بعد إعلان إثيوبيا إنشاء سدود جديدة.. أستاذ موارد مائية يكشف تأثيرها على مصر (فيديو)    كيف ستتعامل الحكومة مع انقطاع الكهرباء في فصل الصيف؟.. متحدث الوزارة يزف بشرى سارة للمواطنين    تكنوبوت.. التقاء العلم والتكنولوجيا في مجلة طلابية رائدة برعاية جامعة بنها    «فتح»: الاحتلال الإسرائيلي قتل مئات الفلسطينيين لتحرير 4 محتجزين فقط    نقيب الصحفيين الفلسطينيين يدعم قصواء الخلالي: لا ننسى مواقف الأوفياء    عاجل.. رئيس لجنة المنشطات يكشف كواليس هامة في عينة رمضان صبحي "غير الآدمية"    سواريز ونونيز يقودان قائمة أوروجواي استعدادًا لكوبا أمريكا 2024    «انخفاض ليومين».. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس ال5 أيام المقبلة (فيديو)    النيابة تأمر بانتداب المعمل الجنائي لمعاينة موقع حريق شقة فى مدينة نصر    سفاح التجمع أمام جهات التحقيق: "زوجتي الثانية كانت تصور علاقتنا الزوجية"    تحريات مباحث دراو: مضطرب نفسي وراء واقعة ذبح طفلة رضيعة في أسوان    وكيل نقابة الصحفيين: نتعامل مع كيان صهيوني زُرع بالمنطقة لتحقيق المصالح الأمريكية    تفاصيل جديدة في واقعة صفع عمرو دياب لمعجب: لم تتم دعوته للحفل والتقط «سيلفي» 5 مرات مع الهضبة    وزيرة الثقافة تعلن انطلاق الدورة السادسة من «مواسم نجوم المسرح الجامعي»    ابنة نجيب الريحاني: أتمنى عمل تمثال لوالدي في حديقة الأزهر    الصحة: إحالة طواقم مستشفى مارينا للتحقيق.. وتطوير نقطة إسعاف الصحراوي خلال شهر    أول تعليق ل مقدمة البلاغ ضد زاهي حواس بشأن استغلال مكتبة الإسكندرية    الأحد أم الاثنين؟.. الإفتاء تحسم الجدل رسميا بشأن موعد عيد الأضحى 2024 في مصر    آسر ياسين يروج لفيلمه الجديد ولاد رزق 3    بشرى سارة من التربية والتعليم لطلاب الثانوية العامة بشأن المراجعات النهائية    علي فرج يتأهل لنهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش    هيئة الدواء تكشف حصيلة حملاتها الرقابية في المحافظات خلال شهر مايو    ورش ولقاءات توعوية للأطفال في احتفالات اليوم العالمي للبيئة بأسيوط    النحاس يرتفع مجددا بنسبة 22% فى السوق المحلية خلال أقل من شهر    أفضل الأدعية في العشر الأوائل من ذي الحجة    منتخب مصر يتوج ب14 ميدالية في بطولة العالم لليزر رن بالصين    لمرضى السكر.. 8 فواكة صيفية يجب تضمينها في نظامك الغذائي    هالاند يقود هجوم منتخب النرويج فى مواجهة الدنمارك وديا    معلومات حول أضخم مشروع للتنمية الزراعية بشمال ووسط سيناء.. تعرف عليها    تقارير: حارس درجة ثانية ينضم لمران منتخب ألمانيا    تقارير: نيوكاسل يضع حارس بيرنلي ضمن اهتماماته    معيط: نستهدف بناء اقتصاد أقوى يعتمد على الإنتاج المحلي والتصدير    القبض على سائق متهم بالتحرش ب "معلمة" في أثناء توصيلها أكتوبر    مصر تواصل جهودها في تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة "صور"    محافظ الشرقية يشارك في اجتماع المعهد التكنولوجي بالعاشر    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    المصري يطرح استمارات اختبارات قطاع الناشئين غداً    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية الأزهرية بشمال سيناء    وزير التعليم يتسلم نتيجة مسابقة شغل 11 ألفا و114 وظيفة معلم مساعد فصل    وزير العمل يشدد على التدخل العاجل لحماية حقوق العمال ضحايا الإحتلال في فلسطين    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية دمشاو هاشم لمدة يومين    لماذا يحتاج الجسم لبكتريا البروبيوتيك؟، اعرف التفاصيل    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    أول ظهور لكريم عبد العزيز بعد وفاة والدته    وزير الأوقاف: لا خوف على الدين ومصر حارسة له بعلمائها وأزهرها    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    "صحة غزة": 70 شهيدًا و150 مُصابًا جراء 5 مجازر ارتكبها الاحتلال خلال آخر 24 ساعة    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    التشكيل الحكومي الجديد| وزراء مؤكد خروجهم.. والتعديل يشمل أكثر من 18 وزيرًا.. ودمج وزارات    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة والاغتراب في إبداع واقف سلطاني

ولد الكاتب‮ "‬واقف سلطانلي‮" ‬في السادس والعشرين من مارس عام‮ ‬1958م بقرية‮ "‬شاه سفان‮" ‬بمحافظة كوردمير‮. ‬بعد أن أنهي دراسته الثانوية عام‮ ‬1974م،‮ ‬عمل لمدة عامين كعامل بسيط بإدارة كهرباء محافظة كوردمير‮. ‬ثم التحق بكلية الآداب جامعة باكو الحكومية وتخرج منها عام‮ ‬1981م‮. ‬وتدرج في الدرجات العلمية بقسم الأدب الأذربيجاني المعاصر بالكلية ذاتها حتي حصل علي الاستاذية عام‮ ‬1999م‮. ‬ويعمل حاليا أستاذا بها‮.‬
بدأ نبوغ‮ ‬واقف سلطانلي الأدبي منذ فترة مبكرة من حياته أي في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي،‮ ‬وكانت أذربيجان لاتزال تحت الحكم السوفيتي وكان هناك تضييق علي الأدب والأدباء ورقابة مشددة من قبل القيادة السوفيتية علي الأفكار التي‮ ‬يتم تناولها في الأعمال الأدبية،‮ ‬وضرورة أن تتماشي تلك الأفكار مع الاتجاهات والمسارات التي ترضاها القيادة السوفيتية‮. ‬وفي ظل هذه الظروف،‮ ‬نشرت أولي قصص‮ "‬واقف سلطانلي‮" ‬القصيرة في فترة دراسته الجامعية تحت عنوان‮ "‬عبير نبات الشيح‮" (‬1980م‮). ‬ثم صدر له العديد من المجموعات القصصية منها‮ "‬النجوم الخافتة‮" (‬1988م‮)‬،‮ ‬و"سوق العبيد‮" (‬1999م‮)‬،‮ ‬و"حلم الموت‮" (‬2002م‮)‬،‮ ‬و"وادي العدم‮" (‬2010م‮). ‬كما نشرت للكاتب رواية‮ "‬دنيا الناس‮ " (‬1992م‮) ‬وصدرت مؤخرا‮ (‬عام‮ ‬2014م‮) ‬ترجمة هذه الرواية إلي اللغة العربية عن المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية ضمن سلسلة الإبداع‮ ‬القصصي،‮ ‬وقام بالترجمة د‮/ ‬أحمد سامي العايدي،‮ ‬وصدر للكاتب أيضا عام‮ (‬2013م‮) ‬رواية‮ "‬حرب الصحراء‮". ‬وذلك بجانب أكثر من‮ ‬150‮ ‬مقالة متنوعة في فروع الأدب والنقد المختلفة،‮ ‬والعديد من الكتب الأدبية والنقدية،‮ ‬والعديد من الترجمات الأدبية من اللغتين التركية والروسية‮.‬
لم‮ ‬يتوقف إبداع الكاتب الأذربيجاني‮ "‬واقف سلطانلي‮" ‬عند حد الكتابة القصصية والروائية،‮ ‬بل قام برئاسة تحرير بعض المجلات مثل مجلة‮ "‬آراز‮"‬،‮ ‬ومجلة‮ "‬أذربيجانيو العالم‮"‬،‮ ‬وكان محررا للبرامج الأدبية في العديد من المحطات الإذاعية مثل إذاعة‮ "‬الحرية‮" ‬الأمريكية،‮ ‬وإذاعة‮ "‬أوربا الحرة‮".‬
وتجدر الإشارة إلي أن الكاتب‮ "‬واقف سلطانلي‮" ‬اهتم اهتماما كبيرا بأدب المهجر الأذربيجاني،‮ ‬وركز في أبحاثه وكتبه العلمية علي الشخصيات الأذربيجانية التي اضطرت لترك وطنها لأسباب سياسية أو اجتماعية أو‮ ‬غيرها من الأسباب،‮ ‬وتناول حياتهم في المهجر والغربة،‮ ‬وخير دليل علي ذلك كتابه المسمي‮ "‬أدب المهجر الأذربيجاني‮" (‬1998م‮).‬
كما أضطر‮ "‬واقف سلطانلي‮" ‬أيضا للرحيل عن أذربيجان فيما بين عامي‮ ‬1995‮-‬1998م للعمل في بولندا والسويد وبعض الدول الأوروبية الأخري نظرا للاضطراب السياسي الذي كان موجودا في أذربيجان في بداية فترة الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي،‮ ‬وأنه لم‮ ‬يستطع العيش في ظل هذه الأجواء وشعر بالاغتراب في وطنه،‮ ‬فآثر الرحيل عن البقاء مغتربا داخل الوطن‮.‬
ونلحظ أن ظاهرة الاغتراب سمة عامة لدي الكاتب الأذربيجاني منذ نعومة أظفاره في الكتابة الأدبية،‮ ‬فبدايته كانت في ظل حكم الاتحاد السوفيتي والرقابة الموجودة علي الأدب والظلم واستغل ثروات البلاد،‮ ‬والقضاء علي المعارضة وغير ذلك من الأمور التي تجبر الكاتب علي الشعور بالعزلة والاغتراب،‮ ‬ولاسيما الاغتراب الذاتي والاغتراب الاجتماعي‮. ‬وقد امتد به هذا الأمر بعد سقوط الاتحاد السوفيتي،‮ ‬حيث شهدت أذربيجان بعض الاضطرابات السياسية وتفاقم قضية قرباغ‮ ‬الجبلية بين أرمينيا وأذربيجان،‮ ‬مما أدي بالكاتب للهجرة خارج البلد بشكل مؤقت‮.‬
كما أثر قضاء الكاتب جزءا من حياته في الغربة خارج الوطن مع حبه الشديد له،‮ ‬واهتمامه بقضية أدب المهجر والدراسات التي قام بها في هذا المجال تأثيرًا مباشرًا في تجسيد ظاهرة الاغتراب في‮ ‬جل كتاباته الإبداعية والعلمية‮.‬
قصتان ليلة مُقمرة
‮ ‬‮ ‬واقف سلطانلي ترجمة‮:‬‮ ‬د‮. ‬أحمد سامي العايدي
لست أنا نفس الشخص كما كنت سابقًا‮. ‬
حدثت له صدمة من الرد‮ ‬غير المتوقع‮!! ‬عندما سأله عن الأحوال في أول لقاء كان ينتظره بقلق بالغ‮ ‬بعد‮ ‬غياب ست سنوات‮. ‬فجأة انقلبت تلك الدنيا التي رسمها في خياله خلال السنوات الماضية رأسًا علي عقب‮.‬
مع أن عينيه كانتا مسلطتين نحو تلك المناظر الغريبة التي يراها لأول مرة أثناء سيره بالسيارة في الطريق المليء بالأشجار وأحجار الجرانيت من حوله،‮ ‬كان لا يستطيع أن يركّز تفكيره وسط هذه الحيرة‮ .. ‬فهل يمكن للإنسان أن يتغير لهذا الحد‮! ‬لقد تحول إلي رجل‮ ‬غريب بشكل مذهل،‮ ‬وأصبح هادئًا صامتًا مثابرًا‮. ‬كان من الصعب جدًّا العثور في جسده الشاب وفي وجهه علي آثار تلك الأيام التي مضت وسط الآلام وتلك السنوات التي عاشها وحيدًا‮.‬
كان الأمر الذي يؤرقه بعد أن تلقي الرد هو كيف سيعيش في منزلٍ‮ ‬واحد أسبوعين مع هذا الرجل‮.‬
كان كلما تقدم بالسيارة وسط هذه الأشجار شعر في كل كيانه بالوحدة والغربة الماثلة في هذا الجمال والخضرة التي تهدئ أعصاب الإنسان‮. ‬
بدأ يخيم علي مشاعره الداخلية إحساس الندم علي مجيئه لهذا البلد بعدما سمع هذه الكلمات منه‮. ‬وتشوشت بذاكرته الأفكار التي نسجها خلال الشهور الماضية‮.‬
كان يفكر بينه وبين نفسه ويكلم نفسه‮ "‬الآن ماذا يفعل؛ إلي أين يذهب؟‮"‬،‮ ‬وكان يشعر بمعاناة في قبول هذا القرار‮.‬
‮"‬لماذا إذن جاء واستقبلني؟ لماذا كان يظهر الحرص البالغ‮ ‬دائمًا لمقابلتي في مكالماته الهاتفية،‮ ‬وكان يقول إنه يشتاق إلي؟ لا تتفق أفعاله مع أقواله مطلقًا‮. ‬بدأ عدم ارتياحه يزداد عندما تتبدل المناظر الخضراء الموجودة طيلة الطريق الرابط بين المطار والمدينة بالمباني‮. ‬كانت المنازل متباعدة عن بعضها البعض،‮ ‬ولكن لا يُري فيها إنس ولا جن وكأنه لا يعيش في هذه المنازل بشر،‮ ‬واكتست الحياة هناك بوشاح الوحدة الجميل ومن حسن حظ الإنسان العيش فقط في الوحدة‮.‬
عندما كان يخرج كل مرة لأي سبب من الأسباب في الآونة الأخيرة كان يأخذ معه أوراقه وأمتعته الضرورية بسبب تفكيره في أنه لن يعود مرة أخري‮. ‬لأنه كان يشعر بكل كيانه أنه لا يستطيع العيش في بلده مرة أخري،‮ ‬وأن وطنه الذي قضي فيه أكثر من نصف عمره،‮ ‬قد تحول بالنسبة له إلي جهنم بكل معني الكلمة‮.‬
كان لا يستطيع أن يدرك مطلقًا أنه يمكن أن يأتي علي الإنسان يوم ويغير عقيدته ومسلكه ويتغير هو نفسه لدرجة لا يمكن وصفها‮. ‬كان يشعر بنفسه‮ ‬غريبًا وسط الناس‮.‬
ربما كلماتي جرحته،‮ ‬ولكن لا أحب الكذب‮.‬
كرر الكلمات التي قالها قبل ذلك دون أن يصرف نظره عن الطريق‮:‬
لست أنا نفس الشخص كسابق عهدي‮. ‬أردت فقط أن يعرف ذلك‮. ‬
عاشا في السجن في زنزانة واحدة لمدة عام،‮ ‬وقضيا حياة السجن معًا بأيامها الصعبة وبكل معاناتها التي لا تُطاق‮. ‬لقد تعجب من إرادة صديقه في تلك المحنة‮. ‬كان من المستحيل كسرها حتي ولو أخرجوا أظافره أو أوصلوه بالتيار الكهربائي،‮ ‬أو أذاقوه ألوانًا من العذاب،‮ ‬أو حتي لو ألقوه بأبشع التهم والافتراءات التي لا علاقة له بها‮.‬
والآن بشكل لا إرادي يخيل أمام عينيه تلك الأيام المدهشة التي قضاها في السجن،‮ ‬وكان لا يصدق أن ذلك الرجل هو نفسه الشخص الذي يجلس بجواره في السيارة‮.‬
لقد قربتهما من بعضهما البعض بشكل أكثر معاناة من أيام السجن‮. ‬أحيانًا في بعض الليالي كانا يتسامران ويبنيان الخيالات بشأن المستقبل تحت ذلك الضوء الخافت الذي كان يتسرب إلي داخل الزنزانة‮. ‬بالطبع كان أكبر ما يتمنياه هو الخروج للحرية،‮ ‬ولكنهما كانا يائسين‮. ‬بالرغم من صعوبة الحياة كانت معنوياتهما مرتفعة؛ لأنهما يفطنان إلي أن ذلك اليوم قريب‮.‬
لقد قررا وهما في السجن بشكل قاطع أنهما لن يعيشا في هذا البلد مرة أخري‮. ‬كانا يفكران في أنهما عندما يخرجان من السجن سوف يرحلان عن هذا البلد معًا‮. ‬لكن لم تسر الأمور كما كان مخططا لها،‮ ‬فلم يستطع أن يرافق صديق الطفولة،‮ ‬لم تسمح إرادته بذلك،‮ ‬ربما لم يتمكن من ترك والديه المسنين ويذهب‮. ‬هو نفسه لا يعرف السبب الحقيقي‮. ‬
لقد عرف بخبر رحيل صديقه من البلدة بعد أن رحل بعدة أيام‮. ‬لم يكن موجودًا بالمدينة حيث ذهب إلي زيارة أمه المريضة‮. ‬لقد اهتز في بداية الأمر من هذا الخبر‮. ‬أو بمعني أصح انتابه إحساس بالغربة كأنه فقد للأبد رفيقه الحقيقي الذي يعرفه منذ سنوات‮. ‬ولكن لم يستمر هذا الإحساس كثيرًا،‮ ‬كأن يُهدئ من نفسه علي أمل أنه بعد قليل سيرحل هو الآخر‮.‬
لم يكن يتصور هذا اللقاء؛ كأن مجيء صديقه لا يهمه،‮ ‬كأن الشخص الذي يجلس بجواره شخص‮ ‬غريب‮. ‬كان يتعجب من عدم محاولته الكلام وصمته وعدم سؤاله عن الأقارب والمعارف وعدم اهتمامه بحال البلد‮.‬
يلتمس المهاجرون من أوطانهم لأنفسهم الأعذار في تركهم أوطانهم،‮ ‬وأنهم مجبرون علي هذه الخطوة بغرض حماية عقائدهم وأفكارهم‮. ‬ولكن لو لم يستطع الإنسان حماية عقيدته وفكره في الوطن الذي يهاجر إليه،‮ ‬فما معني هذه الخطوة حينئذ؟
كان يعرف أن صديقه سيحضر معه عائلته،‮ ‬ولكن كان لا يجرؤ علي السؤال عن حالهم وأحوالهم بسبب البرودة الموجودة،‮ ‬وكان يفكر في أنه عندما يصل إلي البلد سيعرف كل شيء‮.‬
في النهاية توقفت السيارة أمام مبني من خمسة طوابق‮.‬
قال‮:‬
لقد وصلنا‮. ‬أسكن في هذا البيت الذي تراه‮.‬
نزل الاثنان بهدوء من السيارة،‮ ‬وفتح حقيبة السيارة وأخرج أمتعته‮. ‬وبعد ذلك دخلا المبني‮. ‬لم يتحدث أحد منهما مطلقًا حتي صعدا إلي الطابق الرابع بالمصعد‮.‬
عندما دخل إلي الشقة الصغيرة ذات الحجرتين،‮ ‬شعر من الجو العام للشقة أن صديقه يعيش وحيدًا‮. ‬ولكنه دلي رأسه وبدأ يفك رباط حذائه بغرض ألا يظهر لصديقه هذه الأحاسيس‮.‬
بعد أن رتب أمتعته،‮ ‬أخذ حمامًا،‮ ‬ثم شرب الاثنان الشاي معًا‮. ‬بعد أن تناولا الشاي أعطاه صديقه نسخة من مفتاح الشقة وقال له إنه يجب عليه الذهاب لأمرٍ‮ ‬مهم‮. ‬بعد أن خرج صديقه شعر أنه يريد أن يأكل،‮ ‬فتناول شيئًا من الثلاجة ليأكله‮.‬
ثم وقف لمدة طويلة أمام النافذة،‮ ‬وأخذ يتفقد بهدوء الخضرة التي تغطي كافة الأنحاء من حوله‮. ‬بعد ذلك وقف أمام الخريطة الكبيرة المعلقة علي الحائط،‮ ‬وأخذ يبحث عن المدينة التي قدم منها،‮ ‬فوجدها‮. ‬خرج اليوم من منزله من هذه المدينة،‮ ‬وتعجب من أنه قطع كل هذه المسافة في عدة ساعات‮.‬
لقد قرأ الكثير عن هذا البلد،‮ ‬وكان يعرف جيدًا الكثير من تاريخه وحضارته وأدبه وعن الذين يعيشون فيه‮. ‬ولكن هل كان يستطيع أن يعيش في هذا البلد؟ وهل كان يستطع أن يربط مستقبله للأبد بهذا الوطن؟ كان لا يتصور هذا بأي حال من الأحوال‮.‬
بعد ذلك ألقي نظرة علي حجرة الضيوف‮. ‬كان طلاء حوائط الحجرة المفروشة بشكل بسيط للغاية وبأثاث مريح ومختار بعناية يُضفي نوعًا من الراحة،‮ ‬ويُهدئ أعصاب الناظر‮.‬
عاد صديقه إلي المنزل بعد أن مر من الليل الكثير‮. ‬ما أن دخل المنزل أخذ يعتذر بسبب أنه تركه وحيدًا،‮ ‬وذكره ثانية أن مشاغله كثيرة للغاية،‮ ‬وقال‮:‬
لا يذهب عقلك إلي بعيد،‮ ‬يجب أن تعمل هنا ليلاً‮ ‬ونهارًا حتي تتمكن من العيش‮. ‬لم يرد مطلقًا وجلسا علي المائدة‮.‬
قال صديقه‮:‬
لن آكل،‮ ‬لستُ‮ ‬جائعًا‮. ‬أنا أعد لك شيئًا الآن‮.‬
أبدي اعتراضه علي هذا الأمر وأنه ليس له شهية للطعام قائلاً‮:‬
لا،‮ ‬لا،‮ ‬لا يلزم هذا،‮ ‬لا تُتعب نفسك‮.‬
في الحقيقة لا تزال رائحة الطعام المقزز الذي كان في الطائرة في أنفه‮. ‬ربما عدم اشتهائه للطعام مرتبط بهذا بعد أن مر كل هذا الوقت‮.‬
لم يصر عليه صديقه وقال‮:‬
حسنًا،‮ ‬إذن لنشرب بيرة باردة‮.‬
أخرج من الثلاجة زجاجتين من البيرة وفتحهما وصب في الكئوس‮.‬
بسبب أنه لم يأكل شيئًا طيلة النهار،‮ ‬حدث له ثملة قليلة‮. ‬وتغير مزاجه بعض الشيء‮. ‬وفي النهاية سأله‮:‬
أين زوجتك وأولادك ؟
أجابه صديقه بكلمة واحدة‮:‬
انفصلنا‮.‬
قال هذه الكلمة الوحيدة بعدم اكتراث حتي لا يجرؤ أن يسأله عن أسباب الانفصال‮. ‬ولكن لم يستمر طويلاً‮ ‬حتي أنهي قلق صديقه فقال‮:‬
لم نتفاهم مع بعضنا البعض‮.‬
فسأله قائلاً‮:‬
أين هم الآن،‮ ‬هل تستطيع رؤية ابنك؟
هز صديقه رأسه وقال‮:‬
أصبحت هذه الأشياء لا تهمني بعد‮.‬
شعر أن صديقه لا يريد التحدث في موضوع الأسرة،‮ ‬لهذا‮ ‬غير الحديث وسأله عن عمله‮:‬
أعمل في شركة في بيع المازوت‮.‬
أصابه الهلع من هذا الرد‮ ‬غير المتوقع،‮ ‬لأن صديقه متخصص في السياسة،‮ ‬كان لا يتخيل أو يتصور أنه يمكن أن يعمل في شيء‮ ‬غير هذا‮.‬
كيف حال العمل بالسياسة،‮ ‬ليس لديك وقت لهذا ؟
قال له صديقه بنفس درجة الغضب‮:‬
أصبحت لا تهمني السياسة بعد،‮ ‬أتأسف علي تلك السنوات من عمري‮. ‬
أخبره أنه يريد عدم الحديث بهذا الشأن مطلقًا‮.‬
بعد قليل قال له صديقه أنه يجب عليه أن ينام مبكرًا حتي يستيقظ مبكرًا،‮ ‬ثم تركه وحيدًا في حجرة الضيوف‮.‬
‮‬
أما هو فلم يستطع النوم‮.‬
لم تذق عيناه طعم النوم حتي الصباح الباكر ولأول مرة يستطيع بهدوء أن يعيد تذكر صفحات حياته التي عاشها‮.‬
الوقت يمر دون أن يحس
نهض من أجل أن يعي إحساسه بالوقت داخل ذاكرته،‮ ‬فجاء أمام النافذة‮. ‬وبدأ يشاهد منظر السكوت والهدوء الممل الذي يخيم علي المدينة تحت ضوء الليلة المقمرة‮. ‬لقد اختفت الشمس التي تدور في كبد السماء بين السحاب‮. ‬كان من العجيب رؤية الشمس في هذا الوقت من الليل،‮ ‬كانت الليلة مضيئة لدرجة أنه لأول مرة في حياته يشعر بعدم الارتياح من كثرة الضوء‮. ‬كان يعتقد أن هذا السيل من الضوء ليس فقط لإضاءة الظلام،‮ ‬بل لإفشاء جميع الأسرار والخبايا الموجودة في الدنيا‮.‬
كانت شوارع المدينة الخالية التي تسبح في هذا الضوء تشبه دنيا مُحي أهلها‮. ‬كان يعتقد أن ليس هناك أحد سواه في المدينة،‮ ‬وأن شوارع المدينة والحدائق والأنهار والبحيرات كلها خاصة به وحده‮.‬
مع أنه دخل إلي السرير وهو‮ ‬غارق في هذا التفكير الذي عكر عليه صفوه،‮ ‬إلا أن عيناه لم تذق طعم النوم‮.‬
كان يريد الابتعاد عن هذا البلد وعن هذا المكان حتي ينسل من ظله‮.‬
لكنه كان لا يعرف إلي أين سيذهب‮.‬
لقد مات الوطن بالنسبة له‮.‬
الوطن
توقف الكلب بجانب فناء المنزل الذي كان‮ ‬يحرسه في وقت ما‮. ‬هذا المنزل وهذا الوطن الذي ارتبطت به أجمل أيام حياته،‮ ‬أصبح الآن بالنسبة له أبعد الأماكن في الدنيا‮.‬
منذ ثلاثة أيام وهو جائع،‮ ‬كلما ذهب إلي باب،‮ ‬يتم طرده،‮ ‬كان لا‮ ‬يجد لنفسه ملجأ أو ملاذًا‮. ‬هبت إلي أنفه عدة مرات رائحة القمامة الموجودة في نهاية الشارع والتي تفوح منها رائحة العفن‮.‬
سار في الشارع متباطئًا وهو‮ ‬يتفقده‮. ‬وفجأة وقع علي بصره قطعة كبيرة من العظم بجوار سور حجري علي‮ ‬يمين الطريق‮. ‬التفت‮ ‬يمينًا ويسارًا،‮ ‬ربما كان‮ ‬يحتاط من شئ ما،‮ ‬ربما كان‮ ‬يخاف أن‮ ‬يأتي أحد وينزع منه العظمة‮. ‬ولكن لم‮ ‬يكن في الطريق أي أثر لإنسان‮. ‬وبحذر شديد تناول العظمة بين فكيه،‮ ‬وانسل إلي مكان خالٍ‮ ‬في نهاية الطريق‮. ‬لقد نظفت العظمة بسكين،‮ ‬لدرجة أنه لم‮ ‬يكن عليها أي أثر للحم‮. ‬كم حاول بأسنانه الخربة ولعابه‮ ‬يسيل أن‮ ‬يكسر هذه العظمة،‮ ‬ولكنه لم‮ ‬يفلح‮. ‬وأخذ‮ ‬يقلب العظمة علي الجانبين بأسنانه،‮ ‬وفي النهاية ألقي بها وذهب إلي حال سبيله‮. ‬أخذت السحب البيضاء تتحول إلي اللون الأحمر في كبد السماء حتي أصبحت كلون الدم‮. ‬وبدأت السماء تمطر دمًا دافئًا بدلًا من المطر‮.‬
وكانت قمم الجبال المقابلة تصفر تحت أشعة شمس المساء التي بدأت في الرحيل‮. ‬كان‮ ‬يشعر في هذه القرية الخالية بالغربة والوحشة‮.‬
كان‮ ‬يرعاه صاحب منزل في مكان مريح صغير،‮ ‬وكان‮ ‬يقدم له كل‮ ‬يوم الطعام اللذيذ‮. ‬ولكن لم تستمر هذه السعادة طويلاً،‮ ‬في‮ ‬يوم من الأيام عاد ابن صاحبه الذي كان‮ ‬يعيش في مدينة بعيدة،‮ ‬وأخذ والده‮. ‬كان الرجل المسن لا‮ ‬يريد الذهاب معه،‮ ‬ولكن ابنه لم‮ ‬يتركه،‮ ‬واستخدم كافة الحيل ويقول لوالده ستبدأ الحرب في أية دقيقة،‮ ‬وسيهجمون علي القرية،‮ ‬وفي النهاية أجبر والده علي الموافقة‮. ‬قبل أن‮ ‬يذهب صاحبه أغلق باب فناء المنزل‮. ‬كان هو الآخر لا‮ ‬يريد أن‮ ‬يترك صاحبه القرية‮. ‬ولكن من سيعيره اهتمامًا‮... ‬لقد سار خلف‮ ‬الرجل المسن حتي خرج من القرية‮. ‬واحتضن الرجل المسن الكلب من عنقه عند الطريق المليء بالحصي الممتد علي مد البصر‮. ‬وبعد ذلك توقف الرجل دون الالتفات إلي الوراء وجلس في السيارة التي كانت تنتظره‮. ‬كان الرجل‮ ‬يتحدث مع ابنه بغضب،‮ ‬وكان الكلب‮ ‬يشعر أن الحديث‮ ‬يدور حوله من نظرة الرجل تجاهه‮. ‬كأن الرجل‮ ‬يريد أن‮ ‬يأخذه معه،‮ ‬أما ابنه‮ ‬يعترض علي هذا‮. ‬وأمسك الابن والده من ذراعه فقد كان‮ ‬يريد النزول من السيارة وقال الابن‮:‬
هيا فلنذهب،‮ ‬بالله عليه،‮ ‬لا تُضحك الناس علينا‮.‬
ثم أغلق الباب بغضب‮. ‬وقف الكلب‮ ‬يتبع بنظره صاحبه حتي‮ ‬غابت السيارة وسط الوادي‮. ‬بعد ذلك عاد الكلب ودخل فناء المنزل‮.‬
كان صاحبه من رجالات القرية المعدودين،‮ ‬بدأت القرية بعد رحيله في الخلو رويدًا رويدًا‮. ‬من كان له قريب أو صديق بالمدينة،‮ ‬أغلق بابه،‮ ‬وخرج من القرية إليه‮.‬
وفي الليل بدأ الأرمن في إطلاق الرصاص علي القرية‮. ‬أحيانًا كانت أصوات الرصاص لا تنقطع حتي الصباح‮. ‬كان‮ ‬يري أن القوات الأرمينية تقترب ليلًا من القرية،‮ ‬وأنهم‮ ‬يقومون بالعديد من الحيل حتي‮ ‬يرعبوا أهل القرية،‮ ‬ولكنه لم‮ ‬يكن‮ ‬يفعل شيئًا لأنه لا‮ ‬يجيد لغة الإنسان‮.‬
احتل العدو القرية بداية الخريف
وترك الكلب القرية في النهاية
واصل الكلب المسير ليل نهار حتي فقد وعيه جراء ألم بقدمه التي أصابتها طلقة رصاص،‮ ‬ووصل أخيرًا إلي المدينة‮. ‬كان‮ ‬يعرف أن صاحبه في المدينة،‮ ‬وكان‮ ‬يخرج كل‮ ‬يوم إلي الشارع علي أمل أن‮ ‬يراه مرة أخري،‮ ‬فيشفق عليه ويرعاه من جديد‮. ‬كان الكلب‮ ‬يعرف أن منازل المدينة ليست كمنازل القرية لا تحتاج إلي حراسة‮. ‬ولكنه بالرغم من ذلك،‮ ‬لم‮ ‬يفقد الأمل‮.‬
كان‮ ‬يريد أن‮ ‬يأخذه شخص ما،‮ ‬فيقوم بحراسة ورعاية منزله أو حتي حديقته‮. ‬كان‮ ‬يريد أن‮ ‬يكون ذلك الشخص هو صاحبه القديم ولكنه كان لا‮ ‬يستطيع العثور عليه‮. ‬وكان أيضًا لا‮ ‬يقوم بالحراسة كعادته،‮ ‬وهكذا مرت الأيام‮.‬
مرت أيام علي الكلب بهذه الطريقة في شوارع المدينة الضخمة،‮ ‬ولم‮ ‬يكن هناك أي خبر عن صاحبه‮. ‬لم‮ ‬يكن الكلب‮ ‬يعرف أن صاحبه رحل عن الدنيا حزنًا علي وطنه الذي وقع في الأسر‮. ‬والآن الكلب لا‮ ‬يعرف حتي مكان قبر صاحبه الموجود وسط المقابر خارج المدينة‮.‬
منذ سنوات طوال وكان الحديث‮ ‬يجري حول محاولات الاستيلاء علي القرية من العدو،‮ ‬وكان لا‮ ‬يعرف أحد بأي طريقة سوف‮ ‬يتم هذا‮.‬
كان الكلب‮ ‬يشتاق للقرية‮. ‬كان هو الآخر مثل الإنسان لا‮ ‬يريد الموت في شوارع المدينة‮. ‬كان‮ ‬يشتاق إلي قريته الحبيبة،‮ ‬وإلي الأماكن التي ولد فيها وقضي أيام طفولته وكبر فيها‮.‬
ولكن العودة إلي القرية كانت لا تؤرق الإنسان كما هو الحال معه‮.‬
في النهاية،‮ ‬قرر ذات‮ ‬يوم العودة إلي القرية‮. ‬والآن عاد إلي القرية بعد كل هذه الأحداث‮.‬
كان الجو‮ ‬غائما قليلًا‮. ‬وكانت رياح المساء التي تهب من الجبال تجلب عبق القرية وتسوقه إليه‮. ‬كان هذا العبق معروفًا لدي الكلب،‮ ‬كان أصيلًا‮. ‬كان عندما‮ ‬يتمدد في تلك الليالي ويغلب عليه النعاس فوق سطح المنزل وتهب عليه مثل هذه الرياح،‮ ‬كان‮ ‬يهب من ثباته مستيقظًا‮. ‬كان الباب مفتوحًا بعض الشيء‮. ‬ولا‮ ‬يوجد أحد في فناء المنزل‮. ‬سار ببطء ودخل الفناء‮. ‬تمدد بجوار الأشجار الموجودة بحديقة المنزل في مكان لا‮ ‬يراه فيه أحد‮. ‬كان في وقت من الأوقات في ليالي الصيف‮ ‬يتسامر حتي الصباح في هذا المكان مع الكلبة الرمادية‮. ‬وفي وقت السحر قبل أن‮ ‬يستيقظ صاحبه،‮ ‬كان‮ ‬يودعها،‮ ‬أما هو فكان‮ ‬يتمدد بعد ذلك في الفناء أو فوق سطح المنزل،‮ ‬وينام‮.‬
تناهي إلي أذنيه صوت دبيب أقدام قطعت عليه ذكرياته‮. ‬رفع رأسه بسرعة وعندما نظر إلي الخلف رأي رجلا ذا لحية وفي‮ ‬يده بندقية ويأتي نحوه ببطء‮. ‬وبسرعة لا تناسب جسده الجائع المنهك،‮ ‬وثب من مكانه وأسرع نحو سور الفناء‮.‬
لم‮ ‬يجد الكلب حلًا سوي القفز من فوق السور بعد أن شعر باقتراب الرجل الملتحي خلفه وهو‮ ‬يسبه بلغة‮ ‬غريبة‮. ‬ولكن كان‮ ‬يجب عليه أن‮ ‬يفر حتي نهاية الفناء‮... ‬كان السور هناك‮ ‬ينخفض قليلًا،‮ ‬فيسهل القفز من عليه‮...‬
وعندما أراد القفز من فوق السور،‮ ‬أطلقت رصاصة‮. ‬فشعر الكلب بحرارة دافئة في جسده‮. ‬وهرب حتي وصل إلي نهاية القرية وهو‮ ‬يعوي وبعد ذلك تمدد علي الأرض وهو منهك تمامًا‮.‬
كانت أشعة شمس المساء الذهبية الغامقة تخبو في عين الكلب التي كانت شبه مغلقة وكانت تفقد لمعانها‮. ‬ومن أجل أن‮ ‬يري الكلب للمرة الأخيرة تلك الحديقة،‮ ‬وذلك المنزل،‮ ‬أراد أن‮ ‬يرفع رأسه من الأرض،‮ ‬ولكنه لم‮ ‬يفلح‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.