أسعدني كثيرا ظهور قناة ماسبيرو زمان ، فقد أعادت لنا النشوة المفقودة والوصال المقطوع ، ورأيت صدع القلوب المتعبة من هذا الواقع المحاصر حياتنا ، وكم أبدع ماسبيرو حين أطل بطائفة من البرامج لها وقعها المؤثر ودلالاتها الكبيرة علي عظمة مصر وتاريخها الثري بالثقافة والفنون وأصول الأخلاق ، مؤكدة أن ماضينا يزخر بالقيم الرفيعة والتفوق في شتي المجالات ، وأن إنتاجنا منها شيء يفوق الخيال ، لقد عشت مع هذه القناة يومي الخامس والسادس من أكتوبر وكأني أعود إلي ذلك اليوم وأنا صبي صغير ، منطلقا مع أول بيان أذاعته قواتنا المسلحة بعبور قناة السويس ، هرولت حافي القدمين وأعدو كالريح وأصفر لم تمنعني شمس أكتوبر ولا صيام رمضان أن أفعل ذلك ، فلم تلتهب قدمي من حرارة الإسفلت ظهرا ولا جف حلقي من الصفير والهتاف ، الله أكبر ، انفجرت بلدتي الشهداء ، كما انفجرت مصر كلها فرحا عارما أقوي من الأحزان القديمة. أعادتنا ماسبيرو زمان إلي الدراما العملاقة ، والمسلسل العظيم لا إله إلا الله، لأمينة الصاوي كتابة وأحمد طنطاوي إخراجا وإبداعا، لعل هذا الجيل يري عظمة مصر أرض التوحيد والفن والشعر والعلم والبناء والقيم والمؤسسات المنيفة ، وهذه الانتصارات التي لم تقف عند حاكم بعينه أو قائد عسكري باسمه إنما كانت انتصارات الشعب الذي كان يغذي الجيش بخير أجناد الأرض، وكيف كان نبي الله إدريس يعلم الناس التوحيد وكتابة الحروف وتبعه موحدون مؤمنون علي نهجه ، يتلهفون علي قدوم أبينا إبراهيم وصحفه ، ويفخرون بأمنا هاجر ويتلمسون أنباء نبي الله إسماعيل وإسحاق ، ويستقبلون يوسف الصديق نبي الله وعزيز مصر ثم تحل البركة بطلة نبي الله يعقوب أبي الأسباط ، ومن بعد ذلك يأتينا نبي الله موسي في التابوت وليدا وينشأ علي أرض مصر ، وتحصل البركة بامرأته بنت نبي الله شعيب ، ويأتينا نبي الله عيسي بن مريم وأمه الصديقة ، ويعم الخير بأن تكون مارية القبطية زوجا لخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلي الله عليه وسلم هذه رحلة عظيمة ، استطاع ماسبيرو أن يعيدها إلي الحياة مرة أخري ويمتعنا بتاريخنا مرئيا ومجسدا شاهقا لا أحد ينكر عظمته. ولسوف ترون برامج عملاقة أيضا تبحر في خضم أدبنا العربي الرفيع ، العقاد وطه حسين والمازني وهذه الأجيال السامقة التي جاءت علي دربهم الحكيم ونجيب محفوظ وثروت أباظة ومحمد عبد الحليم عبد الله ورموز الفكر الإسلامي علي رأسهم الدكتور عبد العزيز كامل الذي حاكم مرشد الإخوان حسن البنا في مقتل القاضي الخازندار فكان هو الضمير الحي الذي قال كلمة حق في وجه طغيان آلة القتل الإخوانية وتركهم وعاد إلي أحضان أمه مصر ، التي لا تقتل أحدا ولا تمنع عن أحد عصيرها من ثمار الحياة. وبدأ أحمد فراج عملاقا وهو يقدم نور علي نور من الروضة الشريفة بمسجد الرسول صلي الله عليه وسلم ، وهو يحاور القطب الرباني عبد الحليم محمود لتري وتسمع كيف يكون صفاء النور من وجه الولي وتهدج التقي في نبرات صوته ، وهؤلاء الذين جاءوا من المشرق والمغرب يتفكرون في آيات الله ، شيئا فوق النهي والخيال. إنني أدعو شبابنا أن يتابعوا اللآلئ ولو لدقائق معدودات وأنا واثق أنهم سوف يتعرفون بشكل أفضل مما يشاهدونه الآن عند تاريخهم ، وليتأكدوا أن مصر لن تنضب ، بقي لي طلب عند القائمين علي هذه القناة ألا ينسوا الساقية لكاتبنا الراحل العظيم عبد المنعم الصاوي ومخرجنا المبدع رحمة الله عليه نور الدمرداش.. وتحية لهم جميعا.