يتردّد كثيرا هذه الأيام في إسبانيا، اسم الكاتب الشاعر الروائي الموسيقي المسرحي ضحية الظلم،والجبروت، والتعصّب، وضيق أفق التفكير، فيديريكو غارثيا لوركا Federico García Lorca . قلت كثر ذكره لأنه في الحقيقة والواقع لم ينقطع، لأن هذا الإنسان المتعدّد المواهب والاهتمامات، قد ضرب بعصاه في كلّ ما له علاقة بالحق والإنصاف والعدل والمساواة، ونصرة الضعيف، والوقوف في وجه المعتدي أيّا كان موقعه ومنصبه وقدرته، وواجه أشكال الظلم وحرمان الضعيف وجميع التعديات علي الحقوق، برصانة وتعقّل، عبر الكلمة وما يسيل من القلم. كثر ذكره هذه الأيّام في بلاده، بمناسبة مرور ثمانين سنة علي وفاته، بل اغتياله، ولمواصلة المطالبة بالبحث عن مكان دفنه، الذي لم تفش به سلطات الدكتاتورية التي أعدمته، وبقي أهله وأتباعه ومحبوه، يبحثون عنه ويطالبون بمعرفة أين انتهت رفاته حتي تنقل إلي مقبرة لائقة، بجوار أسلافه وعلي أرض مولده ونشأته بقرية " فوينتي باكيروس" Fuente »aqueros بغرناطة. لست أنوي تقديم هذا الإنسان الفذ، ثقافة ورقة حسّ ونبل مشاعر، لأن الأقلام العربية تناولته منذ قديم وقت، فعالجت إنتاجه وأفكاره وشعره بعديد التحاليل وكثير الآراء والأفكار. لذا فسأقتصر علي تعريب، إن وُفِّقت، بعض ما لم يُتناول بالبحث بعد، ولم يصل الي المهتمين من الأقلام العربية، أو هم مالوا إلي غيره من أعماله، وسأحاول أيضا تعريب بعض من أقواله ونفثات قلبه. ستكون البداية بالجزء الأهم وهو خطاب ألقاه عند تدشين أوّل مكتبة بقريته " فوينتي باكيروس " في شهر سبتمبر- أيلول عام 1931، خطاب كأنه كتب وألقي اليوم، رغم الثمانية عقود التي مرّت عليه. عنوان الخطاب أو المداخلة، هو نفسه الذي عنونت به هذه الأسطر، لأنه في حدّ ذاته بليغ معبّر، فقد أخذ من الخبز نصفه، ومن الكتاب الكلّ، فقال نصف رغيف وكتاب. " إذا ذهب أحد إلي المسرح، أو إلي حفل موسيقي، أو إلي احتفال أيّا كان نوعه، ونال الحفل رضاه، تذكّر في الحين وأسف لغياب أشخاص يحبّهم . فيجعل يفكر ويقول في نفسه " كم كان هذا ينال استحسان أختي وأبي" فلا يستمتع بما يشاهده إلا عبر حسرة خفيفة. هذه هي الحسرة التي أشعر بها، لا من أجل أهل بيتي، لأنّ ذلك يصبح صغيرا وخسيسا، بل من أجل كلّ المخلوقات التي، إمّا لفقدان الوسائل أو لحادثة ما، لا يستمتعون بسمو جمال ما هو حياة وطيبة وصفو وشغف وولع." " لهذا لا أمتلك قط كتابا، لأني أهدي كلّ ما أقتنيه من الكتب، وكثرتهم لا نهاية لها، ولهذا أنا هنا متشرّف ومسرور لتدشين هذه المكتبة الشعبية، الأولي ولا شك في كامل ولاية غرناطة. لا يعيش المرء بالخبز وحده. فأنا لو كنت جائعا وكنت في الشارع معوزا، لا أتسوّل خبزا، بل أطلب نصف رغيف وكتابا. وها أنا أهاجم من هنا، بعنف، أولائك الذين يقتصرون في كلامهم علي المطالبات الاقتصادية، دون أن يذكروا أبدا المطالب الثقافية، وهي التي تطلبها الشعوب بأعلي صوتها. حسن أن يأكل كلّ الناس، لكن ليتعلّم كلّ الناس. ليستمتعوا جميعهم بثمار العقل الإنساني، لأن عكس ذلك يصيّرهم آلات في خدمة الدّولة، يصيّرهم عبيدا لنظام اجتماعي رهيب. إنّي أشفق أكثر، علي إنسان يريد التعلّم ولا يستطيعه، من شفقتي علي جائع.لأن الجائع يستطيع بكلّ سهولة تهدئة جوعه بقطعة خبز أو بفاكهة ما، لكنّ المرء المشتاق إلي المعرفة ولا وسائل له، يشعر بألم احتضار رهيب، لأنه يحتاج إلي كتب وكتب وكثير الكتب، وأين هذه الكتب يا تري؟ كتب ! كتب ! هذه هنا عبارة سحريّة تساوي القول " حبّ، حبّ "، علي الشعوب المطالبة بها كما يطالبون بالخبز، أو كما يتمنّون المطر لمزروعاتهم. عندما كان الكاتب الروسي الشهير فيدور دوستويافسكي Fedor Dostoyevsky، أبو الثورة الروسية قبل لينين، سجينا مبعدا في سيبيريا، بعيدا عن العالم، بين أربعة جدران محاطا بسهول ثلج موحشة لا نهاية لها، فيطلب النجدة من عائلته البعيدة، لم يكن يقول سوي: " أرسلوا لي كتبا، كتبا، كتبا كثيرة كي لا تموت روحي." كان يشكو البرد فلا يطلب نارا، ويشكو ظمأ شديدا فلا يطلب ماء : كان يطلب كتبا، بمعني، آفاقا أي سلالم كي يصعد قمّة العقل والقلب. لأن الاحتضار الجسمانيّ، البيولوجي، الطبيعي، لجسد ما بفعل الجوع أو الظمئ أو البرد، لا يدوم طويلا، فهو قليل الأمد، لكنّ احتضار الرّوح غير الراضية يدوم طول الحياة. سبق وأن قال ميناندث بيدال Menéndez Pidal العظيم، أحد العلماء الأوربيين الحقيقيين، أن شعار الجمهورية يجب أن يكون : "ثقافة". ثقافة لأنّ عبرها وبواسطتها فقط يمكن حلّ المشاكل التي يتخبّط فيها اليوم الشعب الملئ إيمانا، لكنه عديم النّور." أكاد لا أصدّق أنّ هذه الآراء وهذه الأفكار والمقترحات، قد مرّت عليها ثمانية عقود. إنه خطاب اليوم، خطاب طازج ناضج، يصوّر مجتمعات معاصرة، ويشكو آلام الحاضر، ويقترح ويطالب بما تحتاجه الشعوب، لا في إسبانيا وحدها، بل في معظم البلدان التي قد تتقدمها بلداننا العربيّة. هل هذا يعني أنّ أحوال وأوضاع العالم جمدت ولم تتغيّر طيلة هذه العقود الثمانية، أم هي فراسة وتنبّأ من إنسان يحمل هموم المستضعفين المحتاجين، يري في الثقافة مفتاح التقدّم والرّقي؟ رأيي المتواضع يقول بالإجابتين والدّلائل علي ذلك كثيرة. ذكرت في مستهلّ هذه الدّيباجة، أنّ فيديريكو غارثيا لوركا إنسان متعدّد المواهب، وله في باب الموسيقي والنغم ما يقول، إذ هو، علاوة علي معرفته بالألحان والطبوع وقراءته وكتابته أحرف الموسيقي، هو عازف ممتاز علي آلة البيانو. لكنّه يميل ميلا خاصّا إلي نوع من الغناء، يُعتبَر من خصائص إقليم أندلسية، وهو ما عرف عالميا باسم " الفلامنكو" . إنه غناء يتميّز بعمق الأحساس ونغم التشكي، أساسه اللحن العميق الكانتو هوندو وله ألوان عدّة، أو هي أقسام تكوينه، منها التوناس والسيغيريّة والكورّيدو والألبوريياس والبولاريياس Tonás, Seguiría, »orrido, Alboreas, Bulerías. . مرّ هذا اللون من الغناء الأليم من مراحل قبول ورفض وعارضه المثقفون الي أن رحمه الله بالموسيقار الكبير مانويل دي فايا الذي ألف فيه سمفونيتيه الشهيرتين " القبّعة ذات الثلاثة مناقير " و" الحبّ السّاحر" فردّ له اعتباره، ثمّ نظّم، بمعيّة الشاعر غارثيا لوركا، أوّل مسابقة وطنيّة للكانتي هوندو بغرناطة عام 1922. وها هي أخيرا منظمة اليونسكو تصنّفه تراثا إنسانيا في جلستها بنايروبي يوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2010. لعلّي أطلت في تعريجي هذا، لكنّ الدّاعي هو كتيّب صغير من كتب الجيب، في حجم يدي طولا وعرضا، عثرت عليه في معرض الكتاب القديم الذي يقام سنويّا بمدريد، فناداني إليه عنوانه "النثر" ومؤلفه "غارثيا لوركا " فاقتنيته، فإذا به سلسلة محاضرات وأبحاث أدبية، دبّجها وألقاها فيديريكو معالجا فيها، بروحه الفياضة وفكره الثاقب وإحساسه العميق الصّادق، غناء الكانتو هوندو فأعطي " تحليلا عميقا لهذه الطريقة العتيقة من طرق التعبير الغنائي، هذه الثروة العظيمة ألفية العمر، التي تغطي كلّ المساحة الرّوحانيّة الأندلسيّة ". عالج أديبنا في تحليله، كلّ المراحل والمظاهر والخصائص التقنية والإحساسية والتاريخية وغيرها من خاصيّات ومميزات هذا الفن، الذي يُكمِن له أكبر تقدير. يقارنه بغيره مما يتغنّي به الشعب فيقول، بعد ذكر عدد من كبار الشعراء بما فيهم أنطونيو ماتشادو Antonio Machado : " لكن، ما هو الفرق، الكثير البروز، بين أبيات هؤلاء الشعراء وبين ما يخلقه ويبدعه الشعب. إنه الفرق بين وردة من ورق وأخري طبيعيّة." وعند التعرّض لأحد أشكال هذا الفن وهي السيغيريّة يقول:" لكن، لا أحد يظنّ أنّ السيغيرية الغجرية وتنوعاتها هي ببساطة، أغان منقولة من الشرق إلي الغرب. لا! إنّ الأمر ببساطة يتعلّق بتلقيح، أو بعبارة أوضح، بمصادفة في الأصول، لم تتمّ حتما في وقت واحد محدّد، بل هي تخضع لتراكمات أحداث تاريخيّة قديمة دنياوية تطوّرت فوق شبه جزيرتنا الإيبيريّة." كتيب صغير الحجم، ثريّ المحتوي، متعدّد المواضيع . تعرّض فيه فيديريكو للغناء العميق كانتو هوندو وبُنيته الهيكلية، كما عالج الشعر الغجري، والتخيل والإلهام، والهروب الروحاني. وقدّم دراسة مفيضة عن الصورة الشعرية عند لويس دي غوغورا الشاعرالعظيم Luis de Góngora (1561-1627) فيطلق العنان لأحاسيسه فيصف صورا كثيرة من الخيال الشعري، مأتاه ومنتهاه، وكيف يشعر به ويراه. سأسمح لنفسي تعريب بعض من تلك الأوصاف والآراء التي منها : " إنّ الخيال عندي مرادف القابلية للاكتشاف. الخيال يحمل الي محيط شعري بينما الوحي/ الإلهام يخترع الحدث الشعري الصورة الشعريّة هي دائما نقل المعني بما أنّ الخيال اكتشاف، فإنّ الإلهام منحة، هديّة لا توصف " وعندما يتحدّث عن الشعر، حسنه ورديئه، يقول: " إنّ أبديّة القصيدة رهينة مستواها وعلاقة صورها." أما عن الشاعر غونغورا الذي يكنّ له عظيم التقديرفيقول:" بينما الآخرون يطلبون الخبز هو يطلب الحجرة الثمينة لكلّ يوم "- يعطينا فيديريكو أيضا وصفا لما يجب أن يكون عليه الشاعر، فنشعر بأنه يصف غوغورا نفسه فيقول:" علي الشاعر أن يكون مدرّساً بالحواس الجسمانية الخمس. وعلي هذا الترتيب : البصر، اللمس، السمع، الشمّ والذوق. وكي يصبح سيّدا لأكثر الصّور جمالا، يجب عليه فتح أبواب اتصال بين جميعها [ الحواس ]، وبتواتر كثير، عليه أن يفترض مشاعره وأن يتقدّم متنكّرا طبائعها." وكي لا أطيل أكثر أقول كما يقول:" الشعر هو سرد رحلة، إنه إلهام صورة لا لباسها." لكن اهتمام هذا الشاعر الحائر، غارثيا لوركا، يمتدّ ويمتدّ وها هو في هذا الكتيّب يعطينا دراسة وتحليلا لمختلف أنواع أغاني الهدهة الصبيانية، أو أغاني المهد في مختلف بقاع اسبانيا شمالا وجنوبا. نراه يحلل ويتعرّض لموضوع الأغنيات، بكلماتها وتعابيرها اللفظية والنغمية، وتأثيرها علي عقل الطفل، وما يشوبها من حزن لفظا ولحنا، شارحا أسبابه أو بعض أسبابه. بعد هذا يتحفنا بدراسة عنوانها : نظرية ولعب "الدويندي" Duende، مرادف عبقر تقريبا، أو هو عفريت الشعر، ويقصد به، ضمن ما يقصد، تلك الأصوات الباطنية، والصور الخيالية التي تأتي للشاعر من حيث لا يدري، فتغمره وتملي عليه ما يفرضه الدّويندي أو عبقر أو شيطان الإلهام. يتحدث عن ظهور عبقر أو هذا العفريت عند كلّ المبدعين من شعراء ومطربين وراقصين وراقصات، حتي نراه يتعرّض لتأثير هذا الشبح الموحي، الملهم، الملقن، في كثير الحالات بما فيها الموسيقي العربية فيقول: " في كلّ الموسيقي العربية، رقصا كانت أو غناء أو رثاء، يقابل وصول العفريت بتحية قويّة " الله"،"الله "، وهي قريبة جدّا من " اولي " عند متفرّجي مصارعة الثيران، ومن يدري إن لم تكن هي نفس العبارة والتأثر. في كلّ غناء جنوب إسبانيا، ظهور عبقر متبوع بصيحات صادقة " يحيا، الله"، تعبير عميق، إنسانيّ، صيحة ليّنة للاتصال بالله عبر الحواس الخمس، بفضل عبقر الذي يحرّك صوت وجسد الرّاقصة." كأنّ هذا الشاعر الدارس الباحث الملهم، يريد احتضان الدنيا بما فيها، فيهتمّ ويلج كلّ أصناف الثقافة التي يبدو أنه يعتبرها العمود الفقري لحياة المرء كإنسان غذاؤه المعرفة، فنجده يقدّم لنا عرضا لأعمال الرسامة ماريا بلانشار María Blanchard، معترفا بأنه يلج فضاء ثقافيا ليس من اختصاصه فيقول: " لست هنا كناقد أو عارف بأعمال ماريا بلانشار، بل كصديق ظل.ظلّ عذب لم أره قط، بل حادثني عبر أفواه، ومشاهد حيث لم أكن قط سحابة عابرة، ولا خطوة مختلسة، ولا حيوانا مرعوبا في ركن. لا أحد بين الذين يعرفونني يستطيع أن يشتبه في معرفتي هذه لماريا، لأني لم أتكلم عنها قطّ، رغم أني أخذت في التعرف علي حياتها عبر حكايات مبتكرة، فكنت أحوّل نظري وجهة أخري، كما لو كنت تائها، وأقلّل من غنائي، لأنه ليس من المستحسن أن يعرف الناس أنّ الشاعر هو دوما رجل علي وشك الانهمار في البكاء ! أمام كلّ شيء !. بعد هذا الافتتاح لمداخلته، يشرع في عرضه أو وصفه أو إبداء رأيه، في أعمال الرسّامة فيقول: " إنّ أحد أوائل اللوحات التي شاهدتها عند باب مراهقتي، عندما كنت أعالج ذلك الحوار الفاجع بين الزّغب الوليد [في وجهي] والمرآة العائلية، كانت لوحة من رسم ماريا. أربعة مستحمّين وفاونوFauno [إلّه شبيه بإلّه الزراعة عند الرومان.] إنّ طاقة اللون الذي وضعته المسجّة، وعلاقة المواد، وملاحة التركيب، جعلتني أتخيّل ماريا، طويلة، بلباس أحمر، تخينة، متصنّعة بلين كأنها محاربة إغريقية." ثمّ نقرأ له في فقرة أخري من خطابه، ما يكشف لنا عن هاجس آخر من هواجس نفسه، قد يبدو بعيدا عن موضوعه الأساسي أعني به مشكل المرأة في المجتمع، إذ هو يقول:" إنّ من عاش مثلي تلك الحقبة، في مدينة شديدة القسوة من الناحية الإجتماعية مثل غرناطة، يعتقد أنّ النساء إمّا أنهنّ صعيبات أو أنهنّ مغفّلات. خوف مجنون مما هو جنسي، ورعب من " ما عساهم يقولون"، كان يجعل الفتيات تماثيل متحرّكة، تتجوّل تحت نظرات تلك الأمّهات البدينات اللاتي تلبسن أحذية رجالية، ولهنّ بعض الشعيرات في جانب اللحية." لا شك وأنّ قارئ ما سبق قد علم وفهم وأيقن، أنّ هذا الملهم، الإنسان، له في كلّ واد عصي، وأنّه يغتنم كلّ فرصة ليكتب أو يتكلّم عن كلّ شيء، فينقد أو يمدح أو يعاتب أو يوجّه، وبعبارة مختصرة، يبدي رأيه في وعن كلّ ما له صلة بالإنسان وسعادته. لكن، هل فهم القارئ ومنه أطلب المعذرة، لأني تعمّدت إخفاء ما لا يحقّ بي إخفاؤه أعني المناسبة التي ألقي فيها هذه الكلمة. إنها مرثيّة يبكي بها - إن صحّ التعبير هذه الرسّامة المتقنة، ومن خلالها يتعرّض لمواضيع شتي يراها مشاكل يجب الاعتناء بها والبحث عن حلول لها. هكذا تكون المرثيّات وإلاّ فلا. وهكذا كان وسيكون فيديريكو غارثيا لوركا الشاعر الملهم، والمفكر المصلح، والناقد الصّريح، والاجتماعي المنصف، والموسيقي المرهف، والفصيح البليغ الذي "أهمل القرّاء والدّارسون بدون حقّ إنتاجه النثري"، فحاولت بهذه الديباجة التذكير بمجموعة من أعماله النثريّة، ذات الطابع الرسالي والناقد، فتظهر، إن كانت هناك حاجة لإظهار، عالميّة عبقريّة هذا الشاعر الغرناطيّ العظيم. هل وُفِقت فيما سعيت إليه وحاولته؟ لست أدري، وليس عليّ أن أحكم، بل الحكم عند القارئة والقارئ، فبين أيديهما أترك هذه الأسطر، راجيا حلمهما، متمنيا أنهما واجدان بعض الفائدة وبعض الجديد، بعيدا عن التكرار والمألوف، لأنّ ينبوع أعمال غارثيا لوركا لا ينبض، وفيه دائما طعم جديد. ألم يقل مرّة :" بما أنّي لم أكترث بميلادي، فلا أكترث بموتي." أو كما قال:" هناك أشياء محبوسة بين الجدران، لو خرجت فجأة إلي الشارع وصاحت لملأت الدنيا " وأيضا: " إنّ أفظع الأحاسيس هو الإحساس بأنّ الأمل قد ضاع." وختاما نسمعه يقول :" طرزت في علم الحرّيّة أكبر حبّ في حياتي.