إنه الصواب بعينه، وإن تأخر كثيراً، أن يقر البرلمان تعديل قانون تجريم ختان الإناث لتغليظ العقوبة علي ممارسيه بالجناية بدلاً من الجنحة، وإن كنت أفضل أن يكون قرار المنع نابعاً من الأسر المصرية التي دأبت علي ممارسة هذا الموروث الخاطئ، خاصة بعد تدخل رجال الأزهر والكنيسة علي مدي الأعوام الماضية ومعهم الأطباء وكافة جهات الدولة الرسمية والمدنية لتوضيح الآثار السلبية لختان الإناث الذي لا مبرر له علي الإطلاق سواء من الناحية الصحية والنفسية أو الدينية التي مازال المتشددون يتشدقون بها ويصرون عليها إمعاناً في إزلال المرأة وحرمانها من حقوقها وانتهاك جسدها وحياتها المستقبلية في تكوين أسرة سوية مع زوجها وأبنائها. كان الحديث عن ختان الإناث حتي مطلع هذا القرن من المحرمات أو ما يعتبره الكثير نوعاً من الجرأة الشديدة في مجتمع تتمسك الأسر بالحياء في أحاديث من هذا الشأن، وحتي بدأ المجلس القومي للطفولة والأمومة في نهاية التسعينيات في فتح هذه القضية ومد المجتمع المصري بالمعلومات العلمية والدينية والتاريخية والحقوقية السليمة حتي تتمكن الأسرة المصرية من اتخاذ قرار بمنعه، وجابت رئيسته النشطة آنذاك د. مشيرة خطاب وفقها الله في مهمتها القادمة القري والنجوع بجرأة وشجاعة وواجهت الكثير من التحديات ولكنها نجحت في كسر حاجز الصمت لقضية من أهم قضايا الموروثات الشعبية انحيازا لأن تأخذ الطفلة أم وزوجة المستقبل حقها في حياة أسرية آمنة، بعدها بدأ مشروع تمكين الأسرة ومناهضة الختان بالمجلس من استكمال المسيرة بقيادة سيدتين نشيطتين أصرتا ألا تتركا مهمتهما إلا أن تكلل بالنجاح، ومازالتا، وهما د. فيفيان فؤاد ود.مني أمين ومعهما فريق عمل تفرغوا لهذه المهمة في جميع أنحاء المحافظات المصرية وخاصة الوجه القبلي الذي مازال يصر علي ممارسة هذه الجريمة في حق الفتيات، وشاهدت خلال زياراتي معهم في القري والنجوع نجاح المشروع، رغم التحديات والصعاب، في تخفيض نسبة الختان وتوعية الفتيات والأسر بأضراره ولكن ورغم ذلك مازلنا نسمع ونري من حين لآخر عن فتيات في عمر الزهور توفين علي يد أطباء أو دايات أو ممرضات خلال ممارسة الختان، وما خفي كان أعظم حيث تنتشر نسبة الوفيات وتتكتم عليها الأسر التي مازالت تري أن هذا سر من أسرارها تحتويه جدران المنازل، ومازالت تصر عليه رغم أضراره الصحية والنفسية تشدقاً بأنه من الدين الإسلامي، والدين منه براء، وإلا لماذا لم يختن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بناته رضي الله عنهن، ولماذا لا تُعرف هذه العادة القبيحة إلا في مصر وأفريقيا تُمارسها الأسر المصرية والمسيحية واليهودية علي السواء، بينما لا تُعرف في بقية الدول الإسلامية، إن تدخل الأزهر ودار الفتوي والكنيسة المصرية بتحريم ختان البنات وتدخل الأطباء والمثقفين والمجتمع المدني قد يكون قلل نسبة الختان، ولكن لأن الموروث الشعبي خاصة في دول ينتشر بها الجهل وتحيا علي العادات والموروثات الشعبية خاطئة كانت أم صائبة، كان لابد من وقفة قانونية جادة، فلا يكفي إقرار القانون لها بالجنحة، ولابد أن تتحول إلي جناية في حق بناتنا، ولهذا دأبت د.مايسة شوقي نائب وزير الصحة والسكان والمشرفة علي المجلسين، القومي للسكان والأمومة والطفولة، منذ أخذت موقعها خلال الخمسة الشهور الماضية العمل في صمت ووضع حل جذري لهذا الموروث القاتل واستطاعت أن تنتزع من البرلمان الحق في تحويله من جنحة إلي جناية ليس في حق من يجريه فقط من الأطباء أو الممرضات أو الدايات، ولكن أدخلت معهم الأم والأب، رب وربة الأسرة، الذين ينتهكون حقوق بناتهن الجسدية والنفسية، إن الدستور المصري يعزز من حقوق المرأة والطفل، أرجوكم، كفاية ختان بنات، وعلينا احترام قرار دار الإفتاء المصرية بتحريم الختان ورفضه من جميع الكنائس المصرية، ودعونا نُكرم جسد المرأة ولا نتعمد إهانته، فلا علاقة للختان بالشرف والفضيلة كما يدعَون.