من القطاعات الإنتاجية التي يجب أن توليها الدولة مزيداً من الاهتمام هو قطاع التعدين لما يتميّز به من سمات خاصة تجعله من أهم القطاعات التي لها أثر مباشر علي الدخل القومي بما يوفره من خامات لازمة للعديد من الأغراض الصناعية والزراعية والإنشائية أي خامات لازمة لتنمية العديد من القطاعات الإنتاجية الأخري، فما تمتلكه مصر وما حباها الله به من خامات معدنية هي ثروة لا يستهان بها ولها أكبر الأثر علي الاقتصاد القومي إذا ما أحسن استغلالها. فهناك خامات الطاقة اللازمة لجميع القطاعات الإنتاجية الأخري مثل الفحم والطفلة الزيتية والبترول والغاز الطبيعي، كما تحتوي أرض مصر علي خامات معدنية مثل الحديد والمنجنيز والكروم والزنك والرصاص والنيكل والذهب، وغير ذلك مما يطلق عليه الخامات الفلزية تقوم عليها الصناعات المعدنية. وأيضاً توجد خامات لافلزية مثل الفوسفات والجبس والكبريت والحجر الجيري والطفلة والرمال والبازلت والحجر الرملي والرخام والجرانيت وكلها خامات تستخدم في مختلف الأغراض الصناعية مثل صناعة الحراريات والأسمنت وكذلك في الأغراض الزراعية وفي أعمال البناء والتشييد وغير ذلك من الأنشطة الاقتصادية. لا يتم استغلال هذه الخامات بالصورة المفروضة ولا يتم استثمارها الاستثمار الأمثل بل يتم تصدير أغلبها في صورة خامات أولية غير مصنَّعة وغير معالجة في الوقت الذي يحدث أحياناً أننا نستورد فنيلات للبعض منها معالجة من الخارج بالعملة الصعبة. هناك العديد من المشكلات والمعوِّقات التي تعوق الاستفادة والاستثمار الأمثل لثروتنا المعدنية ويعزو البعض هذا إلي وجود خلل في إدارة عملية استثمار ما هو متاح من ناحية ومن ناحية أخري لأسباب اقتصادية. من الناحية التنظيمية والإدارية نجد أن بعض هذه الثروات كالمحاجر مثلاً متناثرة علي طول البلاد وعرضها وبالتالي تتبع مختلف المحافظات وتخضع لظروف المحافظة وإلي الإجراءات التي تقرها والتي قد تختلف من محافظة إلي أخري، وهو ما نتج عنه أن نسبة كبيرة من عائد المحاجر لا يدخل إلي ميزانية الدولة بل يتبعثر بين الصناديق الخاصة في المحافظة وإلي جمعيات تعاونية لمواد البناء،كما تفرض أجهزة الإدارة المحلية رسوماً تكون أحياناً جزافية وفي بعض الأحيان تفرض رسوما للمرور علي طرق المحافظة وفي بعض الحالات يتم تأجير المحجر لمدة قصيرة مما لا يتناسب وطبيعة العمل التعديني وهو أسلوب يضع المنتج أو المستثمر تحت ضغط ورحمة أجهزة الإدارة المحلية التي قد تجدد له العقد وقد لا تجدد وكلها أسباب هروب المستثمر الجاد من ناحية وإتاحة الفرصة للفساد من ناحية أخري. من ناحية المعوِّقات الاقتصادية فهي كثيرة فقطاع التعدين الذي يشمل عمليات البحث والمسوح والاستكشاف ..... إلخ مكلِّف وعائده في كثير من الأحيان ليس سريعاً مما يضع العبء الأكبر لقطاع التعدين علي عاتق الدولة وهو ما يحدث في كل دول العالم. والجدير بالذكر هنا أن مصر أنشأت أول مؤسسة معنية بهذا النشاط في أواخر القرن التاسع عشر أي منذ أكثر من قرن من الزمان تحت مسمي هيئة المساحة الجيولوجية وهو الاسم المتداول في كثير من دول العالم... تم تغيير الاسم إلي هيئة الثروة المعدنية وكان المفروض الاحتفاظ بالاسم الأصلي كدليل علي العراقة والأصالة... ازدهرت الهيئة في بعض الأوقات وتعثرت في أوقات أخري وذلك بسبب عدم توفر التمويل اللازم للأنشطة مما كان سبباً في مناقشة الموضوع في مجلس الشعب في عام 1983 في عهد الوزير المهندس / عبد الهادي قنديل وكان لي شرف عضوية مجلس الشعب وقتئذ، طالبت كأسلوب للتصدي للمعوِّقات الاقتصادية بضم هيئة الثروة المعدنية لوزارة البترول وهو القطاع الغني بالموارد من ناحية ومن تشابه عمليات الاستكشاف في كلا النشاطين إلي حد كبير من ناحية أخري. وفعلاً تم ضم الهيئة إلي وزارة البترول ثم انفصلت لفترة وعادت مرة أخري إلي البترول حتي وقتنا الحالي. المتابع لهذا القطاع - قطاع الثروة المعدنية - يتضح له أن هناك ضرورة ملِّحة لإعادة النظر في إستراتيجية استغلال ثروتنا المعدنية وتحديثها بما يتلاءم والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية وأيضاً في ضوء تطور تكنولوجيات الاستكشاف والتنقيب... نحتاج إلي استراتيجية شاملة متكاملة لا تقتصر علي مراحل البحث والاستكشاف والتنقيب فقط بل تشمل التصنيع سواء كان تصنيعاً كاملاً أو جزئياً... أو تنقية أو تجهيز أو معالجة ليتم تحويلها إلي مواد أكثر صلاحية للأغراض الصناعية أو الزراعية وكلها أنشطة هامة لها ليس فقط قيمة اقتصادية مضافة بل تتيح فرصاً لمزيد من تشغيل الأيدي العاملة وهو بعد اجتماعي يفوق عائده أي عائد آخر، كذلك تتيح استخدام الخبرات المتاحة في الجامعات ومراكز البحوث التي قامت الدولة علي تكوينها وتأهيلها من خلال عملية التعليم وممارسة البحث العلمي... هذا بالإضافة إلي الاستفادة من البحوث العلمية والتطبيقية المتراكمة والتي تزخر بها مراكز البحوث والجامعات والتي تكمن في الأدراج.