أزمة لبن الأطفال تعطينا مثالا ل »الهرجلة» التي تحكم تصرفاتنا بلا سبب وبلا منطق!! بالطبع.. لم يكن مقبولا أن يكون الفساد حاضرا في قضية تتعلق بغذاء أطفالنا.. وأن يذهب جزء لا بأس به من دعم الدولة لهذه السلعة الحيوية لتجار الحلويات (!!) أو أن يتلاعب البعض في الاستيراد أو التوزيع لتحقيق الثروة الحرام.. كما يحدث دائما في اقتصاد مازال يخضع لحكم السماسرة والمحتكرين!! لكن.. هل من المعقول أن يتم تغيير نظام توزيع هذه السلعة الحيوية دون استعداد كاف، ودون أن يعرف المواطنون أي شيء عن النظام الجديد؟ وهل من المسئولية في شيء أن يذهب المواطنون إلي حيث اعتادوا صرف غذاء أطفالهم فيجدوا الأبواب مغلقة، والتعليمات الجديدة تقول إن هناك نظاما جديدا ومراكز جديدة للتوزيع؟ وهل من المسئولية أن يقال إن الوزارة التي ستطبق نظام »الكروت الذكية» دون أن تكون هناك »كروت ذكية»؟! وهل كان من العيب أن يتم بحث النظام المقترح مع الأطراف المشاركة والمدركة لظروف هذه العملية؟ ثم أن يتم تعريف المواطنين - عن طريق الإعلام الرسمي- بما يتم الاستقرار عليه، وأن يتم استيفاء كل الخطوات التي تكفل ألا تدوخ أم -ولو ليوم واحد- بحثا عن »رضعة لبن» لطفلها الصغير؟! وإذا كانت القوات المسلحة قد تدخلت -كما قال بيان المتحدث الرسمي- لمواجهة »جشع الاحتكار» في هذه السلعة المهمة الذي أوصل سعرها في الصيدليات إلي أكثر من الضعف.. فماذا عن المستقبل؟ وكيف ستواجه »جشع الاحتكار» الذي يمارسه البعض في سلع أساسية عديدة وهو ما يستوجب ايجاد نظام تتولي فيه الشركات العامة المتخصصة عمليات الاستيراد تحت رقابة صارمة، علي أن تكون أجهزة القوات المسلحة جاهزة علي الدوام لتذليل العقبات ومواجهة أي أزمات طارئة أو محاولات لضرب الاستقرار والتلاعب بالأسواق عن طريق الاحتكار بدعم الشركات العامة لأداء دورها علي خير وجه. ثم يبقي السؤال الأهم: في بلد يستقبل مولودا كل بضع ثوان، ويضرب الفقر فيه نسبة كبيرة من الأمهات، ويحتاج فيه معظم الأطفال إلي التغذية الصناعية التي رأينا كيف يتلاعب فيها كبار المحتكرين، ومع الظروف الاقتصادية التي نمر بها، فإن السؤال الذي يتوه وسط التفاصيل الصغيرة هو: كم مصنع لانتاج لبن الأطفال في مصر؟!.. أخشي أن تكون الاجابة »صفرا كبيرا» وهذه هي المأساة الحقيقية!!