على الرغم من احتلاله المركز الأخير بين 59 سباحا، بسباق 100م فى أوليمبياد ريو أخيرا، حظى السباح الإثيوبى روبيل كيروس، بشهرة عالمية ضخمة، لم تكن مهارته السبب، إنما وزنه الزائد، وبروز «كرشه» على نحو مثير وغير متوقع. السباح ذو ال24 عاما، قال إنه تعرض لحادث سيارة أبعده عن التدريب فزاد وزنه، بعض الصحف تحدثت عن أن كيروس هو «ابن رئيس اتحاد السباحة الإثيوبى»، وأن الأب دفع ابنه إلى الأضواء على حساب آخرين، لتثور أسئلة من عينة: أيهما كرشه أكبر ، كيروس أم أبوه؟!.. الواقعة الأوليمبية، كشفت خطورة الكرش فى كل حين، بعض الكروش قادرة على تدمير عروش وأوطان، من حقك أن تطعن فى صدق الاحتمالات، لكن تعال أولا، نبحث معا عن دليل يثبت أو ينفى. الكرش، فى كتب اللغة، هى معدة الحيوان ذى الظلف أو الخف أو المجتر، والجمع كروش وأكرش، ويقال رجل أكرش أى عظيم البطن، وقيل: عظيم المال. المصادر الطبية ترجع «الكرش» أو «السمنة» إلى تركز الدهون بمنطقة البطن، نتيجة الإسراف -غالبا- فى تناول الطعام والشراب، بشكل زائد على الحاجة، وقد تصاحبها أمراض خطيرة للغاية. الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نبه لخطورة الشراهة والإكثار من الطعام: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه..»، وقال: «البطنة تذهب الفطنة». ومن ثم كان الصوم من أفضل القربات وأرقى العبادات إلى المولى سبحانه، لأنه جلاء للعقول، وصحة للقلوب والأبدان، يتيح للغنى الشعور بالفقراء والمحرومين من الزاد، فيهب لمساعدتهم. الشراهة لا عفة لها، آدم وحواء هبطا من الجنة، بعدما أغواهما الشيطان، بثمار الشجرة المحرمة، من ساعتها، تظل البطن رمزا لقدرة البشر على الهضم: من كتل اللحم إلى مليارات الدولارات، حتى الأوطان، كل بحسب قدرته وظروفه، نعم كثيرون فى هذه الدنيا بطونهم ضامرة، ربما يموتون جوعا وعوزا. وآخرون بطونهم فى منطقة الاعتدال المطلوبة. تتبقى فئة محدودة العدد، تنفتح شهيتهم لازدراد ما تقع عليه عيونهم، ثروات وسلطات، دون شبع، بطون قادرة على ابتلاع بلدان بقضمة واحدة، بطون الأفيال لاشيء بجوارهم، هم «الحيتان»، فى الإدراك الشعبى، فصيلة لا ضمير لها من ذوى الثراء والجشع فى دول العالم الثالث، كل الأشياء بنظرهم سلع، يمكن الاتجار بها، يتحكمون بالأسواق، الصادرات والواردات، يقبضون على رقبة البلد، بعضهم يتسع نشاطه إلى المحرمات.. ينزحون الأموال إلى بنوك الغرب، يفرضون على الحكومات شروطهم، فتسعى لإرضائهم على حساب الغلابة. يوسف إدريس، فى رواية «الحرام»، صرخ منبها إلى فداحة غياب العدالة الاجتماعية، وأن «جدر بطاطا» يمكن أن يصنع مأساة إنسانية. يقف الحيتان غالبا، بالمرصاد ضد الاستقلال الوطنى..عقب انهيار الاتحاد السوفيتى، شكل نظراؤهم فى روسيا، ما عرف ب «حكومة الأقلية»، طبقة رعت الخصخصة الفاسدة وخنقت الاقتصاد. كادت روسيا تتبخر، لولا ظهور فلاديمير بوتين. جورج سورس ومادوف المحتال أعطبا الاقتصاد العالمى أكثر من مرة. تميط الإحصاءات اللثام عن أن الحيتان أوالهوامير أوضباع المال (10%) يهيمنون على 90% من الثروة ببعض البلدان، فى نهم مسعور.. إنها قصة ظلم اجتماعى فادح، يستند –أحيانا- إلى التحالف مع السلطة، فإن فشل التحالف، أغرقوها فى الأزمات الاقتصادية،عبر تحكمهم الحصرى بوسائل الإنتاج، ونهب الأراضى ومقدرات الدولة، ونشر أذرعهم فى الدهاليز المتحكمة ب «بواطن» الأمور.. لايغفلون لحظة عن مقولة نابليون: «إن الجيوش تزحف على بطونها»، أى أن لقمة العيش تتحكم فى الناس وتحركهم، بأى اتجاه تريد. عن نفسى لا أحب تسمية «الحيتان»، إنهم «تماسيح» -لصوص أين منهم آرسين لوبين وشرلوك هولمز- يذرفون الدموع الزائفة وهم يلتهمون الأوطان بوحشية، بدل مساندتها فى المحن والأزمات، أويسلمونها «تسليم أهالى» للمنافسين أوالقوى الدولية المهيمنة. تعرف حيتان البحار تأنيب الضمير، فى لحظة ما تجنح إلى الشاطئ وتنتحر، أما هؤلاء فيدفعون بلادهم دفعا إلى الانتحار، أويفرقون دماءها بين الكبار ذوى البطون اللانهائية الاتساع فى عالم اليوم. بطون القوى العظمى تصنع سياساتها الخارجية، ولاهدف لها سوى الهيمنة ومد النفوذ، ترتكز الولاياتالمتحدة على مدرسة القوة فى العلاقات الدولية لتحقيق أطماعها، انظر ما حل بالعراق وليبيا. أوروبا تجنح لرفع شماعة القيم والمثل للترويج لسيطرتها، خبرة استعمارية باهظة التكلفة على بقية شعوب الأرض، أين منها قضية فلسطين أواللاجئين السوريين. أما الصين فلا ترى العالم إلا بعين التاجر - صاحب الكرش الكبير - يحلم بغزو الأرض اقتصاديا، وختمه بعبارة «صنع فى الصين». تتوسع «الكروش العملاقة» على حساب فرائسها من البلدان المنهكة، يقول الناقد الفرنسى بول فاليرى: «ليس الليث سوى عدة خراف مهضومة».. انظر حولك، لكن أرجوك لا تسألنى عن السياسة الخارجية للدول العربية، لأننى ساعتها مضطر إلى أقول لك: استيقظ.. واحرص على قول الخير، أوفلتطبق فمك بقطعة من اللحم اللذيذ العزيز المنال..! [email protected] لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن