خبر ظاهرة عجيبة، انتشرت في المجتمع، عقب ثورة 25 يناير، فمع الفوضي، التي سادت المجتمع - في ذلك الحين - شعر أصحاب المقاهي والكافيهات بضعف الدولة، فبدأوا مرحلة من البلطجة، التي تتجاوز كل حد ... قبل الثورة كانوا يحتلون الأرصفة، أمام المقاهي والكافيهات، ويمدون عليها الموائد والمقاعد؛ لزيادة عدد الرواد، وزيادة الأرباح بالتالي ... ولما كان القانون ضعيفاً، في هذا الشأن، لم يكن أمام الشرطة، الذي يقتصر دورها علي تنفيذ القانون فحسب، سوي مصادرة الموائد والمقاعد، والاحتفاظ بها، حتي يدفع صاحب المقهي أو الكافيه أو المطعم الغرامة، التي لا تتجاوز قيمتها أرباح عشر دقائق عمل فحسب، ويسترد ما صودر، ليعود به إلي الرصيف الذي يحتله ... وعقب الثورة، ظل القانون علي حاله، ولكن الاحتلال إمتد إلي الشارع، وراح يمتد، حتي صارت الكافيهات والمقاهي والمطاعم تحتل نصف الشارع تقريباً، متجاهلة أن الشارع ملكية عامة للشعب، وأنهم بهذا لا يعتدون علي المال العام فحسب، ولكنهم يعيقون حركة السير أيضاً، ويساهمون بنصيب كبير، في الاختناقات المرورية، وفي تفاقم مشكلاتها، ويمثلون كذلك مشكلة اجتماعية، بتحرّشهم بالمارات، اللاتي لا يجدن سبيلاً للسير، بعد أن اعترضت المقاهي والكافيهات طريقهن، ولم يعد أمامهن سوي السير في عرض الطريق، والمشكلة تتفاقم، عندما تكون موائد الكافيه ممتدة إلي ما أمام منازلهن أيضاً !!.. الأخطر في هذا الأمر، أن هذه الظاهرة تمثّل امتهاناً لهيبة الدولة، وتحدياً لها، وهو ما يتعارض بشدة مع بناء الدولة الحديثة ... محمد علي أدرك هذه الحقيقة، عندما تسلّم ولاية مصر، وأنه عليه، إذا ما أراد بناء دولة حديثة، أن يعيد هيبة الدولة أوّلاً، وإلا فكل ما يبنيه ستهدمه الفوضي ... وفي حالة الكافيهات والمقاهي والمطاعم، التي استولت علي المال العام، وعلي ملكية الشعب للأرصفة والشوارع، فالحل في ملعب مجلس النواب، الذي كل ما عليه، هو أن يصدر قانوناً رادعاً، يعاون الشرطة علي أداء عملها، ولما كان الهدف، من احتلال الأرصفة والشوارع، هو زيادة الأرباح، فعلي القانون أن يحوّل الأرباح إلي خسائر، من خلال فرض غرامات مالية كبيرة ومتصاعدة، تصل مع تكرار المخالفة إلي سحب الترخيص، وإغلاق المنشأة؛ وذلك لحماية المال العام وصيانة حق الشعب، وصون فتيات ونساء مصر من بؤر تحرّش تمتهن خصوصياتهن وأعراضهن ... والأهم هو تأكيد أهم ما يبني الدول الحديثة ... هيبة الدولة.