فعلها ترامب. أو فعلتها أمريكا وجاءت بترامب إلي مقعد الرئاسة خلافا لكل التوقعات التي كانت ترجح فوز هيلاري كلينتون لتكون أول سيدة في تاريخ أمريكا تتولي رئاسة أكبر دول العالم. ويبدو أن ترامب نفسه قد فوجئ هو أيضا بنتائج الانتخابات، فجاء »خطاب النصر» الذي ألقاه عقب فوزه خطابا مرتجلا، بعيدا عن تناول القضايا الأساسية الداخلية والخارجية، مكتفيا بشكر مؤيديه، وتحية منافسته كلينتون التي كانت قد هنأته فور التأكد من فوزه ثم عبارات عامة عن إعادة العظمة لأمريكا. ما قاله ترامب من تصريحات أثناء المعركة الانتخابية ضد الأمريكيين من أصول لاتينية، وضد المسلمين وباقي الأقليات، وما وجهه من إهانات للمرأة.. كان كفيلا -في الظروف العادية- بإسقاط عشرين مرشحا للرئاسة من الوزن الثقيل!! لكن المفاجأة هنا أن هذا كان سلاحه للنجاح!! اعتمد ترامب علي تخويف الأمريكي الأبيض ونجح في ذلك، واعتمد علي استغلال الثغرات في شخصية هيلاري كلينتون صاحبة الخبرة السياسية، لكنها لا تعرف كيف تحوز ثقة الجماهير. وقفت قيادات الحزب الديموقراطي كلها وراء كلينتون، لكنها عجزت عن اقناع جزء مهم من جماهير الحزب »وخاصة من الشباب» ان يصوت لها، فامتنعوا عن المشاركة في الانتخابات. ولم تعط قيادات الحزب الجمهوري تأييدها لترامب القادم الجديد إلي الحزب بلا تاريخ سياسي، ليزيح قيادات كبيرة من طريقه ويهزمها في الانتخابات الداخلية. وخافت قيادات الحزب من تأثير الأداء السييء لترامب في حملته وهجومه علي الإقليات ودعواته العنصرية، علي الحزب في انتخابات الكونجرس، فابتعدت عن ترامب الذي وقف يهاجم المؤسسة الحزبية كلها بما فيها الحزب الجمهوري الذي ترشح باسمه!! وتجيء مفاجأة فوز ترامب لتظهر حجم التغييرات التي حدثت في المجتمع الأمريكي في السنوات الأخيرة، وحجم السخط علي المؤسسة الحزبية، ولتترك وراءها مجتمعا منقسما علي نفسه. ولتبث رسائل مخيفة لحلفاء أمريكا في الدول الغربية التي تواجه في العام القادم انتخابات حاسمة في معظم الدول الأوروبية الرئيسية »وفي المقدمة فرنسا وألمانيا» وتواجه معها خطر صعود اليمين المتطرف الذي سيكتسب المزيد من الثقة بعد انتخابات أمريكا وفوز ترامب. أمريكا تتغير في ظل انقسام داخلي غير مسبوق. وأوروبا تسير في نفس الطريق. والأبواب تفتح أمام نظام عالمي جديد لا أحد يعرف كيف ستكون ملامحه ولا آثاره علي العالم كله.