لم يعد شارع محمد علي كما كان قبل عقود، هجرته صاحبات مهنة »علي واحدة ونص» ولم يعد ملتقي أهل الطرب والمغني من مؤلفين وموسيقيين وملحنين ومطربين،والأهم أن صناع آلات النغم قد هجروه وربما تركوا مهنتهم في صناعة العود والطبلة والرق إلي مهن أخري بعد أن ضاع التخصص من ذلك الشارع،وانتقلت شهرته إلي تركيا التي أصبحت الأولي في صناعة أدوات الموسيقي الشرقية التي كانت مصر في وقت ما سيدة هذه المهن،ولكن يبقي للشارع بقايا من رائحة الزمن الجميل الذي ساهم في وجودها رصيد لا يمكن أن يجاري أحد فيه مصرمن الطرب الأصيل الذي خرج ليبقي ويصنع تراثا عريقا أصيلا من الطرب والموسيقي،وساهمت هذه الصناعة في خروج كواكب ونجوم وأقمار في سماء التراث الانساني العالمي وصنع أسماء عملاقة مثل موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب وفريد الاطرش صديق العود وكوكب الشرق»ام كلثوم» وكثير غيرهم،وكان لفناني صناعة الأدوات الموسيقية في هذا الشارع دور كبير في صناعة ذلك التراث.. لم يعد شارع محمد علي ذلك البريق الذي اشتهر به في الماضي حيث كان يعرف باسم »شارع الفن»،فقد أندثرت فيه صناعة الالات الموسيقية لتنحصر حاليا في ثلاث ورش فقط لصناعة العود الشرقي،وتتنوع أنواعه،فهناك العود التعليمي للمتدربين ذي السبعة اوتار وهو الاكثر تداولا بين الناشئين والعود الديكوري للاطفال وهناك عود العزف الكبير وخاصة عود موريس ذو التسعة اوتار الذي يصل ثمنه إلي 30 الفا جنيه،كما يوجد العود السبعاوي الذي يتكون من 14 وتراً ويستخدم في الاستديوهات لقوة صوته وعذوبة نغماته،أما ورش الصناعة التي تحدت الزمن فهي ثلاثة فقط لها تاريخ طويل وتحمل أسماء عريقة شهيرة في دنيا الطرب،الأولي تحمل اسم »جميل جورجي» الذي إشتهر بصناعة أفخم الأعواد وأدقها صنعًا للعديد من الاسماء الذي لمعت في سماء النجوم كالفنان فريد الأطرش الذي غني أغنيته الشهيرة »الربيع» عام 1949 علي أوتار عود صنعه له خصيصا جميل جورجي بحرفية ودقة خلال 6 أشهر وكان من أشهر المتعاملين معه »ملك العود »محمد القصبجي والفنان طلال مداح،والورشة الثانية تحمل اسم »فتحي امين» وهو واحد من أشهر صناع العود الشرقي في العالم واول من صنع العود بقصعه صغيرة ورقبه طويلة تشبه رقبه الجيتار كما صنع »ربابه» بأربعه أوتار مثل أله الكمان.. اما الورشة الثالثة فتحمل اسم » أحمد عبد الحليم »،وهو واحد من اشهر صانعي العود بشارع محمد علي منذ عام 1930،وصنع أفخم الأعواد لعدد كبير من الفنانين والعازفين كنصير شمة أشهر عازفي العود الشرقي وناظم الغزالي.. وداخل ورشة جميل جورجي التي تحمل حاليا اسم ورشة المصري بأحد الازقة الضيقة بشارع محمد علي، يقول لنا إسلام المصري إن عائلته تعمل في هذه المهنة منذ 50 عاما،ويشير إلي أن مراحل صناعة العود من الداخل اهم من الشكل الخارجي،وخاصة القصعة وهي الجزء الخلفي للعود ويفضل إستخدام انواع جيدة من الاخشاب كخشب الزان والساج والابانوس والفنجي والمجنة والبليساندر والورد والصرصور ويتم استيراد اغلبها من الهند ويتميز كل نوع منها بصوت ونغمة تميزه عن الاخر ثم يتم صناعة الوجه ويليه الرقبه الذي تثبت عليها الأوتار، ويوضح أن جودة الصوت ليس فقط من نوعيه الخشب المستخدمة في صناعته والدليل علي ذلك ان هناك من يصنعه من خشب الساج وهو ارقي أنواع الأخشاب ولكن صوته ليس جيدا،ويؤكد أن مهارة الصانع هي أساس تميز العود،وخاصة أن يكون صاحب مزاج وفن وهندسة وله أذن موسيقية. ولفت إلي أن ثمن العود يختلف حسب نوع خشبه، بداية من عود الناشئين الذي يتراوح سعره ما بين 200 جنيه حتي 1000 جنيه ويصل ثمنه إلي 20 الف جنيه لعود ماركة »موريس» والذي يعتبر أغلي الاسعار في السوق المصري، أما العود المرصع بالصدف فيصل ثمنه إلي الف جنيه والعود المرصع بالصدف الازرق وصل ثمنه إلي 3 الاف جنيه،ويشير المصري إلي أن السعودية هي الأكثر طلباً للعود الشرقي بمتوسط 500 عود شهرياً وخاصة الاعواد المحترفة للعازفين، ويليها دول أمريكا واسرائيل واستراليا والمانيا بالنسبة لعود الناشئين ويشير إلي أن عدم توفير الامكانات لهذه الصناعة جعل تركيا الاولي في صناعة العود الشرقي والطبلة والرق ونجحت في خطف بريق شارع محمد علي.