في حواره الأخير ل » الأخبار» قبل تقاعده عن العمل في صندوق النقد الدولي خلال شهر أكتوبر الجاري، أكد مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطي بصندوق النقد الدولي أن مصر لديها اقتصاد قوي ولكنها تواجه بعض التحديات والتي يجب العمل علي التغلب عليها خلال الفترة المقبلة .. وأوضح مسعود أحمد أن الصندوق يسعي لعدم تحميل الفقراء آلام الإصلاح الاقتصادي وذلك من خلال التوسع في برامج الحماية الاجتماعية لدعمهم، وأن برامج الإصلاح الاقتصادي تهدف إلي تحقيق إفادة لجميع المواطنين عًلي حد سواء .. وأكد أن مصر قادرة علي سد الفجوة التمويلية الموجودة بالموازنة وذلك من خلال الاتفاقيات الثنائية التي تعقدها مع بعض الدول أو من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإلي نص الحوار .. هل تري أن الحكومة قادرة علي تجاوز الفجوة التمويلية الموجودة حاليا التي تصل إلي 10 مليارات دولار ؟ صندوق النقد الدولي يتحرك لإنهاء التمويل اللازم لسد الفجوة التمويلية للعجز في مصر خاصة في العام الاول، فمصر بها فجوة تصل الي 10 مليارات دولار منها من 5-6 مليارات دولار تحتاج إلي سدها من خلال اتفاقيات التمويل الثنائي من السعودية ومجموعة السبع والصين بعيدا عن الصندوق بالاضافة الي التمويل المقرر تقديمه من هذا الصندوق بقيمة 12 مليار دولار والمفترض ان تحصل مصر علي شريحة أولي منه مقدارها 2.5 مليار قبل نهاية العام الجاري، ونأمل أن يعرض البرنامج المصري علي الصندوق نهاية الشهر الجاري أو بداية الشهر القادم وستقدم الشريحة الأولي بقيمة 2.5 مليار دولار بمجرد موافقة الصندوق خلال يوم او يومين من الموافقة وستكون هناك مراجعة كل 6 شهور ولن نعلن اي شيء خلال هده الاجتماعات . وأود التأكيد علي أن مصر لديها اقتصاد قوي ولكنها تواجه تحديات أهمها انخفاض النمو والعجز في الموازنة مرتفع والوضع الخارجي ضعيف علي الرغم من تدخل الدول الصديقة بالاضافة الي ارتفاع التضخم وانخفاض التشغيل . الحماية الاجتماعية كيف يساهم صندوق النقد الدولي في تحقيق الحماية الاجتماعية للطبقات الفقيرة في مصر؟ الهدف الرئيسي من دور صندوق النقد الدولي هو ضمان تطبيق إصلاح اقتصادي حقيقي يساهم في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تضمن توفير مستوي معيشة مناسب لجميع الفئات بصرف النظر عن تدخل المؤسسات التمويلية الدولية. وما يفعله البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هو توفير المساعدات الفنية والخبرات اللازمة للحكومة المصرية لتنفيذ برنامج الاصلاح الذي تقدمت به ووافق عليه مجلس النواب. كما تساهم المؤسسات التمويلية الدولية بمساعدات مالية في صورة قروض ميسرة تساعد الحكومة علي تحمل مسئوليتها في توفير حماية اجتماعية للطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل. وهناك العديد من البرامج التمويلية التي تهدف بالأساس الي مساعدة الفقراء في تحمل تبعات الاصلاح الاقتصادي ومنها علي سبيل المثال برنامج تكافل وكرامة بقيمة 400 مليون دولار. كما ان مشروعات البنية التحتية التي تنفذها الحكومة تساهم بشكل كبير في خلق فرص عمل للشباب خاصة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة فضلا عن مساهمتها في تحريك عجلة الاقتصاد المصري وزيادة حركة الانتاج بما يساهم في النهاية في زيادة حجم الناتج القومي الاجمالي. وأيضا مشروع تنمية الصعيد الذي تم التوقيع عليه مع البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار سوف يكون له تأثير كبير في تحقيق تنمية اقتصادية شاملة في محافظات الصعيد التي ظلت بعيدة عن فرص التنمية لعقود وذلك ايضا يساهم في تحقيق العدالة في فرص التنمية بحيث يستفيد منها كل المواطنين. أما عن دور الصندوق تحديدا في تحقيق الحماية المجتمعية فأود التأكيد أن جميع التمويلات التي يقدمها الصندوق للدول الأعضاء تكون بناء علي برامج الاصلاح الاقتصادي التي تقدمها هذه الدول لمجلس إدارة الصندوق وفي هذا الإطار يقدم الصندوق خبراته للدول لمساعدتها في كيفية تطبيق برامج الاصلاح دون التأثير علي الطبقات الفقيرة وهذا ما نقوم به مع جميع الدول المجاورة مثل الاْردن وتونس والمغرب. وبالنسبة لمصر فهناك استهداف لزيادة حجم الإنفاق علي التعليم والصحة بشكل كبير وزيادة نسبة مساهمة الدولة في دعم الطبقات محدودة الدخل للحصول علي الخدمات الاساسية بصورة لائقة وبأسعار مناسبة. في النهاية أؤكد أن الهدف الرئيسي لصندوق النقد الدولي هو ضمان عدم تحمل الطبقات الفقيرة آلام الاصلاح الاقتصادي. أغنياء وفقراء البعض يري أن إجراءات الاصلاح التي تطبقها الحكومة لا تفرق بين الأغنياء والفقراء وغالبا ما تتحمل الطبقات الفقيرة العبء الأكبر من الاثار السبية لهذه الاجراءات، كيف تتعاملون مع هذا الأمر؟ أحيانا برامج الاصلاح الاقتصادي تتضمن بعض الاجراءات الفردية التي قد تؤثر بصورة أو بأخري علي بعض الطبقات وهذا يحدث في جميع الدول وفي معظم برامج الاصلاح، خاصة إذا كنّا نتحدث عن إصلاح شامل يتضمن اعادة هيكلة للعديد من القطاعات. ولكن لا يجب النظر الي هذه الاجراءات الفردية بل يجب دراسة تأثير برنامج الاصلاح الاقتصادي بمنظور شامل وفي شكل حزمة واحدة. وبالتأكيد فإن الاثار الإيجابية لبرنامج الاصلاح المصري اكبر وأشمل بكثير من الاثار السلبية كما ان النتيجة النهائية ستكون إيجابية وفي صالح جميع المواطنين. وعلي الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي بذل جهود أكبر في توضيح المعلومات والحقائق عن مكاسب الاصلاح الاقتصادي للمواطنين، حتي يستطيعوا تحمل الاجراءات التي تتخذها الحكومة ويتيقنوا أنها ستكون في صالحهم. برامج الحماية المجتمعية في الدول الفقيرة دائما تتهم بالفساد ولا تحقق الأهداف المرجوة منها، كيف تري ذلك؟ أتفق معك تماما، بعض إجراءات الاصلاح الاقتصادي خاصة المتعلقة ببرامج الحماية المجتمعية لا يتم تنفيذها بالطريقة الصحيحة بسبب وجود أوجه خلل في الوحدات المحلية لتلك الدول، وهذه الوحدات عادة تكون هي المختصة بتطبيق الاجراءات التي تتخذها الحكومات. ولهذا السبب فإن البنك الدولي يقدم العديد من البرامج الفنية لمساعدة الدول الأعضاء في تطبيق إجراءات الحماية المجتمعية بفعالية وكفاءة خاصة في الدول النامية. قاعدة بيانات العديد من الدول تعاني من عدم وجود قواعد بيانات تحدد المستحقين للدعم، كيف يتعامل الصندوق مع ذلك الامر؟ أحد أهم التحديات التي تواجه الدول النامية عند تطبيق برامج إصلاح اقتصادي هي قضية الدعم وتحديد المستحقين له. وتتفاقم هذه التحديات في ظل عدم وجود قواعد بيانات دقيقة لجميع المواطنين تحدد مستويات دخولهم ونسبة التعليم وغيرها من المؤشرات التي تحدد مدي احتياج الأفراد للدعم المقدم من الدولة. لذلك يدعو صندوق النقد والبنك الدوليان الدول الأعضاء باستخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة عند تطبيق برامج الاصلاح. حتي تستطيع تلك الدول تحديد المستحقين الحقيقيين للدعم الذي تقدمه الحكومات. وهناك بعض النماذج الناجحة من الدول النامية في هذا الشأن ومنهما الهند، حيث حققت تقدما ملموسا في انشاء قاعدة بيانات شاملة ودقيقة لجميع المواطنين، وأصبح لكل مواطن رقم تعريفي خاص يتم استخدامه في تحديد مقدار الدعم الذي يستحقه. وبذلك استطاعت الهند تجنب العديد من الحلقات الوسيطة التي تلجأ اليها الدول النامية في توصيل الدعم لمستحقيه مثل الوحدات المحلية كما أشرت سابقا. ومن ثم استطاعت الحكومة الهندية تقليل نسبة الفساد بدرجة كبيرة في تطبيق إجراءات الحماية المجتمعية. وعلي جميع الدول ومنها مصر تبني هذا المنهج. الزيادة الأخيرة ما تأثير انخفاض أسعار النفط علي اقتصادات المنطقة؟ لا شك أن الزيادة الأخيرة في أسعار النفط منذ الربيع أحدثت بعض التخفيف للضغوط المالية علي البلدان المصدرة للنفط، ولكن الآفاق الأساسية المتوقعة لها في الخمس سنوات القادمة لم تتغير. فمن المرجح أن تظل أسعار النفط في المدي المتوسط أقرب إلي مستوي 50-60 دولارا للبرميل منها إلي الأرقام التي شهدناها قبل عام 2014. وبالتالي، ينبغي للبلدان المصدرة للنفط في المنطقة أن تقوم ببعض الاختيارات بالغة الصعوبة، سواء من حيث سياسات الموازنة أو تنويع الاقتصاد. أما في البلدان المستوردة للنفط، فلحسن الحظ، بفضل انخفاض أسعار النفط وبفضل جهود هذه البلدان علي صعيد السياسات، هناك تقدم مستمر في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي ونري في هذه المجموعة معدلات نمو بمتوسط 3.5% هذا العام وأعلي بقليل من 4% في العام القادم. ما الدور الذي يقوم به الصندوق في دعم البلدان المستضيفة للاجئين؟ استمر عمل الصندوق مع البلدان في منطقة »الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان». ففي الخمس سنوات الماضية، كنا نشطين في مساعدة بلدان الصراع بتقديم مشورة محددة حول السياسات (كما في حالة ليبيا واليمن وأفغانستان)، وتقديم التمويل (فلدينا برامج مع أفغانستان والعراق)، وأنشطة بناء القدرات (خاصة في أفغانستان وليبيا والسودان، ثم الصومال مؤخرا). وبالطبع، فقد دعمنا البلدان المتأثرة بشكل مباشر، عن طريق المشورة بشأن السياسات وبناء القدرات، وبالتحديد لدينا برامج مع الأردن وتونس، وهناك تقدم في المفاوضات مع مصر حول برنامج جديد أيضا. كذلك نواصل دعم المبادرات الدولية لتعبئة التمويل للمنطقة، مثل مؤتمر دعم سوريا والمنطقة وجهود البنك الدولي لإنشاء تسهيلات ميسرة جديدة للبلدان التي تستضيف اللاجئين. وفي هذا السياق، أكدنا الحاجة إلي تقديم هذا التمويل في صورة منح وقروض ميسرة لتجنب تحميل البلدان المستضيفة للاجئين عبئا ماليا. وفي الفترة القادمة، سيتوسع عملنا المعني بالتعافي في مرحلة ما بعد الصراعات بمجرد أن تسمح الظروف بذلك. ما السبيل لضمان تحقيق الدول تنمية اقتصادية مستدامة؟ تحقيق تنمية شاملة ومستدامة في أي دولة يتطلب اتباع العديد من الخطوات ضمن منظومة متكاملة لا تقتصر فقط علي الجوانب الاقتصادية، لكن بشكل موجز يمكننا القول إنه إذا أرادت الحكومات تحقيق معدلات اقتصادية مرتفعة ومستدامة فعليها أن تزيد من الاعتماد علي الأساليب التكنولوجية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وزيادة مخصصات التعليم بأساليب حديثة والاستفادة من تجارب الدول الأخري التي حققت تقدما في هذا المجال. وعلينا أن ندرك أنه علي قدر حجم معرفة واستخدام الأشخاص للوسائل الحديثة للتكنولوجيا مثل الكمبيوتر والإنترنت علي قدر ما تنخفض نسبة البطالة في تلك الدول شريطة أن يتم استخدام التكنولوجيا بصورة احترافية تمكن مستخدميها من خلق نوع جديد من الوظائف تمكنهم من إعالة أنفسهم دون الحاجة إلي قضاء وقت طويل في البحث عن وظيفة. وإذا تحقق ذلك سيكون له آثار إيجابية كثيرة علي الحكومات والشعوب كما سيساهم في تحسين مستويات المعيشة للمواطنين فضلا عن خلق جيل جديد من الشباب والعمالة الماهرة قادر علي التكيف مع مستجدات سوق العمل من خلال إعادة تأهيل أنفسهم بصورة دورية. آثار سلبية انخفاض أسعار البترول دائما يهدد النمو الاقتصادي لبعض الدول، كيف تفسر هذا الأمر وما الحل لتجنب الآثار السلبية الناتجه عنه؟ الآثار المرتبطة بتغير أسعار البترول تنقسم إلي شقين، الأول يتعلق بالدول المصدرة للنفط والتحدي الأكبر الذي يواجهها يتمثل في تحقيق النمو الاقتصادي في ظل تراجع إيرادات الموازنة وتخفيض الإنفاق العام خاصة علي قطاعات البنية التحتية وذلك بسبب تراجع أسعار البترول. ويصبح التحدي الأكبر أمامها هو القدرة علي إيجاد مصادر بديلة للإيرادات لضمان استمرار عملية التنمية والحفاظ علي معدلات النمو الاقتصادي للحفاظ علي مستوي الرفاهية الذي اعتاد عليه مواطنو هذه الدول. أما بالنسبة للبلدان المستوردة للنفط فيتمثل التحدي الرئيسي لديها في تقليل البطالة وزيادة خلق الوظائف من خلال قطاع خاص أكثر ديناميكية. وفيما يتعلق بالدول التي تنفذ برامج إصلاح اقتصادي فعليها مواصلة التعديلات الهيكلية لضمان تجنب الآثار السلبية للتقلبات الاقتصادية خاصة في ظل زيادة حدة الصراعات في المنطقة.