عشت فترة كبيرة من حياتي أكاد أكون منعزلة عن المجتمع المصري، ثم أتاح لي عملي بإحدي الوظائف الحكومية التعرف علي شرائح مختلفة من المجتمع خاصة القاعدة الشعبية أو »السكان الأصليين» كما يحلو لي أن أسميهم، ثم أتاح لي اطلاعي علي الثقافة الغربية أن أعقد مقارنة بين الثقافتين خاصة فيما يتعلق بالمرأة. ربما يكون ما سأسرده أمرا لا يبدو جديدا للبعض، ولكن بالنسبة لي ينطوي علي اكتشافات مذهلة. بادئ ذي بدء، لا يوجد في اللغة العامية ما يقابل كلمة »امرأة» في اللغة الفصحي أوwoman باللغة الإنجليزية وfemme باللغة الفرنسية، وأقصد بذلك كلمة تعني النوع الاجتماعي فقط دون أن تحمل أية دلالات أخري. فالمرأة إما »ست» أو »بنت»، إما آنسة أو مدام، حتي كلمة »امرأة» تحولت إلي »مرة» وهي كلمة بذيئة من المنظور الشعبي. كنت أعتقد قبل ذلك أن »بنت» تعني طفلة أو شابة في مقتبل العمر، وأن »ست» تعني امرأة ناضجة أو سيدة عجوز، حتي اصطدمت برؤية المجتمع من حولي، عندما سألني أحد الأشخاص: ما الذي يجمع بينك وبين فلانة؟ فقلت له: »احنا الاتنين ستات زي بعض»، فتراجع إلي الوراء مذهولا. ثم جاءتني مكاتبة حكومية تحمل اسمي ويسبقه كلمة »السيدة»، وعندما قرأها زميل لي، شهق قائلا: لكن هناك خطأ فادحا، انت لست سيدة!! فقلت له: لايهم، ربما يكون ذلك فألا حسنا!! فأنا أعتقد أن كلمة سيدة بالفصحي تسبق الاسم من باب الاحترام فقط ولا تعني متزوجة أم لا، فنحن نقول علي سبيل المثال: السيدة مريم العذراء. لكن ما يغيظني فعلا أن قبل أن يتحدث أحد الأشخاص إلي امرأة لا يعرفها حتي، يسأل أولا: هي آنسة ولا مدام؟ وهكذا تصنف جميع النساء، في حين أن الرجل لا يخضع لذلك التصنيف، وكأن هذا السؤال يعني بطريقة غير مباشرة: أهي عذراء أم لا؟ فالهاجس الجنسي للمصريين موجود حتي في أبسط الجمل. وربما يفسر ذلك هرم ماسلو للاحتياجات، فالاحتياجات الأولية الفسيولوجية توجد في قاعدة الهرم ثم ترتقي شيئا فشيئا لتصل إلي تحقيق الذات في القمة، لذا فبينما هناك أشخاص وصلوا إلي القمة، ما زال البعض في أسفل الهرم. نعود إلي سؤال آنسة أو مدام، فإن هذا السؤال يجرح الكثيرات فمنهن من لم تتزوج أو من طلقت. أتذكر أن قرأت ورقة مثبتة في الحائط في مكان عملي تنعي إحدي الزميلات التي وافتها المنية، ويسبق اسمها:»الآنسة»، وعلمت أنها تتعدي الخمسين من عمرها، فأحسست أن ذلك إهانة لها. أما في الغرب، فيقترب فكرهم في هذا الشأن من منظوري للأشياء، ف»مدام» تعني متزوجة، ولكنها تقال أيضا دليلا علي الاحترام للأشخاص مثل المعلمات. وفيما يتعلق بكلمة »حريم»، فهي تحمل بالنسبة إلي الكثير من المعاني السلبية، فهي مشتقة من كلمة حرام، فالمرأة ينظر إليها كأنثي فقط، وتذكرني هذه الكلمة كذلك بألف ليلة وليلة، وجواري السلاطين، والحرملك الذي يفصل بين الرجال و»الحريم»، بالإضافة إلي اعتبار السيدات كتلة واحدة لا فرق بينهن، ويشكلن خطرا بميولهن لارتكاب الخطيئة، لذا كان يرعاهن الخصيان قديما. أما ما جعلني أبلغ أقصي درجات الدهشة، عندما سمعت أحد القرويين في مكالمة علي الهواء في أحد البرامج، ولا أتذكر سؤاله للمذيع، ولكن أتذكر أنه قال: »لا مؤاخذة الحريم»، ولأنني أعرف أن كلمة »لا مؤاخذة» تعقبها كلمة قبيحة غالبا، فهالني ما قاله. أتعتبر المرأة نفسها »حاجة عيب» يجب إخفاؤها عن الأعين؟ هل ينظر إليها كجسد فقط يفرغ فيه الرجل شهوته؟ ومثلما - في القري- تفقد اسمها فتنادي ب»أم فلان»، ويعتبر التفوه به عيبا، تسلب منها أيضا إنسانيتها. أنا لا أدافع مطلقا عن الثقافة الغربية، فالمرأة فيها أداة جنسية أيضا، كما يسلب منها اسم عائلتها، فيوضع اسم عائلة زوجها بجوار اسمها الأول. لقد كرم الله السيدة مريم، فورد اسمها صراحة في القرآن، ولم يقل مثلا أم عيسي، وخصها بسورة كاملة. وفي قصة آدم وحواء كما وردت في القرآن، هما ارتكبا المعصية معا »فأزلهما الشيطان عنها»، ولم تغوه حواء كما يردد الكثير خاصة في الغرب، فلم تكن هي أصل الخطيئة. فيا ليت المرأة تعود إلي مكانها الصحيح، ولن يتم ذلك إلا بالقضاء علي الجهل والأفكار الخاطئة الموروثة عنها.