الخميس : مَن يظهر في الكادر، ومَن يخطف الأضواء؟ تمدد السؤال حتي ملأ رأسي تماماً، في البداية كان خاطراً خاطفاً، ثم ألح، لم يتركني لحالي منذ رأيت مشهد مني وهي تجر عربتها، ثم وهي في حضرة الرئيس. ماذا لو فكر أحد مخرجي الكليبات في استحضار أغنية حليم »صورة» في ڤيديو كليب الآن؟.. أين يكون موقع مُني ومئات الآلاف مثلها؟. كيف ترصد الكاميرا الرضا الداخلي الذي يملأ جوانحها، رغم وجهها البائس المكدود الذي تنضح من قسماته علامات أنيميا مزمنة، بفعل عقود من الإرهاق والتعب وسوء التغذية والظلم والتهميش؟.. أي مصور عبقري هذا الذي يستطيع أن يغوص في أعماق مُني ومَن تمثلهم؛ عبر مراحل الطفولة والصبا والشباب الذي يوشك أن ينقضي بحساب السنين، وإن كان قد ضاع، وصارت في عداد الشيوخ بحساب الواقع المرير؟!. مُني الإسكندرانية الطيبة، الجدعة، المكافحة منذ طفولتها، مجرد نموذج لمن يجرون عربة الحياة، يتحملون المسئولية عن أنفسهم، منذ فتحوا عيونهم فعرفوا مبكراً أن في رقابهم - بلا فِكاك - أسرة ثم بحسبة بسيطة صادقة نجدهم يساهمون بلا كلل أو شكوي - ولو بالهمس - في جر عربة الوطن يوماً، ودفعها أحياناً كثيرة للأمام، ولا بأس من حراستها إذا تطلب الأمر، في مواجهة الذين احترفوا امتطاء الأكتاف والظهور، واستحلال جهد وعرق مُني وأخواتها وإخوانها، الذين يرضون بالحلال علي ضآلته، ولا يتطلعون لأكثر من الستر، بينما من يعرفون طريقهم دائماً لسرقة الكادر، وتصدر المشهد، لا يملون فرضَ قانونهم الظالم في إصرار مريب ومدهش.! ظهرت مُني بالصدفة لكن المعاني والأسئلة التي فرضها هذا الظهور لا يجب من الآن فصاعداً أن تغيب أبداً. قضايا عدة فجرها المشهد الأول لمني السيد إبراهيم الذي جاء خاطفاً، ثم إذا بالمشهد الثاني خلال لقائها مع الرئيس يضعها في بؤرة الأحداث. رغم هدوئها، كانت أصداء المشهدين صاخبة، لكن ماذا بعد صخب ردود أفعال الميديا، والتعليقات التي توالت كالسيل الهادر علي مواقع التواصل الاجتماعي؟! ثم ماذا؟. عملياً.. لا شيء! نحو مائة حزب، وآلاف الجمعيات الأهلية، وائتلافات برلمانية تتكاثر وتتنابذ، ثم لا شيء يصب في مصلحة »مُني»، لا ضرائب تصاعدية، ولا برامج سياسية ذات صبغة اجتماعية تترجم حساً طبقياً يتجاوز فكرة الإحسان، ثم إلقاء الفتات للغلابة، في الغالب لزوم »البروباجندا» لهذا الإعلامي أو لرجل أعمال يغسل سمعته، لتكمل »مُني» طريقها، ومعها مئات الآلاف من أطفال يعملون في ظروف قاسية، ونساء مُعيلات، ورجال مهمشون لا يظهرون في الصورة، رغم أنهم من يدفعون عربة الوطن في صمت وبلا تردد أو ملل، لكن للصبر حدود. محمود الهجان.. وداعاً السبت : هل كان محمود عبدالعزيز رجل مخابرات؟. أظن أن الإجابة لا قاطعة. لماذا نعاه جهاز المخابرات العامة في سابقة هي الأولي من نوعها؟. في اعتقادي أنه ربما يكون الفنان الذي برع في تجسيد نموذج للفداء والوطنية بدرجة من الصدق تجعل رأفت الهجان مثلاً يُحتذي، يصعب نسيانه.. ألا يكفي ذلك؟. لقد قدَّم غيره أدواراً مشابهة. نعم، لكن أحدهم اعتذر عن ذات الدور، لأن همه كان تخليد نفسه، وتوسيع نطاق دوره في السيناريو علي حساب أي شيء آخر. تكرر هذا الحوار معي، وكان الطرف الآخر مرة من جيلي، والثانية من جيل الأبناء، وكأن تقدير الجهاز المسئول عن الأمن القومي، لا يجب أن ينصرف إلا لأبنائه المباشرين! ............................ الحق أن مشوار الساحر الراحل كان حافلاً بالأدوار المتنوعة، إلا أنه كان يترجم اهتمامه بالوطن وأمنه، في اختيارات تجاوزت دور الهجان، بل ربما أسقط الزمن من ذاكرة الكثيرين أنه في بداياته شارك في أول مسلسل عن بطولات رجال المخابرات العامة، كان عنوانه »كلاب الحراسة»، ومن ينسي دوره الرائع في فيلم »إعدام ميت»، وكان نموذجاً رائعاً لتجسيد معاني التضحية من أجل الوطن. ............................ ربما يكون النعي الاستثنائي من المخابرات مناسبة مواتية لرد الاعتبار لأولئك الذين كانت لهم أدوار وطنية بالتعاون مع الجهاز في عمليات لم تكن لتحقق نتائجها الباهرة، إلا بقبول فنانين وطنيين للعب هذه الأدوار، وفي عملية الهجان علي سبيل المثال كان للفنان إيهاب نافع دور لم يُكشف عنه النقاب إلا بعد رحيل الهجان الحقيقي. وفي عملية الحفار، كان الغطاء لتأمين أبطالها تصوير فيلم بالكامل في أحراش أفريقيا، والغريب أن إحدي بطلات الفيلم اقترنت بملياردير عربي سعي لشراء النيجاتيف وكل نسخه وأحرقها إكراما لعيون الزوجة الفنانة، وليذهب جزء من التاريخ إلي الجحيم ! رحم الله محمود عبدالعزيز الذي أضحكنا وأبكانا، أبهجنا وأمتعنا، وكان صادقاً في جميع ما جسده من أدوار، لكن يظل توحده مع الهجان فريدا في أدائه علي مدي مشواره الفني العريض. رحم الله محمود الهجان، أو رأفت عبدالعزيز، لا فرق تقريباً، ففي الحالتين كان بطلاً دون ادعاء. مستشار.. لا يُستشار! الأحد : شرفني بالزيارة دون موعد سابق. قدَّم نفسه لمدير مكتبي، وطلب إحاطتي علماً بحضوره، وإن أمكن أفسحت له من وقتي دقائق. أقل من دقيقة وكان أمامي الضيف الذي جاء فجأة. اعترف أن حب الاستطلاع الغريزي تحالف مع وجهه الآخر المهني، ولم أشأ إضاعة الوقت في المقدمات، وبعد عبارة ترحيب مقتضبة، سألته مباشرة: أي مناسبة طيبة دعتك لهذه الزيارة؟ الحقيقة أنني أفنيت عمري في خدمة الوطن، وعندما بلغت الستين، وتقديراً لما بذلته صدر قرار بالمد لي مستشاراً لمعالي الوزير. عظيم.. وماذا يعني ذلك ل »كتاب اليوم»؟ لقد قرأت دعوتك المرحبة بأي مساهمات للنشر عندكم. هذا صحيح، إلا أن الأمر يرتبط بالنَّص الذي يُقدِّمه المؤلف، وإلي أي مدي يُثري الإصدار. سوف أقدم تجربتي عبر المشوار الوظيفي الطويل، والحق إن لدي وقتا ومتسعا لا أعرف كيف أشغَله. ألست مستشاراً للوزير؟ نعم.. ولكن لا يخفي عليك أن المستشار في مصر غالباً لا يُستشار، إنه نوع من التكريم ليس إلا (!) من باب الفضول.. برضه ليس إلا.. وبوسعك ألا تجيب.... لم يدعني أكمل، ورد مقاطعاً: آه.. فهمت قصدك، سوف تسأل عن مكافأتي كمستشار، حوالي 25 ألف جنيه، في تقديرك هل تكفي مع زيادات الأسعار، وما يفرضه الوضع الاجتماعي من مظاهر لا غني عنها و.. و..؟ وجاء دوري لأقاطعه: ألم تعترف بأنها وظيفة شرفية بلا عمل تقريباً؟! ليس تماماً.. علي أي حال سوف أشير في آخر فصول كتابي المقترح إلي توصيات تهدف لتفعيل دور المستشارين للإفادة من مخزون خبرتهم الذي لا ينضب (!) ............................ اعتذرت للسيد المستشار الذي اعترف بعضمة لسانه إنه عاطل كبير، عبء علي بلد يئن من معاناة أبنائه الغلابة بالملايين، ثم لا يستحي من تقديم نفسه باعتبار أنه ناصحٌ أمين.. عجبي!. وهم اسمه: الحل في الخانة! الإثنين : لا أستطيع أن أخون ما نشأت عليه، ثم علَّمتهُ لأولادي، وحرصت علي مدي عمري أن أتمسك به: كل المصريين علي أرض الوطن سواء. يعني: أنت مصري، هو مصري، أنا مصري.. مسلم، مسيحي، صعيدي، قاهري، بدوي، من النوبة، من سيوة، من سيناء،...، ... كلها تفاصيل تتلاشي تحت مظلة وطن نقتسمه ويوحدنا، نعيش فيه، وبه، ومن أجله، ويحيا فينا، وبنا. هكذا كنا، ولم يسمع جيلي، ولو في أضغاث أحلامه لحكاية الفتنة، والنوازع الطائفية، إلا في أزمان سوداء مغبرة.! بالطبع ثمة مشاكل لا ينفيها مجرد إنكارها، ولا جلسات الصلح العرفية، ولا ضغوط الأجهزة، ولا تبويس اللحي، فأول العلاج الاعتراف بالمرض، ثم تشخيصه بدقة وأمانة، بعيداً عن الشكلية. وعلي ذكر الشكلية، يتداعي مقترح إلغاء خانة الديانة من الأوراق الرسمية، ولكل من يتصور أن الحل في الخانة، أصرخ في وجوههم: أفيقوا من أوهامكم. إذا كان هناك مدرس متعصب يميز بين أحمد وجرجس، وبالمناسبة فإن الاحتمالين قائمان، أي أن هذا المتعصب قد يكون مسلماً أو مسيحياً، فما العمل؟ وماذا عن جيران العمر إذا هاجمهم ڤيروس التعصب؟.. هل يَطَّلِعُ الجار علي أوراق جاره بعد عشرات السنين، فإن اختفت خانة الديانة جهل عقيدة جاره؟! ثم ماذا عن الأسماء الملتبسة حتي الاسم الثالث أو الرابع، إذا كانت المسألة تشغل بال من يتعامل معك؟ و... و.... وافتراضات عديدة، ربما بلا حصر تجعل من مقترح إلغاء خانة الديانة وهما كبييييرا، أو كما يقول أولاد البلد »ضحك علي الدقون» وسعي من جانب أبناء عبده مشتاق لإحداث فرقعة و »شو إعلامي» لا يلبث أثره أن يذهب أدراج الرياح. مثلاً: كيف تخفي طالبة صليبا تتزين به حول عنقها في حضرة أستاذ أو رئيس متعصب؟.. وبالمقابل هل تذهب مسلمة دون حجابها لتتقي نظرات كراهية من زميلتها المسيحية المتزمتة؟ هذا مجرد مثال، بالإمكان نسج عشرات علي منواله. ليس أمامنا إلا السهل الذي أرجو ألا يكون ممتنعاً: التربية السليمة؛ في البيت والمدرسة، تفعيل مفهوم المواطنة بالقانون دون سواه، وبعد ذلك من لا تُهذِّبهُ التربية يردعهُ القانون، تلك هي المسألة كما أفهمها. المسرح في عباءة التليفزيون الثلاثاء : أول معرفتي بالمسرح جاءت عن طريق التليفزيون. حدث ذلك في ستينيات القرن الماضي، ولم أدرك في البداية أنه فن مختلف، متفرد بخصائصه، وكنت وجيلي نظنه أحد الفنون التليفزيونية، وربما كان كذلك حينما يتعلق الأمر بمسرح التليفزيون آنذاك. كنت أينما تذهب تجد المسرح حاضرا؛ في المدرسة، مركز الشباب، قصر الثقافة، بعض الجمعيات ذات النشاط الثقافي الاجتماعي... باختصار كان المسرح مؤثراً في هذه المرحلة، حتي الإذاعة كانت تحتفي به، وكانت ثمة سلاسل تقدم المسرح المصري والعالمي ضمن إصدارات وزارة الثقافة في هذا العصر. رويداً، رويداً انحصرت أشياء جميلة، وهاجم القبح المسرح كما استهدف غيره، ولم يعد إلا فيما ندر سوي المسرح التجاري بكل ما تعنيه الكلمة، وانسحبت الدولة من أدوارها، ولم يكن علي رأس المسرح ريشة، فتركته لقدرهِ المحتوم. بين فترة وأخري، وباجتهادات شخصية غالباً، بعيداً عن الفعل المؤسسي، كانت ثمة عودة خجول في موسم، أو عرض يتيم خلال عام ، ثم تعود ريمة لعادتها القديمة.! ............................ منذ بضعة أسابيع ارتفع الستار عن رئيس جديد للبيت الفني للمسرح، يبدو لي أنه يحمل رؤية تتسق مع ما شب عليه جيلي، ربما لأنه ينتمي إليه، لا أعرف إسماعيل مختار شخصياً، لكن حين تكلم رأيته. الرجل يؤكد أن مهمة مسرح الدولة مخاطبة الفكر لدي المواطن وتثقيفه، والكلام لابد أن يصدقه عمل، وأشتَمُ صدقاً فيما يقول، إذ بدأ بالتعاون في 4 عروض مع شباب الجامعة علي مسارح الدولة، ثم إنه جدد الدعوة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، لتفعيل بروتوكول يهدف لاستغلال إنتاج مسرح الدولة علي الشاشة الفضية وعرضه مجاناً، والتنسيق لإنتاج أعمال مشتركة، يكون لماسبيرو حق عرضها حصرياً. ولأن يداً واحدة لا تصفق، فإن الكرة الآن في نصف الملعب الخاص باتحاد الإذاعة والتليفزيون، فهل نري قريباً عودة طال انتظارها، ليشاهد متفرج التليفزيون المسرحيات الجديدة التي ينتجها البيت الفني للمسرح، وكذا أعمال مشتركة بين الكيانين؟. أتمني ألا أكون مُغرقاً في الخيال، لأن معظم ما قرأته منسوباً لإسماعيل مختار، يبدو كما لو كان إعلانات مدفوعة الأجر، أو أخباراً لا تلقي ما تستحق من اهتمام، وهنا مبعثُ القلق.! ومضات : زحمة الأفكار تعبير عن قبح أكثر من كونها ثراء ثقافيا. حين تقول إنك ابن زمانك، فهذا اعتراف بالاستسلام التام. رغم نعومة النسمة، فإنها تجرح أحياناً! لماذا الحنين لعذاب مضي، بزعم أنه كان في زمنٍ جميل؟ إذا سكنت الوَحشَةُ صدرك، فلن يؤنسك مائة إنسان. الجمود علي السطح يُربك حسابات من لا يجيد سوي التحرك في المحل . من يدمن السير في كل الاتجاهات، يفقد بوصلته معظم الوقت. المياه كانت ومازالت سر الحياة، لكنها ستظل سبباً للصراع حتي الموت.!