القرارات الاقتصادية الأخيرة ألقت بظلالها علي كل شيء وصناعة النشر لم تكن بعيدة عن هذا التأثير، وكانت ضمن الصناعات التي واجهت وتواجه صعوبات تتمثل في ارتفاع أسعار الورق وأدوات الطباعة، مما يعني زيادة في أسعار الكتب، أو حتي تراجع الطباعة بشكل عام. ونحن علي أعتاب معرض القاهرة الدولي للكتاب نحاول استشراف معالم الأزمة، والتدابير التي اتخذت للحد من تأثيرها علي الدورة الجديدة. شريف بكر، مدير دار العربي للنشر، يري أن عدم ثبات سعر الدولار بعد أن صار خاضعًا لفكرة العرض والطلب، قد أثر علي سعر الورق وأدوات الطباعة والتأثير يمتد ليشمل صناعة النشر بوجهٍ عام، كما أن هناك مؤثرات أخري من بينها ارتفاع سعر البنزين مثلا والذي يؤدي إلي ارتفاع قيمة النقل ومن ثم ارتفاع تكاليف التخزين. يتابع: "هذه الأزمة سوف تؤثر علي سعر الكتاب في مصر، وهو الأمر الذي يمثل حساسية كبيرة بالنسبة للقراء المصريين الذين سوف ينصرفون عن الكتاب، فضلًا عن المعاناة الناتجة عن عملية "ضرب الكتب" التي صار لها مؤيدون ومشترون كُثر نتيجةً لارتفاع سعر الكتاب، وما يحزنني في الموضوع هو القاريء الذي لن تسعفه ظروفه المادية كي يستطيع شراء ما يريد من كتب". منذ عدة شهور، طبعت دار العربي ما يقارب 70٪ من الإصدارات التي ستشارك بها في معرض الكتاب القادم، الأمر الذي يقيها الخسائر نتيجة الوضع الاقتصادي الراهن، ويتبقي للدار نسبة 30٪ فقط من الإصدارات التي تنتظر دورها إلي المطبعة، وهو أمر جيد وتفكير محمود من جهة مدير دار العربي للنشر الذي درس الاقتصاد واستغل سنوات الدراسة في محاولة لتخفيف الخسائر المتوقعة. تذبذب سعر الدولار صاحبه عجز عن التخطيط بالنسبة لإصدارات دار صفصافة للنشر، بحسب كلام صاحبها محمد البعلي الذي يري أن صناعة النشر قد تأثرت كثيرًا في الفترة الأخيرة. يضيف: "ارتفاع معدل التضخم سوف يجلب معه ارتفاعًا كبيرًا في سعر الكتاب لأنه أثر علي التكلفة العامة سواء بالنسبة للكتب العربية، أو الكتب الأجنبية التي يدخل فيها حقوق الناشر الأجنبي والتي تُدفع قيمتها بالعملة الصعبة. التضخم سوف يؤثر أيضًا علي القوة الشرائية للجمهور الذي نتعامل معه عبر ما نصدر من كتب، وهذا الجمهور يقع في فئة عمرية تتراوح من الثامنة والعشرين وحتي الخامسة والأربعين، وهي فئة لم تدخل بعد في مرحلة الاستقرار المالي، وهو ما نخشي أن يؤثر سلبًا علي عملية الإقبال من جهة والقوة الشرائية للجمهور من الجهة الأخري". تحدث البعلي عن ضرورة وجود استقرار في سوق الصرف، لافتًا إلي أن الهيئة العامة للكتاب لا يمكنها تقديم شيء سوي تخفيض قيمة الأجنحة التي تستخدمها دور النشر لعرض كتبها، وتابع: "الأسوأ من ارتفاع سعر الدولار هو عدم وجود تخطيط اقتصادي من الأساس. لابد من تحديد قيمة التضخم وتوقع نسبة ارتفاعه كي نتمكن من التخطيط لعملنا بشكل أفضل ولكن مع هذا الوضع فلن يحدث". لم يرتفع الدولار فجأة، بحسب تعبير إسلام عبد المعطي، مدير دار روافد للنشر، الذي يري أن ارتفاع تكاليف الطباعة هدد دور النشر وأثر علي قدرتها علي التخطيط لما يصدر عنها من مطبوعات. تابع: "كان الله في عون دور النشر الخاصة وأصحابها والعاملين فيها، فقد غرست أقدامهم في أرض هذه الصناعة وعليهم مواصلة السير لأننا لا نملك خيارات أخري وفكرة الخروج من سوق النشر تعتبر فكرة غير مطروحة من الأساس، وبالنسبة للهيئة العامة للكتاب فهي ناشر ومنظم للمعرض لا نطلب منها سوي تنظيم معرض جيد ومنع الكتب المزورة لأن المعرض في مصر حالته سيئة جداً بالنسبة للمعارض التي نحضرها في الخارج وهذا يرجع إلي المكان الذي نقيم فيه المعرض فنحن نقيم كل عام "سويقة للكتاب" وليس معرضًا". يضيف: "الدولة غير مهتمة وغير مقتنعة بصناعة النشر ومن ثم لا تهتم بحمايتها أو بتقديم الدعم لها وأنا لا أتحدث هنا عن الدعم المادي ولكن الدعم في صورة قوانين تحميها وأفكار تعلي من شأن هذه الصناعة التي يمكنها أن تدر عملة صعبة للبلد إذا ما فكر المسئولون في ذلك، ولكني أعتقد أن الدولة لم تسمع عن صناعة اسمها صناعة النشر، أو أنها صناعة غير مدرجة ضمن أولوياتها". من استعدادات دار روافد لمعرض الكتاب القادم يقول : "نستعد بإصدارات قوية سواء علي مستوي الأعمال الفكرية أو الأعمال الإبداعية كالقصة والرواية ودواوين الشعر، وسوف يفوق عددها الخمسين إصدارا". كرم يوسف، صاحبة دار الكتب خان للنشر، تري أن الأزمة الاقتصادية قد ألقت بظلالها علي صناعة النشر فهي كناشرة كانت تستهدف المشاركة في معرض الكتاب القادم بضعف ما ستشارك به الآن من إصدارات، وتضيف: " لن أتمكن سوي بالمشاركة بحوالي عشرة إصدارات فقط وهذا يرجع إلي ارتفاع قيمة الدولار وعملية تعويم الجنيه وارتفاع معدل التضخم، وقد علمت أن أسعار الإيجارات ارتفعت عما سبق، وأنا أتمني إن استطاعت الهيئة العامة للكتاب أن تخفض قليلاً من أسعار الإيجار وتقدم المساعدة الممكنة التي لا أستطيع تحديدها وتعيينها، وأنا أرغب أيضاً أن يتاح لجميع الناشرين فرص متعادلة فلا يمكن أن يحتل ناشر خمسة أماكن في المعرض ولا يتاح للآخر إلا مكان واحد، والفروق تمتد لتشمل وضعية الأماكن التي تعرض فيها الكتب". الدكتور هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، قال إن هناك إعدادات كثيرة في طريقها للتحقق ولكنها قيد المناقشة حتي الآن، كما تحدث عن المغرب، ضيف شرف المعرض، التي أرسلت الجدول الخاص بها ، ولكنه جدول غير نهائي حتي الآن وقابل للتعديل. تابع: "خاطبت وما زلت أخاطب جميع الهيئات التي يمكنها أن تشاركنا في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2017. اتفقنا في الهيئة علي عمل "أوديو بوكس" للشاعر الكبير صلاح عبد الصبور. كما نحاول أن نقدم معرضاً متميزاً نتلافي فيه أخطاء حدثت في السابق محاولين الظهور بشكل أفضل يجذب إلينا الجميع، كما أتمني التوفيق لجميع هيئات النشر المشاركة في المعرض وكذلك دور النشر الخاصة، فهي صناعة هامة تريد أن تعلي من وعي القاريء وتقديم دعم معرفي له يمكنه من التعايش مع ما حوله والفهم الصحيح لما يحدث".