قالت العصا : لا حديث للناس اليوم إلا عن الغلاء .. هذا الداء المستعصي الذي تعبت الرؤوس وكلت الهمم في البحث عن علاجه .. ألا تري له من دواء ؟! قلت : فلنبحث أولا عن أصل هذا المرض .. بعيد عن نظريات العلماء والخبراء .. إنه فى حقيقة الأمر لا يختلف كثيرا عن أي مرض من تلك الأمراض التي قيل فيها قديما " البطنة أصل الداء والحمية رأس الدواء " .. فمهما يكن من قوة الأسباب الاقتصادية أو غيرها مما يؤثر فى السوق ويرفع الأسعار ، فإن السبب الأكبر هو فى أيدينا نحن بل قل فى بطوننا .. فمواد الطعام من لحم وخبز وفاكهة وأرز لن ينخفض سعرها كثيرا فى أي يوم ، ما دمنا نريد أن نضعها على موائدنا فى كل يوم .. إن شراهة المنتج والبائع إنما تنبع من شراهة المشتري والمستهلك .. وإليكم تجربة تثبت ذلك بالدليل قوموا معشر المستهلكين بحملة واسعة النطاق ، واستخدموا فيها الصحف والإذاعة وكافة طرق النشر لتحديد الأصناف وتنظيم ألوان الطعام لكل قادر وكل بيت .. محذرين من أكل الفاكهة أكثر من مرتين فى الأسبوع ، واللحم أكثر من ثلاث مرات والأرز أكثر من مرتين أو ثلاث . واحملوا حملة شعواء على الإسراف والتبذير والترف فى المأكل والملبس .. وروجوا للقناعة والبساطة – ولا أقول للزهد والتقشف كما فعلت انجلترا منذ عامين ، فنجحت لا فقط فى مقاومة الغلاء بل فى القضاء على أزمتها المالية .. افعلوا ذلك بكل وسيلة وأنتم ترون العجب : إن الكروش ستختفي وينقص الترهل ومرض السكر وضغط الدم ، وتنقص الأسعار وتعمر الجيوب ويُطعم الفقير والغني .. قالت العصا : حقا .. لا فائدة من علاج الغلاء قبل أن نعالج بطوننا وترفنا .. لا شئ يقتل البائع الطامع غير المشتري القانع . أخبار اليوم 2-12-1950