق سراحه، ولكن الأهالي هبوا ثائرين في القرية والبلاد المجاورة لها مثل "البدرشين والعزيزية ومزغونة والعياط"، وانتهى الأمر بالإفراج عن العمدة. فى الحلقة القادمة: نكشف تفاصيل مثيرة عن قضية دنشواى التى هزت مشاعر الرأى العام العالمى، بما ارتكبه الإنجليز ضد اهالى القرية، وإعدامهم ظلمًا، وكواليس الطفل المسكين الذى حاول إنقاذ الجندى البريطانى من الموت، فقرر زملاء الجندى قتله بدم بارد.