كل مصري يشعر بالإهانة بعد ما جري في قضية تمويل الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية. وفي رأيي أن المهانة التي نشعر بها جميعاً تسببت فيها وزيرة التعاون الدولي فايزة أبوالنجا- والتي استغرب وجودها في كل الوزارات المتعاقبة قبل الثورة وبعدها وكأن مصر عجزت أن تأتي بغيرها في هذا المكان. والسيدة أبوالنجا حاولت لثأر شخصي توجيه ضربة لهذه الجمعيات والمنظمات خاصة بعد الثورة لأنها ظلت صامتة عليها أيام حكم المخلوع رغم أن هذه الجمعيات والمنظمات تتلقي أموالاً من الخارج منذ عام 2001، ولم نسمع لوزيرة التعاون الدولي صوتاً. وأعتقد أن السيدة أبوالنجا فكرت بنفس منطق حزبها الوطني المنحل وسعت إلي الوقيعة بين المجلس العسكري وشباب الثورة خاصة شباب حركة 6 أبريل بفتح هذه القضية الملفقة من الأساس في محاولة لتشويه حركة 6 أبريل وإظهارها أنها حركة عميلة تتلقي الأموال من الأعداء وحينها يسهل اتهام شباب الحركة بالخيانة ويرتاح المجلس العسكري من شباب الحركة الذين لعبوا دوراً رئيسياً في إشعال ثورة 25 يناير. وللأسف الشديد.. ابتلع المجلس العسكري طُعم السيدة أبوالنجا وزادت كراهيته لشباب حركة 6 أبريل بل وكل شباب الثورة رغم عدم ثبوت أي تهمة تلقي أموال من الخارج علي شباب الحركة في أي مرحلة من مراحل التحقيقات.
وتوالت فصول المهانة. في البداية خرج اثنان من المستشارين علي الناس في مؤتمر صحفي- وهي سابقة أولي لم تحدث في تاريخ القضاء- للإعلان عن تفاصيل هزيلة وغير منطقية تفيد التأكد أن عدداً كبيراً من الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية تتلقي الملايين من دول خارجية وكان الهدف بالطبع إظهار القائمين علي هذه الجمعيات والمنظمات علي أنهم جواسيس وخونة وعملاء هدفهم هز استقرار مصر وخرابها.. وتم الإمساك بهم وإحالتهم إلي المحاكمة أمام القضاء المصري النزيه. ولأن دخول المستنقع غير الخروج منه كما يقولون. فقد اصطدم المجلس العسكري بالولاياتالمتحدةالأمريكية بسبب فتاوي الست فايزة أبوالنجا عندما تم احتجاز 19 أمريكياً قيل أنهم يمولون هذه الجمعيات والمنظمات. وبما أن المواطن الأمريكي له سعر.. فقد لوحت أمريكا بقطع المعونة عن مصر إذا لم يتم الإفراج عن مواطنيها في مصر.. وراح الجميع يتشدق بكلمات الكرامة والعزة وعدم قبول المهانة الأمريكية، ووجد أعداء الثورة ضالتهم المنشودة في هذه الأزمة.. وراحوا يسكبون البنزين علي النيران المشتعلة.. وكان أولهم أعضاء برلمان بما لا يخالف شرع الله والذي يدعي أنه برلمان الثورة وأدلي كل عضو فيه بدلوه وصرخوا »مصر لن تركع« وتبعهم شيخهم صاحب اللحية الطويلة الذي دعا إلي جمع التبرعات من المواطنين الغلابة للاستغناء عن المعونة الأمريكية. والغريب أن أياً من هؤلاء الذين يتشدقون بالوطنية والكبرياء لم يمنح نفسه فرصة واحدة للتفكير في أن العالم تغير وأفكاره تغيرت وأن الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني في العالم كله معترف بها بل أن بعض الدول مثل كذا أصبحت هذه الجمعيات والمنظمات أقوي بكثير من الأحزاب السياسية.
الأغرب أن الولاياتالمتحدة سعت لحل الأزمة سياسياً حتي تتراجع مصر عن شدتها غير المبررة.. فازداد القائمون علي الأمر تشدداً وغلواً وزجراً بالبسطاء من الشعب في معركة الكرامة الوهمية بعد أن صور الإعلام المضلل أننا أمام قضية جاسوسية مكتملة الأركان! ثم جاء المشهد الدرامي الذي أفاق عليه كل المصريين. بعد إحالة المتهمين الأمريكان والمصريين القائمين علي عدد من الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني للمحاكمة.. تنحت هيئة المحكمة لاستشعارها الحرج! ثم قام المستشار عبدالمعز إبراهيم رئيس محكمة استئناف القاهرة بتشكيل هيئة جديدة في ليلة ظلماء لتمنح الإفراج عن المواطنين الأمريكان دون المصريين! وبعد ساعات قليلة هبطت طائرة أمريكية علي أرض مطار القاهرة وحملت ال19 أمريكياً المتهمين في القضية وعادت بهم إلي بلادهم.. وحلقت الطائرة في الجو يلاحقها صدي صوت يقول: مصر لن تركع.. مصر لن تركع!
نعم كلنا نشعر بالإهانة. نشعر أن نظام مبارك الراكع لأمريكا وإسرائيل مازال قائماً. نشعر أن هناك من يحاول إسقاط ورقة التوت الأخيرة من علي القضاء.. ليقول لنا إنه قضاء غير مستقل.. ولا هو قضاء نزيه وإنما يتلقي الأوامر بالتليفون. نشعر أن برلمان بما لا يخالف شرع الله لا يمثلنا بأغلبيته الكاذبة. نشعر أننا ضللنا الطريق. فعلي المجلس العسكري القائم علي البلاد في هذه المرحلة الانتقالية أن يخرج ويعلن الحقيقة علي الشعب ويكشف لنا حقيقة ما أوردته الصحف عن وجود صفقة قيمتها 50 مليار جنيه! علي جماعة الإخوان المسلمين أيضاً أن يوضحوا حقيقة ما قاله الأمريكان عن دور الجماعة الأساسي في إعادة المتهمين الأمريكان إلي بلادهم في أمان وسلام تحت دوي صرخاتكم عن العزة والكرامة. الشعب يريد الحقيقة كاملة. الشعب يرفض أسلوب نظام المخلوع الذي أذل مصر وأهانها بين الأمم.. والثورة لم تقم حتي تستمر المهانة تحت شعار بما لا يخالف شرع الله!