كان من الطبيعي أن تقف مبهورة عندما حضرت إلي سليمان ورأت عرشها وقد استقر أمامها، لابد أن وراء إحضار هذا العرش قوة عظمي لقد أيقنت أن وراء عظمة سليمان قوة عظمي تسانده إن خالق السموات والارض وكل شيء في الوجود ولم يقف انبهارها عند حد الدهشة، بل آمنت مع سليمان لرب العالمين. لقد جاءت بلقيس من أرض اليمن بعد أن أيقنت أنه لابد من التفاوض مع سليمان، لأنه لاقبل لها بمحاربة هذا النبي القوي الذي سخر الله له الريح والجن ومعرفة لغة الطير، وقد شاهدت بعينيها إحضار عرشها من اليمن. بينما كان سليمان يري أن مابه من ملك وجاه إنما هو مستمد من الله، وما المعجزات التي تحدث إلا فيض من خالق الوجود. أن سليمان عندما رأي العرش قد استقر أمامه قال: قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم النمل 04 وسأل نبي الله سليمان بلقيس بعد أن غير بعض معالم عرشها أهكذا عرشك قالت كأنه هو وعندما تقدمت تريد أن تدخل الصرح.. وعندما تقدمت حسبته لجة، فدفعت ثوبها، وكشفت عن ساقيها وابتسم سليمان وأطلعها علي حقيقة هذا الصرح فهوليس ماء حتي تكشف عن ساقيها ولكنه.. كما يقول القرآن الكريم قال: إنه صرح ممرد من قوارير النمل 44 وشعرت بلقيس أمام انبهارها بملك سليمان، بقوة سليمان وثرائه وملكه العريض، وأخذت تفكر أيام أن كانت حنيفة علي هذا النبي الكريم، في كل ماحولها مما ينم علي الثراء والرفعة والجاه، وأيقنت أن هذا بفضل الدين الذي يؤمن به سليمان، ومالبثت أن أعلنت اسلامها »رب إني ظلمت نفسي وأسملت مع سليمان لرب العالمين« النمل 44
ومرت الايام وانتهي أجل نبي الله سليمان، وبشأن موته عليه السلام جاء قوله تعالي في سورة سبأ فلما قضينا عليه بالموت مادلهم علي موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خرتبينت الجن أن لوكانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين. ولن نقف عند أقوال المفسرين حول موت سليمان عليه السلام، فقد قالوا أقوالا كثيرة عن الدابة التي أكلت منسأته. فهو بشر كأي بشر لابد أن تكون نهايته الموت.
وما أكثر الحكم التي قالها سليمان عليه السلام، حتي يتمسك بها بنو اسرائيل، ولكنهم كعادتهم لم يتمسكوا لابحكم داود وسليمان ولا تمسكوا بشريعة موسي عليه السلام، وكان لابد أن ينهارملكهم. ويتفكك مابناه داود وابنه سليمان، فانقسمت الدولة إلي قسمين اسرائيل في الشمال ويهوذا في الجنوب وسرعان ما اجتاحت بابل دولة اسرائيل وقضت عليها وأخذت أهلها أسري في بابل كما اجتاحت بعد ذلك جيوش الكلدان الجنوب وقضت علي مابقي لهم من ملك، إلي أن أعادهم الملك كورش بقوة الامبراطورية الفارسية الي ديارهم. ولكن سرعان مادخل شعب اسرائيل تحت يد الحكم الروماني الذي سامهم سوي العذاب..
وعن أيام حكم الرومان رسم لنا المؤرخ الدكتور حسين مؤنس هذه الصورة لهم في كتابة (كيف نفهم اليهود) فمن رأيه أن الرومان كانوا يكرهون اليهود كراهية شديدة، لأن اليهود سببوا لهم متاعب كثيرة في فلسطين، وكانت فلسطين علي أيام الرومان ولايتين فلسطين الاولي، وفلسطين الثانية. كانت الاولي منهما وهي الشمالية علي أنقاض الدولة اليهودية التي أنشأها اليهود في العصور القديمة في جزء من فلسطين لفترة قصيرة جدا من الزمان. واجتهد اليهود في إثارة المتاعب للرومان، وكما فعل المصريون القدماء من قبلهم عندما اشتد ضرر اليهود بمصر واهلها فعاملوهم بالحزم البالغ حتي اضطروا الي الفرارمنها - فكذلك الرومان انتهي أمرهم بالقضاء نهائيا علي دولة اليهود، وهدم معبد سليمان سنة (07 قبل الميلاد) وتشريد بقية اليهود في نواحي الارض، وهومايعرف بالديا سبورا أي التشرد وهي تقابل الإكودوس وهوالخروج من مصر. ويقول الكتور حسين مؤنس هؤلاء المشردون من يهود فلسطين القدامي ذهب معظمهم إلي الاسكندرية،وعاشوا هناك في هدوء وسكون ومازالت أحوالهم تتحسن حتي نعموا بالرخاء والسعادة تحت سماءمصر أيام العصر البطلمي، وهوالعصر الذهبي للاسكندرية. وذهبت أعداد قليلة منهم الي أوربا، وتفرقت في ربوعها. وحط نفر منهم في أسبانيا، وكانت تسمي في لغة اليهود - سيفاراد - أي بلاد الغرب ويسمي يهو أسبانيا بأهل سيفاراد أي السفرديم. ويقول مؤرخنا الكبير حسين مؤنس لم يسمح لليهود بالاستقرار في المدن أو القري أوالمواني، لأن الرومان كانوا يشمئزون منهم وإنما سمحوا لهم بالعيش في محلات ينشئونها خارج المدن والقري. وهناك وعلي الطرق الكبيرة وقرب المواني عاشت جماعات اليهود واشتغلت بالتجارة، وكان يسمح لليهودي بأن يتاجر في السوق الاسبوعية للبلد أوالقرية علي ألا ينام فيها، فقبل أن تقفل الاسوار مع هبوط الليل طرد منها اليهود جميعا الي الخارج! ولهذا، فإلي سقوط الدولة الرومانية كان اليهود يعيشون في ضنك وفقر دول إلا عدد قليلا منهم كان يشترك في تجارة المواي ويعمل وسيطا بين تجار الشرق والغرب بحكم معرفته بلغات تجارالشرق، ومعظمهم في ذلك الحين كانوا من أهل سواحل الشام ومصر.
هذه صورة سريعة عن اليهود، وكيف ظلوا طوال حياتهم يتمردون حتي علي أنبيائهم. تمردوا علي موسي عليه السلام وأضلهم السامري ورفضوا الدخول معه الي الأرض المقدسة وتقاعسوا عن نصرة موسي وهارون تاهوا في الارض. وعندما تمكنوا من الارض في عهد داوود وسليمان سرعان ما اتقلبوا علي تعاليم شريعة موسي وتباعدوا عن مباديء داود وسليمان، فباءوا بالخذلان: فتاهوا في الارض، وتشردوا فيها. وأخذهم (مختصر) أسري في بابل، ولم يستطيعوا مسايرة حكم الرومان، فانقلبوا عليهم وظلو بعد ذلك يحلمون بملكهم الذي انقضي وزال بسبب حقدهم وعداواتهم التي لا تنتهي ومحاولاتهم الدائمة في جمع المال، ومحاولة السيطرة علي الشعوب التي يعيشون فيها، وظنوا أن الله ربهم وحدهم، وأن الله أباح لهم مالم يبحه للشعوب الاخري.. فقالوا ومازالوا محور المتاعب في العالم لتقوقعهم علي ذاتهم، ومحاولاتهم قهر الآخرين. غير عابئين بحرية الآخرين في العيش في سلام. مراجع تفاسير القرآن الكريم قصص الانبياء عبدالوهاب النجار نساء تحدث عنهن القرآن د. محمد سيد طنطاوي الرسالات الكبري سنية قراعة كيف نفهم اليهود د. حسين مؤنس