عام وثمانية أشهر من القصف وآلاف من القتلي، وأكثر من أربعة عشر مليار دولار، حصيلة الأضرار والخسائر، وتقريباً لا شيء تحقق.. تلك هي حصيلة اندلاع الحرب الأهلية في اليمن بين المملكة العربية السعودية التي تترأس تحالفاً عربياً لدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي المعزول علي أرض الواقع من منصبه، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، ومؤيدي الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وذلك منذ عشية السادس والعشرين من مارس 2015، فرغم عشرات الآلاف من الطلعات الجوية لم يُنجز التحالف العربي بقيادة المملكة سوي جزء ضئيل من أهدافه الحربية. وبدلاً من وقف تقدم الحوثيين علي الأرض اليمنية، أكدت قوات التحالف العربي الخميس، أواخر الأسبوع الماضي، اعتراض صاروخ باليستي علي بعد 65 كم من مكةالمكرمة أطلقه الحوثيون من محافظة صعدة، شمالي اليمن، وقالت قيادة التحالف في بيان رسمي »تمكنت وسائل الدفاع الجوي من اعتراض الصاروخ وتدميره علي بعد 65 كم من مكةالمكرمة من دون أي أضرار ولله الحمد، وقد استهدفت قوات التحالف الجوية موقع الإطلاق». وهو ما نفاه محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله الحوثية، واصفا تلك الادعاءات ب»الكاذبة». وفيما يبدو أنه رغبة خفية للمجتمع الدولي في إطالة أمد الحرب، واستنزاف قوتين إقليميتين هما السعودية وإيران، تشير نسخة من خطة سلام تقترحها الأممالمتحدة لإنهاء الحرب في اليمن، بحسب وكالة رويترز، إلي تهميش لدور الرئيس عبد ربه منصور هادي وتشكيل حكومة من شخصيات أكثر قبولا. وكان هادي قد فر أمام التقدم العسكري لجماعة الحوثي في مارس 2015، وتستضيفه السعودية منذ ذلك الحين، وبعد ذلك بشهر اعترف قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بهادي رئيسا شرعيا لليمن، ودعا الحوثيين إلي إلقاء السلاح والانسحاب من المدن الرئيسية، لكن الحوثيين وحلفاءهم في الجيش اليمني يرفضون عودته، واتهموه بالفساد هو ونائبه واسع النفوذ علي محسن الأحمر، وتقترح أحدث خطة سلام قدمها مبعوث الأممالمتحدة لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، تنحي الأحمر ومنح الرئيس هادي دورا شرفيا إلي حد ما، وذلك بعد انسحاب الحوثيين من العاصمة صنعاء. توغلات برية التمرد الحوثي الذي استولي علي أجزاء شاسعة من اليمن مع مطلع عام 2015، والذي تري الرياض خلفه يد إيران عدوتها اللدود، مازال مسيطراً علي العاصمة صنعاء ومنشآتها الحيوية بدءًا من القصر الرئاسي ومروراً بالتليفزيون الرسمي للدولة وحتي البنك المركزي وجميع الوزارات، بينما حملة استعادة العاصمة التي تشنها القوات الموالية لعبد ربه منصور هادي منذ استعادتهم لمدينة عدنالجنوبية في يوليو الماضي، مازالت تواجه عقبتين كؤودتين وقتالا ضاريا في مدينتي تعز والمخا. ما يضع المملكة في حرج أكبر أمام الرأي العام العالمي ليس فقط ذلك التورط العسكري، ولكن المآسي الإنسانية بفعل مذابح وقعت في صفوف مدنيين أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع، فطبقاً لتقرير صادر عن الأممالمتحدة فإن الغارات السعودية تسببت في مقتل 3300 مدنياً من أصل 6200 أي ما نسبته 60%. 32 ألف يمني آخرون أصيبوا في المعارك من بينهم 6500 مدني، فيما أُجبر 2.5 مليون، أي 10% من تعداد السكان، علي النزوح من منازلهم ، كما قًصفت مئات من المنازل الخاصة وعشرات المدارس والمصانع والمستشفيات من بينها 3 مستشفيات كانت تضع شعاراً ضخماً علي سقفها يفيد بأنها تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود الفرنسية MSF وبفعل الحصار البحري الذي يفرضه التحالف العربي وصعوبة التنقل داخلياً تقف 10 أقاليم من أصل 22 علي شفا حفرة من المجاعة. موقف مُعقد تفتقد هيئة الأركان السعودية أيضاً جهاز مخابرات قوي يمكّنه إعطاءها المعلومات التي يجب أن تتخذ قراراتها علي أساسها، فبالكاد نشرت الرياض ومعها الإمارات عددا محدودا من القوات البرية، ولكنهما أجبرتا علي سحبهما مرة أخري بسبب سقوط صواريخ باليستية علي أماكن تمركزها ما أدي إلي مقتل 40 جندياً في سبتمبر الماضي بمحافظة مأرب الواقعة شرقاً، وفي ديسمبر 2015 أيضاً وقع هجوم باليستي آخر علي مضيق باب المندب (جنوب غرب)، تسبب في مقتل العشرات من قوات التحالف بينهم قائد هام للقوات الخاصة السعودية. الموقف يتعقّد يوماً بعد يوم للرياض، لدرجة أن القرار الأممي 2216 الذي وفر لها غطاءً دبلوماسياً بدأ يفقد شرعيته وتفكر الهيئة العليا بالأممالمتحدة حالياً في إصدار قرار جديد مُلزم يشدد علي أهمية إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المستشفيات والمدارس من القصف. في مواجهة تلك الانتقادات قال الجنرال أحمد عسيري، المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، إن »العمليات العسكرية الرئيسية تقترب من نهايتها»، وهو ما خلق أملاً زائفاً في التهدئة خصوصاً مع تأكيدات، لم يتحقق منها شيء، لأحمد ولد الشيخ المبعوث الأممي، لحل الأزمة. أما المحلل السياسي اليمني هشام الأوميسي يقول لصحيفة لوموند من العاصمة صنعاء: »لست متفائلاً.. يتصنع السعوديون الابتسامة كي يمررون واقع عام ونصف علي الحرب، في الأسبوعين الماضيين لم يتوقف قصفهم لصنعاء.. لا أعتقد أن أياً من الطرفين مستعد لتوقيع اتفاق يقود لاستقرار البلاد».