"الكتاب الذي تتصفحونه الآن، فيه رصد لفترة التقهقر، وفيه قراءة لعقل مصر في هذه الفترة، وفيه يؤكد المؤلف علي أن بذور التخلف والرجعية زُرعتْ في زمن مبارك، وأن جنين السلفية الوهابية كان في رحم عصر مبارك ورجاله، لقد كانت ذقونهم تنبت إلي الداخل، ولذلك لم تكن مفاجأة أن هؤلاء هم الرابح الوحيد في برنامج من سيربح الميدان." هذا ما يقوله د. خالد منتصر في تقديمه لكتاب. »آيات علمانية» لمؤلفه د.عماد نصر ذكري، والصادر عن دار الربيع العربي للنشر والتوزيع. منتصر يصف المؤلف بأنه مدافع جَسور عن العلمانية ولا يرضي بأنصاف الحلول، ولا يمسك العصا من المنتصف، وأنه يعرف أن العلمانية هي الحل، حتي لمن يريد أن يحافظ علي دينه ويمارسه بحرية، فالعلمانية ضد الفاشية والعنصرية، وليست ضد الدين، وهي ضد تحكم رجال الدين في السياسة.كذلك نعرف من خلال هذا الكتاب أنه لا علم ولا فن ولا إبداع في ظل دولة دينية، لأن مواطني الدولة الدينية، أعداء للحياة، أعداء للخيال، أعداء للبهجة، ولا يمكن لهؤلاء الأعداء أن ينتجوا علمًا، أو يُبدعوا فنًّا.أيضًا يقول منتصر عن مؤلف الكتاب إنه طبيب يحاول أن يُجري جراحة للوطن، ويرفض أن يكون حانوتيًّا يدفن جثته، إنه محب عاشق صبابة لمصر المحروسة، يكتب بدمع المآقي وحبر الشريان عن مصر التي يتمناها، والتي تستحق أفضل من خفافيش الظلام، وتستحق تغريد العندليب وشجن الكروان وتحليق النوارس.أما المؤلف فيري أن العلمانية تقترن في أذهان الغالبية العظمي في بلادنا بالكفر والإلحاد، فما إن تُذكر كلمة علمانية أمام أحدهم، إلا ويستشيط غضبًا وتحتقن ملامحه، ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم الذي حضر علي السيرة. المعرفة نسبية المؤلف يري كذلك أن القيم العلمانية من حرية الفكر والعقيدة يتقبلها العقل الذي يؤمن بأن المعرفة نسبية، وأنه لا توجد حقيقة مطلقة، وأن زوايا الرؤية تتعدد حول الموضوع الواحد، فيقر هذا العقل بفضيلة الاختلاف ويتحلي بمَلَكة النقد الذاتي والمراجعة لكل ما شب عليه من أفكار مرددًا مقولة الإمام الشافعي «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».ذكري يتساءل أيضًا: هل وُجدت الأديان لشقاء البشر؟ هل يسعد الإله العادل أن يقتل الناسُ بعضهم بعضًا سعيًا إليه وإلي جنته؟ هل سمح الله بتعدد الأديان لكي تظل الحروب مستعرة ومستمرة حتي ينتصر أتباع دين بعينه علي أتباع الأديان الأخري؟ ويجيب قائلا إن الإله كان يستطيع أن يجعل البشر جميعًا علي مِلة واحدة، لكنه فضّل أن يسعي الناس إليه بطرق متعددة، ليختار كل إنسان الدين الذي يُشبع وجدانه ويرتاح إليه ضميره.وفي موضع آخر يقول ذكري إنه يصيبه الغيظ ويستبد به الحَنَق دائمًا كلما يشن أحد دعاة الدولة الدينية هجومًا كاسحًا علي الرافضين لإعادة بعث هذه الدولة من الماضي السحيق معتبرًا إياهم كافرين ضالين يحتاجون إلي من يعرّفهم بما يجهلونه من عظمة وفضائل دولة الخلافة الإسلامية.ويضيف ذكري أن دولة الخلافة تعجُّ بمعاصٍ، بل بجرائم يندي لها جبين المؤمنين الأتقياء الأنقياء، ارتكبها خلفاء اعتبروا أنفسهم مبعوثي العناية الإلهية علي الأرض، وأهملوا أحوال الرعية وتفرّغوا لجمع الأموال والانغماس في الملذات، بل إن بعضهم كان يجاهر بكفره علنًا.ذكري يري أيضًا أن نظام مبارك لم يهتم إلا بمصلحته، ولم يفكر إلا في كيفية الالتصاق الأبدي بكرسي العرش، ونتيجة ذلك أهمل هذا النظام التعليم ولم يعمل علي إصلاح أحواله، بل شجع علي انهيار التعليم الذي أنتج مواطنين جهلاء ومتخلفين ومتطرفين في كل شيء.أما في مقاله "المصادرة في عصر السماوات المفتوحة " وبعد أن ينفي عن نفسه كونه ناقدًا، يقول إنه، حين قرأ خبر الحكم الذي أصدرته محكمة جنوبالقاهرة بمصادرة رواية "مترو"، جال بخاطره عناوين الكتب التي مُنعت من التداول في السنوات الأخيرة، كما لا يستطيع أن ينسي وقف مجلة إبداع بسبب قصيدة الراحل حلمي سالم "شرفة ليلي مراد"، ويتساءل هل هناك نهاية لمسلسل المصادرات العبثي هذا؟ الناقد وليس القاضي ذكري يتساءل كذلك: هل مازالت التابوهات، التي تتم مصادرة الكتب إذا مستها أو اقتربت منها وهي الجنس والدين والسياسة، مصونة في عصر الإنترنت والفضائيات التي تدخل غالبية المنازل بما فيها المساكن العشوائية؟ هنا يري ذكري أن مصادرة كتاب في عصر السماوات المفتوحة ما هو إلا وسيلة فعّالة للترويج للكتاب ولمؤلفه. ويختتم ذكري هذا السياق قائلا إنه علي الدولة أن تدرك أن هذا الشعب قد بلغ سن الرشد وأن المصادرة وقمع الأفكار لم يعد لها محل من الإعراب في العصر الحالي. ويدعو إلي أن تخلو القوانين القائمة من أي مواد تسمح بمصادرة الكتب، فالذي يُقيّم الكتاب هو الناقد وليس القاضي، وعلي من يجد ما لا يعجبه في أي مادة منشورة أن يرد ويفنّد، لا أن يصادر أو يحرض علي ذلك. وفي مقاله "الثورة الثقافية" يري ذكري أن الإنسان المصري بحاجة إلي تغيير شامل في المفاهيم والقيم التي كبّلت عقله ولوّثت قلبه، ولن يتأتّي هذا، في رأيه، إلا بواسطة الإعلام والتعليم الذي يجب أن يساعد الطفل علي تنمية الإبداع والحس الجمالي والعقل النقدي المتسائل وروح التسامح وتقبّل الاختلاف، ليشب رجلا قادرًا علي إعمال الفكر والمنطق، ولا ينساق وراء العواطف الفجة، أو ينجرف وراء رجل دين متشنج يصرخ في برنامج تليفزيوني، فالحضارة عقل والتخلف وجدان. كذلك يجب علي وسائل الإعلام أن تفسح المجال للمثقفين الليبراليين كي لا تترك الساحة لأصحاب الأفكار الصحراوية الوهابية، الذين يريدون أن يجعلوا منا أمة موحدة بالرأي. وإلي جانب كتابته عن عدة قضايا تخص المرأة، يكتب ذكري عن أزمة التعليم في مصر، وعن البهائية، وعن أبجديات الديمقراطية، وعن الثورة والمستقبل.