ليست القضية هنا.. هي قضية فضيحة تمويل العقيد القذافي لحملة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، وليست التساؤلات حول علاقة ساركوزي الشخصية بالقذافي، ولا حتي الاعترافات التي ساقها رجل الأعمال اللبناني تقي الدين حول تلك العلاقة وشبهة الرشوة بين الرجلين، وأيضا ليست القضية هي تربص رجال السياسة الفرنسيين بساركوزي الذي كان أحد مرشحي اليمين الفرنسي للرئاسة الفرنسية في العام القادم.. ولكن القضية التي تهمنا هنا هي ديمقراطية وشفافية أمريكا والغرب ومنها: فرنسا في التعامل مع الأنظمة المستبدة مثل نظام القذافي السابق، فالقضية ليست أخلاق ولا شفافية ولا حقوق إنسان.. إنها المصالح في المقام الأول. والقضية التي مازالت تتحدث عنها فرنسا وأوروبا كلها.. فجرها رجل أعمال لبناني اسمه: زياد تقي الدين، تحوم حوله هو الآخر شبهات بالرشوة وغسيل الأموال، وسبق له أن قال ذات الكلام في لقاء حصري مع فضائية فرانس 24 منذ نحو 3 أعوام حينما قال إن الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي تمت رشوته من جانب دولة قطر التي اشترته بأموالها.. علي حد قوله.. ودفعت له نحو 300 مليون دولار، وأن ليبيا القذافي وقتها مولت حملته الانتخابية في العام 2007 لخوض منافسات الرئاسة الفرنسية.. وأكد تقي الدين حينئذ أن وزير الداخلية السابق كلود جيان متهم هو الآخر في ذات القضية، ووقتها لم يصدق الكثيرون حكاية تقي الدين، وقلل آخرون من أهميتها بل وقامت الشرطة الفرنسية بتفتيش منزله في العاصمة باريس، وكان القضاء الفرنسي قد اتهمه من قبل ذلك بعامين باستغلال الأموال العامة وبالشهادة الزور ثم أضاف في العام التالي عام 2012 له تهمة غسيل الأموال. وبين الحين والآخر.. كانت القضية باتهاماتها التي لم يثبت لها أي دليل حول علاقة ساركوزي بكل من قطر وليبيا، تطل برأسها حتي ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية، بعد أن كرر تقي الدين اتهاماته، بل وكشف عن تفاصيل جديدة في قضية تلقي ساركوزي لتمويلات من القذافي عززها بلقاء له مع موقع "ميديا بارت" وهو موقع متخصص في الصحافة الاستقصائية، وخلال مقابلته قال إنه قام ب3زيارات ما بين العاصمة الليبية طرابلس والفرنسية باريس في أواخر عام 2006 وحتي أوائل العام التالي، وأنه سلم خلال تلك الزيارات حقائب مليئة بالأموال، وكانت تحتوي ما بين 1٫5، 2 مليون يورو في كل مرة، وكان يتسلم تلك الحقائب من عبدالله السنوسي رئيس المخابرات الليبية في ذلك الوقت، ويسلمها بدوره لساركوزي شخصيا أو لمدير مكتبه كلود جيان وقتها، والتصريحات الجديدة القديمة التي ساقها تقي الدين، جاءت هذه المرة لتواكب تنافس ساركوزي مع 6 آخرين لنيل ثقة اليمين الفرنسي لخوض منافسات الرئاسة الفرنسية في العام القادم، وهو ما اعتبره البعض معارك سياسية وضربا تحت الحزام للرجل الذي أثار ومازال الكثير من اللغط ليس فقط في الساحة الفرنسية والأوروبية، بل حول العالم كله بعلاقاته الشخصية وتصريحاته المثيرة للجدل والاستنكار كثيرا. وقصة تقي الدين.. ارتبطت كما تقول منظمة هيومان رايتس ووتش بوجود أدلة علي اعتقال القذافي وهو جريح من جانب ثوار مصراته الذين قتلوه بعد ذلك.. فيما ذكرت صحيفة "لاكوريري دي لاسيرا" الإيطالية أن القذافي لقي مصرعه علي يد جاسوس أرسله ساركوزي الرئيس الفرنسي وقتها. وعززت ذلك بشكل أو بآخر رواية نشرتها صحيفة ديلي تليجراف البريطانية تؤكد فيها أن أجهزة المخابرات الفرنسية كان لها دورها في مقتل القذافي، وأنها ساهمت في تحديد مكان القذافي وقصفه وتصفيته نهائيا بعد ذلك. وهنا.. ربط الكثيرون ومنذ مقتل القذافي، ما بين قضية تلقي ساركوزي تمويلا من القذافي وبين قتله وهو ما أكده رئيس المرصد الليبي لحقوق الإنسان: ناصر الهواري من أن ساركوزي كان من أول المرحبين بقصف قوات حلف شمال الأطلنطي "الناتو" لليبيا في 19مارس عام 2011، وأن المبادرة الفرنسية في ذلك قبل باقي دول الحلف، كانت بسبب رغبة ساركوزي في تغطية فضيحة تمويله عبر سنوات من القذافي وبالذات خلال حملته الانتخابية عام 2006. وحسب موقع "ميديا بارت" الذي أعاد إثارة اللغط حول القضية مؤخرا، فإن هناك العديد من التساؤلات مازالت مطروحة حول ملابسات قتل القذافي الغامضة ومنها: لجوء الشاب الليبي الذي قتل القذافي لفرنسا ومن قبلها حصول أمين المال الليبي السابق علي تصريح إقامة من فرنسا ثم اختفائه نهائيا بعد ذلك، ثم توقيت إذاعة مثل تلك المعلومات للمساهمة في إسقاط ساركوزي والقضاء عليه تماما سياسيا.. مثلما حدث من تسريب فضيحة البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون خلال الحملة الانتخابية الأمريكية وهو الأمر الذي أدي لهزيمتها في النهاية. أيضا.. لم توجه الاتهامات لأجهزة الأمن والاستخبارات الفرنسية التي قيل إنها كانت سببا رئيسيا في مقتل القذافي، بل لساركوزي شخصيا الذي يتهم بأنه تلقي مجرد رشاوي وهو الأمر الذي يقف بسببه تقي الدين أمام قاضي التحقيق الفرنسي سيرجي كورين، ويضاف إليها شهادة رئيس الوزراء الليبي الأسبق علي الحمودي للمحاكم التونسية التي أكد فيها.. خلال جلسة استماع لتسليم المجرمين لليبيا.. أنه أشرف بنفسه علي تمويل حملة ساركوزي من العاصمة الليبية "طرابلس".