»مدثر» هرب من السودان وأسرته رفضت مرافقته.. و»محمود» دفعته البطالة إلي عرض البحر محمد شعبان: رأيت جثث الأطفال تطفو من حولي والآباء عاجزون عن مساعدتهم داخل قسم مدينة رشيد يقبع 154 ناجيا من غرق مركب الهجرة غير الشرعية.. ملابسهم مهلهلة وجوههم شاحبة.. ينامون علي الارض بعد ان انهكت اجسادهم ساعات السباحة الطويلة بحثاً عن النجاة، جنسيات مختلفة مابين صومالية واريترية وسودانية وسورية وبالطبع مصرية، ارتسمت علي وجوههم علامات الندم بعد ان شاهدوا الموت باعينهم في عرض البحر.. ماذا حدث لهم.. وكيف تم انقاذهم.. ومن وراء هجرتهم غير الشرعية ؟.. »الأخبار» حاورت هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين داخل قسم رشيد لتعرف الاجابة. تخوف الناجون في البداية من الحديث معنا ولكن بعد محاولة طمأنتهم أكدوا انهم وقعوا فريسة لسماسرة الهجرة غير الشرعية نظير تحقيق أحلامهم في السفر الي الجانب الآخر من البحر المتوسط والوصول الي شواطئ إيطاليا، ووفقا لحديثهم فإن هؤلاء السماسرة اتفقوا معهم علي مبلغ مالي نظير سفرهم وكان هناك مركبان لنقل المهاجرين الأول خرج من مدينة رشيد محملاً بالمهاجرين المصريين والمركب الآخر خرج من مدينة الإسكندرية وعند نقطة التقي المركبان وقام السماسرة بنقل المصريين من مركبهم الي مركب الاجانب من ذوي الجنسيات المختلفة، الا ان هؤلاء الاجانب رفضوا استقلال المصريين مركبهم نظرا لضخامة الحمولة وهو ما قد يعرضهم للخطر ودخل المصريون والاجانب في مشاجرات عنيفة في عرض البحر ونجح المصريون في نهاية المشاجرات في استقلال سفينة الاجانب ليبلغ العدد اكثر من 250 شخصا، وفي تمام الساعة الخامسة من فجر اول امس مالت السفينة وبدأت المياه تغمرها وهو ما أدي الي غرق السفينة بالكامل وبقينا 7 ساعات في انتظار النجدة.. واعترف مدثر حسن (29عام) سوداني الجنسية يعمل فني ميكانيكي ل »الأخبار» ان أحد المحامين بأسوان هو من ساعدهم علي دخول الاراضي المصرية بطريقة غير شرعية وساعدهم في الحصول علي اوراق رسمية لممارسة الحياة الطبيعية في البلاد. الظروف الصعبة واضاف مدثر انه دخل مع عائلته في 2015 الأراضي المصرية هربا من الظروف الصعبة في بلاده ووجد في مصر مساعدة من جميع المواطنين ولمس فيهم روح الاخوة والمودة لجميع اشقائهم العرب خاصة الدول التي تعاني من عدم الاستقرار مثل السودان وليبيا واليمن وسوريا والعراق وغيرهم. واوضح انه وصل الي القاهرة منذ عدة شهور الا ان ظروف المعيشة الصعبة وتدهور الاحوال الاقتصادية جعلته يسعي للعمل والكد والتعب هو وعائلته حتي نصحة احد اصدقائة السودانيين بضرورة الهجرة من مصر الي دولة اوروبية وعندما اكدت له عدم استطاعتي الهجرة لعدم توافر المال قام بتوجيهي الي احد المقاولين بالإسكندرية.. وأشار الي ان هذا المقاول اتفق معه علي الهجرة الي إيطاليا ومعه اسرته مقابل 100 الف جنيه ولكنه لن يحصل عليها الا بعد الوصول الي إيطاليا والتاكد من حصولهم علي اعمال لجلب المال لسداد المبلغ المتفق عليه واتفقنا علي السفر يوم 18 سبتمبر ولكن تواجد عناصر الشرطة والقوات المسلحة علي السواحل عطلت السفر يومين متتالين . رحلة موت ويواصل مدثر حكايته فيقول: بدأنا الرحلة يوم 20 سبتمبر في تمام الساعة 4 عصرا وظل المركب لاكثر من 8 ساعات يسير بشكل غريب بالقرب من المواني المصرية ولم نعرف السبب حتي اقترب منا مركب آخر في الساعة 12 من منتصف الليل وقامو بنقل الركاب علي المركب الذي نستقله حتي زادت الحمولة وانقلب المركب وغرق كثير من الركاب. وانهي مدثر حديثة بقوله: فقدت اكثر من 20 شخصا من اصدقائي الذين استقلوا المركب للهجرة ولكني سعيد بامتناع زوجتي واولادي عن الهجرة معي الي إيطاليا مؤكدا ان الطريقة التي استخدموها في السفر والهجرة خطيرة وانهم جميعا يعرفون ان نهايتها الموت المؤكد ولكنهم يسعون الي ذلك في سبيل الحصول علي الاستقرار والبعد علي المشاكل والحروب والازمات التي يواجهونها في بلادهم. مشكلة البطالة اما محمود علي نصر 26 عاما ويعمل سائقا بمدينة شبين الكوم فأكد ضرورة حل مشكلة البطالة لمنع الشباب من الهجرة غير الشرعية مضيفا: »مش لاقيين شغل في بلدنا والظروف بقت صعبة ومش عارفين نعيش ولا نعمل حاجة ودا اللي دفعنا للهجرة غير الشرعية واحنا عارفين اننا ممكن نموت لكن مصدقناش الا لما شوفنا الموت بعنيينا وشوفنا ناس ماتت قدامنا وناس جثثها طفت علي وش المية لكن ربنا نجانا علشان لينا عمر جديد». بينما يؤكد محمد شعبان محمد طارق طالب ويبلغ من العمر 16 عاما ان فشله في الحصول علي وظيفه دفعة للمجازفة بحياته وتعريض نفسه للموت في عرض البحر ويضيف: علشان اقدر اعيش واوفر لاهلي حياة كريمة، خاصة اننا غير مرتاحين في المعيشة.