هو التحول السياسي الأهم من جانب تركيا في الملف السوري.. تركيا التي لم تتوقف طوال السنوات الخمس الماضية عن المطالبة بالرحيل الفوري للرئيس بشار باعتباره »جزار شعبه»، تطالب الآن »بفتح صفحة جديدة» في سوريا، مع »إيران وامريكاوروسيا ودول الخليج»، طبقاً لما صرح به رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم. ليس هذا فحسب بل أن يلدريم أضاف أنه » لا يجب السماح بتقسيم سوريا علي أساس عرقي والحفاظ علي وحدة أراضيها بأي ثمن»، معرباً عن استعداد بلاده ل» بقاء الأسد لمرحلة انتقالية». أما علي الأرض فقد أرسلت أنقرة وحدات عسكرية مدججة بالمدفعية الدبابات وتدعمها طائرات F16، في الداخل السوري، وجنباً إلي جنب مع الجنود الأكراد يسير جنود سوريون ممن يُطلقون علي أنفسهم الجيش السوري الحر، المفترض أنهم منشقون عن الجيش العربي السوري علي مدار السنوات الخمس الماضية، ودخلوا معاً بلدة جرابلاس الحدودية التي كان يسيطر عليها تنظيم »داعش»، علماً بأن هذا التدخل ما كان ليحدث لولا لقاء إردوغان بنظيره الروسي بوتين في سان بطرسبرج مؤخرا، والذي قدم فيه إردوغان اعتذاره لسيد الكرملين عن إسقاط الطائرة »سو 24» خريف 2015، واعداً إياه بدفع ثمن الطائرة وتعويض أسرة الطيار الذي قضي في الحادث، ولأن الشيء بالشيء يُذكر فإن الطيار التركي الذي أسقط المقاتلة الروسية، لقي مصرعه مؤخراً وأفادت وسائل الإعلام المقربة من اردوغان أن مقتله حدث أثناء مشاركته في محاولة الانقلاب التي وقعت منتصف يوليو الماضي. الهدف الرئيسي للتدخل العسكري التركي في سوريا هو منع الأكراد من اقامة نقطة اتصال بين الأراضي التي يسيطرون عليها في إقليم عفرين وما حوله من قري وبلدات كردية، من جهة ومدن كوباني وتل أبيض والقامشلي والحسكة وجميعها مدن ذات أغلبية كردية من جهة اخري، وهذه المدن الاخيرة تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي PYD مدعومة بميليشيا حزب العمال الكردستاني PKK. وقبل التدخل العسكري التركي الذي لم يلق أي إدانة من دمشق، كان وفد من المخابرات التركية بقيادة حاقان فيداني قد التقي الرئيس بشار الأسد، الذي غازل الأتراك بدوره حينما قامت طائراته برفقة طائرات روسية بقذف مواقع الأكراد في مدينة الحسكة. الورطة الكبري في هذا المشهد المتشابك، أصبحت علي ما يبدو من نصيب روسيا، حيث أنها نسجت علاقات قوية مع وحدات حماية الشعب الكردي PYD منذ شتاء 2015 وسلمتهم أسلحة متطورة، رداً علي قيام تركيا بإسقاط المقاتلة سو24، ويبدو أن التقارب بين القيصر والسلطان العثماني سيكون ثمنه التضحية بالأكراد. أما امريكا، ورغم تصنيفها لحزب العمال الكردستاني علي أنه منظمة إرهابية، إلا أنها كانت تدفع بشدة نحو إنشاء كيان كردي مستقل، حيث تتواجد قوات أمريكية خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وتعمل واشنطن منذ عدة أشهر علي سحب معداتها من قاعدة أنجرليك التركية إلي قاعدة عسكرية أخري في مدينة كوباني، حيث يتماشي ذلك مع الأجندة الأمريكية الخاصة بتقسيم المنطقة من ناحية، ومن ناحية أخري يوفر لواشنطن موطئ قدم في بلد استعصي عليها طوال العهود السابقة. الخلاصة أن تركيا لن تسمح، مهما كان الثمن، بإنشاء كيان كردي مستقل في شمال سوريا كي لا يكون ذلك تهديداً مستقبلياً لحدودها، وهو ما نقرأه في تصريح بن علي يلدريم »شئنا أم أبينا.. بشار الأسد لاعب مهم في تلك الحرب».