داليا أمين أصلان، من مواليد مدينة المنصورة، تخرجت في كلية العلوم جامعة المنصورة، ثم تزوجت وتركت عملها متفرغة لتربية أولادها. مؤخرا أصدرت أولي رواياتها "المختلط" عن دار الثقافة الجديدة، وتحدث عنها الروائي صنع الله إبراهيم في أحد لقاءاته مؤخراً، وقال إنها "كاتبة قادمة بقوة"، تخطو أولي خطواتها في دنيا الرواية عبر بوابة المنصورة التي تلعب دور البطولة في روايتها الأولي "المختلط" والتي سيصدر جزئها الثاني عما قريب. تتناول الرواية أحداثاً اجتماعية وقعت لأسرة كبيرة من عشرينات القرن الماضي وحتي فترة ليست بالبعيدة، وذلك في وجود جاليات أجنبية، أثرت بالضرورة علي حياتها بشكل أو بآخر. هنا تتحدث داليا بالتفصيل عنها وعن روايتها. متي بدأتِ الكتابة؟ في الثالثة أو الرابعة عشر كتبتُ رسائل لأشخاص حقيقيين ووَهميين، أشاركهم أحداثا مزعجة أو مبهجة ولا أرسلها لهم، كان الأمر ينتهي بإغلاق الدفتر ونسيان الحَدَث حتي موعد حَدَث مشابه. في الثامنة أو التاسعة والعشرين اتخذ الأمر معي لغة مُحددة، خاصة بي، تطوّرَت بالاختلاط مع كُتّاب جيدين علي الإنترنت، لم ينشروا ورقيا حتي الآن، لكنهم في نظري مُهِمّون. يكتبون بإتقان وإبداع، نقرأ لبعضنا، نتناقش، نتبادل النصائح، نكتب للكتابة، لصحبة الخيال وتذوق النفوس. ومتي اتخذتِ قرار النشر؟ منذ ثلاثة أعوام جذبتني صفحة علي الفيس بوك، صاحبها يمكنه العصف بذهنك، فضلاً عن كونه شخصا ناجحا، أو كاتبا له صوته. تراسلنا بسبب قضية سياسية ألمّت بمصر حينها. لي رأيي، له رأيه، مع الوقت سألني من أنا، وماذا أفعل علي صفحته، وكيف وصلتُ له. ثم بحوار حيادي هاديء ظهر بيننا السؤال الكبير: لماذا لا تنشرين؟. انتهي الأمر وأنا أكرر السؤال لنفسي: هل أريد دخول الوَسَط؟ إن كانت الإجابة نعم.. فإلي متي التأجيل؟ وإن لا.. فما جدوي الكتابة باحترافية لنفسي للأبد؟ الواضح أن الإجابة تطلبت وقتا..ألا ترين أنك تأخرتِ في فكرة النشر خاصة وأن الرواية تشير إلي كاتبة متمرسة وليست هاوية مبتدئة؟ الحقيقة أنني لم أهتم يوما بالوقت. حتي سألتني هذا السؤال، لم أشعر لحظة بأنه كان علي النشر في عمر أصغر. حينما تنضج الثمار تشي رائحتها بجاهزيتها للتناول، بغض النظر عن، في أي فصل نضجت. كم استغرقت الرواية لكتابتها؟ فكرة الرواية بدأت في 2008. كتبتُ فصولا مبتسرة لم أعوّل عليها حينما عدُت لها في 2011. حيث وبسبب الثورة، شعرتُ بأن ما كتبته كان سطحيا أخرق مقارنة بعمق مصر. فتخليتُ عن الفكرة. في 2013 جثمت المنصورة بثقلها الشاعري والتاريخي علي صدري كلما مررتُ بأحيائنا القديمة، وكأنها تلومني. فجأة قفزت الشخصيات للشوارع من حولي وصارت تحدثني عن آلامها، وانتصاراتها، مُجَسِّمَة حيوات أكثر ثراءً من شكلها المكتوب سابقا. في السابعة، صباح أحد أيام أكتوبر 2014، قصدتُ كشك الصحف أسأل عن كتب جديدة، مررتُ بالمختلط، الحي، في طريق عودتي، وبسيدي يونس، والحسينية، وشريط القطار. عند الثانية عشر ظُهرا وقبل أن أفكر في بداية جديدة لليوم، أو الرواية، كنتُ قد أنهيت فصل "أحمد جلالة"، الأول من الجزء الأول. أما الأخير من الجزء الأخير فمازال تحت المراجعة حتي يومنا هذا. وما أكثر ما أرهقك أثناء كتابتها؟ كل شيء أرهقني فيها، خاصة المرحلة التي سبقت الكتابة، حيث الأبطال يتجولون في مطبخي وغرفة نومي وشرفتي وفوق كُتُب أطفالي، لقد كانوا يعيشون معي بشكل حقيقي، لم يكن ينقص سوي وجودهم الجسدي. ألم تخش من نفور القاريء من رواية تدور أحداثها في محافظة لم تطأها قدماه من قبل؟ علي العكس، رأيتها من زاوية الدليل المتمرس، صاحب البلد، الذي سيقود فَوْجًا من الغرباء المندهشين بين طرقات خفية، تعرفه ويعرفها، بجنّاتها المُسَوّرة وحكاياتها القديمة. مكسبا، ومتعة. الرواية تموج بالشخصيات الكثيرة.. كيف استطعتِ إحكام مسار الشخصيات بهذه الكفاءة؟ هُم مَن حبكوا أنفسهم في مخيلتي، منذ أن أُنزِلوا عليها، بهذه الحبكة. كانت مهمتي فقط ترتيبهم، ومحايلة بعضهم ليبقوا هادئين حتي يحين دورهم في السرد. كل منهم اختار ضوءه ومكانه بنفسه، وأنا من تكبدت عناء اللغة. وهل فكرتِ في أن القاريء قد يتوه منك؟ القاريء، أي قاريء، يقرأ حُرًا مُرتاحًا، والكاتب يكتب تحت ضغط. وبالتالي فالقاريء أكثر حساسية ووعيا بما يقرأ ممن كتبه. بل إن إيماني الراسخ بتعقيد منظومة الاستنتاج لدي القاريء هو ما دفعني لمراقبة أهمية كل شخصية، والتأكد من أن كل فقرة (رغم التسلية) لها هدف، وأن الكلمة الحوارية مؤثرة بليغة. هل فكرت في دراسة الأدب؟ نيل شهادة في الآداب أمر مُغْرٍ بالنسبة لي، لكنني يوما لم أفكر في هذه التفصيلة. اعتمدتُ علي أنه لو أمكنني فهم واستيعاب عشرة كتب جيدة سنويا، في الآداب والفنون وعلم النفس والتاريخ، مع مراجعة الصحف اليومية، محلية وعالمية، فربما عوضني ذلك عن نيل شهادة أدبية. لماذا فضلتِ كتابة "ود" علي غلاف الرواية رغم أن شخصية فهمي تبدو أقوي وأكثر تأثيراً؟ لأن "وِدّ" أقرب الشخصيات لنفسي. وهي كما قال صديقي دكتور رمسيس صادق: في كل بيت مصري امرأة مثل "وِدّ"، هي الخيط الذي يربط كل الشخصيات ببعض. وهي الدفة التي تضبط نسق السير مهما تخبّط الشباب يسارًا، أو الكبار يمينا. أن يتحمس كاتب بحجم صنع الله إبراهيم لروايتك الأولي.. ماذا يعني لك ذلك؟ يعني أن "زعق لي نبي". الرجل أكبر من كلمة "حجم". فخم في ذاته، متواضع في قوله. وهو أب بالنسبة لي. منهج، ورمز. أتمني أنك جالسته يوما لتفهمني. ولو أن لصديقتي درية الكرداني في حياتي لمسة سحرية، قبل وبعد كونها "إنسانة نادرة"، فهو أنها كانت سببا في لقائي بأستاذ صنع الله إبراهيم. تصلح الرواية أن تتحول إلي عمل تليفزيوني.. هل فكرت في ذلك؟ نعم، تلقيتُ عروضًا مُلهِمة، جادّة، بشأن تحويلها لعمل درامي. وهل تقبلين حال عرض عليك الأمر؟ أمر مشوّق أن تري شخصياتك الورقية التي عبثت بمخيلتك لعامين أو ثلاثة تخرج للنور، تضرب بأقدامها الأرض، تتنفس، تضحك، تبكي. نعم، أمر مثير. في تقديرك.. لماذا كل هذا الانتشار للرواية في مقابل القصة القصيرة؟ لكل نوع عاشقوه، والأمر نفسه ينطبق علي الشرائح العمرية التي تقرأ العمل. في صغري كنتُ أفضل شراء المجموعات القصصية، ومتابعة المسلسلات ذات الحلقات المنفصلة، عن قراءة رواية، أو مشاهدة فيلم طويل، أو مسلسل متصل المادة. لكن الآن أري الرواية جَوْا، عيشة، نُزهة، تنفيس. في المقابل القصة القصيرة دائما متوترة، مكثفة، وجبة كبيرة مكتنزة في طبق صغير. طبيعة الحياة لم تعد تحتمل هذا التوتر ربما. ذاك إن فرضنا أن الرواية تلقي إنتشارًا أكثر من المجموعات القصصية. ما الجديد لديك؟ الجزء الثاني من "المختلط" تحت الطباعة. ومن ثم أتفرغ لعمل جديد.