انزعجت عضوة الوفد التونسي الذي شاركنا زيارة كوريا الجنوبية الأسبوع الماضي، وصرخت علي طريقة شيرين في مسرحية المتزوجون »صرصار»، وذلك أثناء عشاء نظمته »ال جي» في مدينة السحر والجمال »چي چو»، راحت تنادي مدير المطعم، فلم يبال، وعند الحاحها، نادي أحد العمال، فقال: لا تنزعجي، والتقط الصرصار من الأرض وقذفه في فمه وبلعه بسرعة. أكل الصراصير والكلاب والقطط عادي في كوريا، مثلما اعتدنا أكل الحمير، والتقط البعض بقايا الزبالة وتعايش منها، فلماذا الاستغراب ! الفرق أنهم أكلوا الكلاب فتعلموا الوفاء وقاتلوا ليحتلوا مكانة متقدمة واقتحموا صناعات متعددة، وامتثلوا للنظام، وتفوقوا، وأكلنا الحمير فازدادت التناحة والبلاهة، وتمادينا في الفوضي، واخترقنا القوانين وتراجعنا، لا تلوموا الدولة، فالمواطن سبب رئيسي للتراجع، عشق الفوضي، وتلذذ بالسير عكس الاتجاه، ونثر الزبالة، والاسراف والفساد. سلوك المصريين يدعو للعجب والعشوائية تترعرع. تجاهلنا تطبيق القانون واحترفنا اللف والدوران، وفي النهاية خسارة جماعية، وتراجع للاقتصاد. في كوريا الجنوبية رأيت الأخلاق، فتحسرت علي المسلمين وسلوكهم، نظافة والتزام بمواعيد العمل وإصرار علي الابتكار، ليحققوا مكانة متميزة في صناعة السفن والسيارات ويتفوقوا بالتكنولوجيا. منازل متناسقة وشوارع نظيفة وخضرة علي مرمي البصر، ونهر الهان يجري وسط سول تحفه الورود والحضارة. في بوسان لا وقت للعب، مصانع تكسو كل شبر، وحركة لا تتوقف، وفروا الطاقة ورشدوا الكهرباء، فأغلقوا المحلات في التاسعة، وأطفأوا المصابيح، لتعيش المدينة في ضوء خافت، وتتوهج أضواء المصانع التي لا تتوقف عن الإنجاز. في چي چو تتلألأ شواطئ وجزر المحيط نهارا بالرواد، وتعج لياليها بالسهر، عطلة نهاية الأسبوع بهجة للجميع، أنهوا أعمالهم وأخلصوا وأبدعوا، وجاء وقت الراحة، للاستمتاع بالماء والمساج والهدوء والراحة. إتقان للعمل، وإخلاص في الاستمتاع والترفيه. لا تتوقف المصانع في أرجاء كوريا، ولا تتوقف النهضة التي غطت كل شبر، ولم يهملوا الزراعة، لتتوازي مع الصناعة والمشروعات المتدفقة، وتتماشي مع إقامة المنتجعات والمتنزهات والمطاعم الفاخرة. لا يعرفون شيئا عن مصر، ولا المناطق السياحية، ذهبوا للسياحة في المغرب، لأن مسئولي السياحة عندنا في غيبوبة، اكتفوا بالترويج للسياحة في مصر، وتجاهلنا اكتشاف أسواق جديدة، وسائح متحضر. لا تحملوا الدولة أكثر من طاقتها، ابدأ بنفسك، فالشعوب تصنع تاريخها بالعمل والتفاني والالتزام والبعد عن الفوضي. أكلوا الكلاب فأخلصوا لبلدهم وطوروها، وأكلنا الحمير فتمادينا في البلادة، »ياريتنا ناكل كلاب» !