! كانت عقارب الساعة تشير الي العاشرة صباحًا ، عندما نظرت اليها الحسناء "ريم" ، وهي تجلس فى الممر الطويل أمام قاعة مكتب تسوية المنازعات الأسرية بمحكمة اسرة الزيتون ، وتتمنى لو يتوقف بها الزمن حتى لا تفعل ما جاءت من أجله إلى المحكمة! فهى نشأت بين احضان اسرة متوسطة الحال ، لم تر يومًا أي مشاكل بين والديها امتدت خارج باب منزلهم ، ولم تفكر والدتها ابدًا ان تطلب الطلاق من زوجها ابو اولادها لأى سبب كان ، واعتقدت "ريم" أن حياتها بعد الزواج سوف تتشابه وحياة والديها ، اسرة بسيطة مكونة من اب يخاف على اسرته ويحميهم من أى رياح تحاول ان تعصف بحياتهم ، وأم كل همها أن تنشر الحب والحنان بين افراد اسرتها وتزرع القيم فى ابنائها ، وثلاثة ابناء هم قرة عين والديهم ، لكن تكسرت احلام "ريم" على صخرة الواقع الاليم ، بعد أن وجدت نفسها زوجة تقف داخل محكمة الاسرة تطلب دعوى خلع ضد زوجها بعد زواج لم يدم لأكثر من اربع سنوات فحسب! حياتها كانت شريط يمر امام عينيها وهى تجلس تنتظر دورها للدخول الى مكتب تسوية المنازعات ، اغمضت عينيها وهموم الدنيا فوق عاتقيها ، ودموعها تنهمر وهى تسأل نفسها ، هل استكمل الطريق الذى بدأته واتقدم بدعوى خلع ضده وافضحه انتقامًا لما فعله بى طوال الاربع سنوات ، ام انتظر حتى يأتي امر الله ويطلقنى هو دون اللجوء الى المحاكم من اجل ابنتي ثمرة هذا الزواج الفاشل؟! ، وقبل أن تنهي سؤالها وتحصل على إجابة من عقلها انتبهت على صوت محاميها ينادى باسمها ، يخبرها بانه حان دورها! صوت دقات قلبها كانت اقوى من صوت خطواتها التى كانت تخطوها نحو المكتب ، ودلفت الى هناك والحذر والخوف يعتصران قلبها ، وبصوت هادئ مرتعش جلست "ريم" 33 سنه ربة منزل ، تملك قدرًا كبيرًا من الجمال ولباقة فى الكلام ومظهر خارجى راقى ، وراحت تروي مأساتها بعد ان تقدمت بدعوى خلع ضد زوجها "كريم.أ" 36 سنه يعمل فى إحدى الشركات فى احدى الدول الخليجية ، بعد زواج قصير لم يستمر سوى اربعة اعوام أثمر عنه طفلة وحيدة عمرها 3سنوات ،وقالت: كنت فتاة هادئة الطباع جدا ، لا اعرف كيف اقيم أى علاقة مع أى شاب مثل كل الفتيات فى سنى ، حتى تخرجت من الجامعة ولدى رهبة كبيرة من الحب والارتباط ، كل ما حلمت به أن اتزوج واحب من اتزوجه ونعيش سويًا حياة هادئة ، حتى تقدم "كريم" للزواج منى من خلال احدى معارفنا التى اكدت لنا على حسن سمعته وخلقه ، وكانت تحكى لنا مدى ثرائه نتيجة عمله بالخارج وسفره لإحدى الدول الخليجيه ، وانه يمتلك شقة وسيارة ورصيد يكفيه لإتمام مراسم الزواج سريعًا! بالطبع كل هذه المواصفات كانت مصدر سعادة لأسرتى ، اما انا فرغم سعادتى لكن كنت اتمنى أن يكون جيد المظهر ويمتلك قدرًا من الوسامة ، وكنت انتظر بفارغ الصبر الذى اراه فيها حتى يهدأ قلبى ، حتى حضر لزيارتنا فى اول زيارة له لمصر بصحبة والدته وشقيقته الكبرى ، واكتملت سعادتى عندما وقعت عيني عليه ، فرغم انه ليس وسيما الى درجة كبيرة لكنه مهندم المظهر ويهتم بنفسه بشكل كبير جدًا كما إن ملامحه جيدة واسلوبه فى الكلام يجذب انتباه من يستمع اليه ، شعرت أن قلبى ينبض نحوه كما اخبرنى بانه يحس بنفس الشعور نحوى ، وتمت مراسم الخطوبة سريعا! زفاف وصدمة وعاد خطيبى إلى عمله بعد فترة قصيرة من إعلان خطبتنا ، واخبر أبى بانه سوف يستكمل تأثيث شقة الزوجية هناك ، ثم يعود للزواج ونسافر سويًا الى هناك ، أما الشقة التى يمتلكها هنا فسوف تظل مغلقة حتى نعود للاستقرار فى مصر ومن ثم نقوم بتشطيبها سويًا بعد الزواج ، ووافق ابى مثل أى اب يريد لابنته السعادة وتيسير الامور على الشاب! ومرت فترة خطبتنا كلها وهو فى البلد الخليجى ، كنا نتحدث هاتفيا ومن خلال وسائل الاتصال الحديثة من "الفيس بوك" و"الواتس آب" ، حتى الهدايا فى المناسبات الرسمية كان يرسلها لى مع اسرته ، ورغم انى لم اعش اللحظات التى تعيشها كل فتاة فى فترة الخطوبة ، لكن لن انكر مدى سعادتي وقتها ، حتى عاد خطيبى لنقيم حفل زفافنا ونطير الى مكان عمله! بدموع عينيها تتذكر الزوجة البائسة "ريم" تلك الايام التى مرت عليها شاقة وتقول: لن أنسى هذه الايام ، صدمتى بدأت منذ اول يوم زواج ومن أول يوم سفرى معه بدأت مشاكلنا ، بدايتها كانت بخله الشديد ، وبالطبع بخله هذا كان فى كل شيء ماديا ومعنويًا، حتى علمت ان معظم الهدايا التى كانت تحضرها لى والدته كانت تشتريها من حسابها الخاص ، لانها تعلم ببخل ابنها وكانت لا تريد أن نكتشف بخله هذا وأنهى علاقتي به مثلما فعلت فتيات قبلى وكن اشد فهمًا عنى ووعيًا! فشقة الزوجية برغم انها كانت فى موقع متميز ، لكن كانت شركته مساهمة معها فيها لانه متزوج وهذا ما علمته فيما بعد ، أما الاثاث فكان متواضعًا الى حد كبير ، وعندما رأيته خدعت نفسى بأنها ليست شقة العمر وبأنه لم يرغب في إنفاق ما ادخره على شقة ليست ملكًا لنا للابد ، لكن بعد مرور يوم بعد يوم ادركت بخله حتى فى الطعام والملبس والتنزه ، فكنت لازلت عروسا وفى بلد جديد على و لم يصطحبنى زوجي لزيارتها والتنزه للخارج كثيرا وكان يتعلل بأنه يحب قضاء وقته فى البيت اكثر ، وبقلة خبرتى فى الحياة كنت اصدق كلامه! وعيناها تنظران الى الارض ووجه سيطر عليه حمرة الخجل ، تكمل "ريم" كلامها قائلة: أما من الناحية المعنوية فحدث ولا حرج ، فيكفى انى اقول أن زواجنا استمر لمدة اربعة اعوام ، لم تتم علاقتنا الحميمية فيها سوى مرات تعد على اصابع اليد الواحدة ، ولا اعرف إذا كان زوجى مريضا او لديه ما يمنعه من ممارسة العلاقة الزوجية او انه يبخل علي بصحته مثلما يبخل بماله ، ومع الاسف البالغ لم اتمكن من أن اشكو لأى احد من اسرتى لخجلى وخوفى وشعوري بأنه عيب كبير ان اتحدث فى مثل هذه الامور الخاصة! لكن أنا انسانة ولدى مشاعر ، وزوجى اهملني من كل الجوانب،والشيء الوحيد الذى جعلنى أصبر على تحمله حتى تلك اللحظة كانت ابنتى "لوجى" ابنة الثلاث سنوات والتى حملت فيها بعد زواجي منه مباشرة ، وكان حملى فيها اول عذر يتمسك به زوجي للابتعاد عنى وعدم اعطائى حقوقى كزوجة ، وتعلل بأنه يريد إنجاب هذا الطفل بشده ويخاف من معاشرتي حتى لا يؤذينى، وكذلك بعد انجابى لها بالطبع انجبتها فى مصر وبعد شهور قليلة من اطمئنانى عليها عدت الى زوجى فى بلد عمله ، وللاسف كان مرحبا بى فقط حتى اخدمه ويبقى بجانب ابنته ، والتى اخذها هى الاخرى حجة للابتعاد عنى اكثر وعدم إقامة أى علاقة! وتكمل كلامها بأسى ودموع وحزن شديد قائلة: بدأت اتذمر على حياتى معه ، ولم اهنه فى وجهه او انعته بعدم رجولته ، لكن كان واضحًا على تصرفاتى وبالطبع رغمًا عنى ، وبدلا من أن يقابل هذا الامر بالهدوء ، قابله بعنف بالغ القسوة ، فكان يضربنى ويهيننى بشدة، وينعتنى واسرتى بأبشع الالفاظ ، ويعايرني بأن اسرتى باعتنى له ووافقت على الزواج من اجل فلوسه وعمله بالخارج! إهاناته كانت متكررة ومؤلمة ، وحاولت ان اتحمله اكثر لكن دون فائدة ، زاد عنفًا ضدى وقسوة وزدت بغضًا له ولمعاملته معى ، حملت ابنتى وعدت الى اسرتى فى مصر واخبرتهم بكل ما حدث معى منذ زواجنا ، وبالطبع طلبت الطلاق منه ، لكنه رفض وبلغني بقراره النهائى بعدم طلاقى ، فقررت الانتقام لكرامتى ونفسى وجئت الى المحكمة للحصول على حقى وطلب الخلع منه! وقد فشلت محاولات الصلح بينهما بسبب اصرار الزوجة على طلب الخلع ، دون حضور الزوج بينما حضر بدلا عنه محاميه وأكد على عدم قدرة الزوج لجلسات الصلح بسبب انشغاله فى عمله وعدم قدرته على العودة بسرعة، فتم إحالة الدعوى الى المحكمة للفصل فيها!