و"أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" .. لا أحد يمكنه أن ينسي ذلك المشهد الرائع الذي أداه الفنان حسن البارودي في فيلم الزوجة الثانية، والذي قام فيه بدور الشيخ الذي يلبس الحق بالباطل في سبيل إرضاء العمدة الظالم ..حتي أنه في سبيل ذلك يستخدم كلام الله في غير موضعه بما في ذلك من إسقاطات اجتماعية وسياسية. ويظل صوت حسن البارودي هو أكثر ما يميزه حتي أنك لتكاد تسمعه يتردد في أذنك وأنت تسترجع مجموعة من أهم المشاهد التي قدمها علي شاشة السينما ومنها دور عم مدبولي في "الباب الحديد" وهو ينادي "يا قناوي يا بني". وربما كان صوت البارودي هو الذي قاده ليلتقي بالزعيم سعد باشا زغلول في طفولته، حيث اختارته مدرسته ليلقي كلمة أمام سعد باشا زغلول وعندما انتهي ناداه سعد باشا وحياه وسأله عن اسمه، وعما يريد أن يعمل في المستقبل، ثم أخبره أنه لو عمل بالمحاماة سوف يكسب معظم القضايا لصوته المعبر الذي سيصل لقلوب القضاة . كانت هذه الحكاية هي واحدة من الحكايات التي رواها د.أشرف حسن البارودي في الكلمة التي ألقاها عن والده في إطار الفاعلية التي نظمها مؤخرا بيت السناري لتكريم عدد من رواد الفن السابع، والتي تضمنت إقامة المعرض الأول لرواد الفن السابع، وذلك ضمن مشروع "ذاكرة مصر المعاصرة" الذي تتبناه إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية. وقد جاء ذلك المعرض تكريمًا لعدد من عمالقة الفن المصري وهم حسن البارودي، وشفيق نور الدين، وعبد البديع العربي، وإبراهيم الشامي، وصلاح نظمي والمخرج فؤاد الجزايرلي. وقد تضمن المعرض عرض مجموعة من الصورة الفوتوغرافية لأولئك الفنانين سواء أثناء تأدية أدوارهم الفنية أو في حياتهم الشخصية، وكذلك عدد من أفيشات الأفلام والوثائق الشخصية لهم ومنها علي سبيل المثال البطاقة الشخصية وجوازات السفر والعقود مثل عقود الزواج والطلاق. وكذلك الخطابات والجوائز والتكريمات والدروع التي حصل عليها الفنان، والمقالات والقصاصات الصحفية التي نشرت عنهم حسبما توفر. ومن ضمن الوثائق التي تم عرضها بالمعرض سيناريو الشاطر حسن وبنت بحري التي قدمتها الفرقة الاستعراضية الغنائية من إخراج فؤاد الجزايرلي وفكرة السيد بدير، والميزانية التقديرية لإنتاج أوبريت "حبيبتي شامينا" لموسم 1973، وصورة قيد وفاة كامل البيانات وشهادة إشهار إسلام لفؤاد جزايرلي وشهادة تقدير لفؤاد الجزايرلي من جمعية الفيلم التي تأسست 1960، وكثير من الصور الفوتوغرافية لحسن البارودي ومنها صورة تجمع بينه وبين نجمة إبراهيم وتوفيق الدقن وأحمد الجزيري وملك الجمل وحسن يوسف وأحمد حمروش ومرسي الحطاب ، وكذلك جوازات السفر لكل من شفيق نور الدين وصلاح نظمي وإبراهيم الشامي، وكثير من الميداليات التي حصل عليها إبراهيم الشامي. وربما كان واحد من الوثائق اللطيفة ذلك الخطاب الذي كتبه صلاح جاهين ومني قطان لفؤاد الجزايرلي عام 1973 والذي جاء فيه : عزيزنا الأستاذ فؤاد : سمعنا إنك عيان فحضرنا للسؤال عن الصحة ولكن لسوء حظنا وحسن حظنا وجدناك قد خرجت مما يدل علي أن صحتك تمام .. نرجو لك دوام الصحة ، حتي نلتقي لإنجاز الأمور المعلقة فهل يا تري ستتمكن من زيارتنا قريبا؟ وختاما نحن في انتظارك ضروري وإلي اللقاء ؟ موثقا باليوم والتاريخ والساعة 12/10/1973 الساعة 3 ونص. وعن فكرة المعرض تقول شرين الصاوي مسئولة التوثيق ببيت السناري :يقوم مشروعنا علي محاولة توثيق الفن عن طريق الأشخاص، حيث نحاول الوصول لعائلات الفنانين ونتواصل معهم لنحصل علي كل ما له علاقة بالفنان من أوراق وصور ووثائق، قبل أن نقوم بمسحها مسحا ضوئيا عالي الجودة ونعيد لهم الأصول مرة أخري، كما أننا بصدد عمل موقع علي الانترنت لتوثيق كل هذه الأوراق. ويأتي هذا المجهود في إطار مشروع "ذاكرة مصر المعاصرة" كما يذكر أيمن منصور مدير بيت السناري، ومشروع "ذاكرة مصر المعاصرة" هو جهد مشترك بين المعهد الدولي للدراسات المعلوماتية وإدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية. وهو عبارة عن مستودع رقمي لتوثيق آخر مائتي عام من تاريخ مصر الحديث من خلال عشرات الآلاف من المواد المختلفة، منها: الوثائق والصور والتسجيلات الصوتية والمرئية والخرائط والمقالات والعملات والأختام وغيرها. ويحتوي الفهرس علي 14 مدخلاً نوعيًّا للمواد المختلفة. ويسمح شكل الموقع وبنيته التحتية بتصفح المحتوي في مجموعات وعدد المواد المتاحة الخاصة بموضوع البحث. وتصنف كل مادة في الأرشيف علي أساس موضوع أو أكثر من الموضوعات الفرعية، بالإضافة إلي نوع المادة؛ مما ينتج عنه شبكة متعددة الأبعاد والروابط من المواد والموضوعات تسمح للمستخدم باستكشاف العلاقات بين المواد المختلفة من المستودع الرقمي. وقد حاز موقع "ذاكرة مصر المعاصرة" علي جائزة الكِنْدي في علوم الحاسب كأفضل موقع انترنت ثقافي عربي من سوريا عام 2009. ويذكر أيمن منصور أن فكرة مشروع "ذاكرة مصر المعاصرة " بدأت في 2004، عندما شعرنا في مكتبة الإسكندرية أن هناك دورا مفقودا في كل مؤسسات الدولة الرسمية وهو الحفاظ علي ذاكرة مصر، فبدأنا الموضوع بحوالي50 وثيقة ومع الوقت زادت الوثائق لتتجاوز حاليا 6 ملايين وثيقة، وانبثق من المشروع عدة مشروعات فرعية منها ما هو لتوثيق تاريخ القوات المسلحة المصرية ، وآخر لتوثيق حركة اليسار المصري، وآخر لتوثيق حركة السينما وغيرها. ويضيف أيمن: فوجئنا منذ حوالي ثلاث سنوات أن وثائق أحد الاستوديوهات المصرية الوطنية الكبيرة بما في ذلك الملفات والبوسترات والأفيشات والدفاتر تباع بالكامل في الشارع، وعلي الفور تحركت مكتبة الإسكندرية لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحصلنا علي عدد كبير منها، بعد ذلك وجهنا دعوة لكل من لديه جزء ولو يسير من الوثائق المهمة كي يمدنا بها ، وتواصلنا مع بعض أسر الشخصيات اللامعة في مختلف المجالات، ووجدنا أن بعض الأسر مع الأسف تخلصت من كل الأوراق ولم يعد لديها شيء علي الإطلاق،إلا أن بعض الأسر الأخري كانت محتفظة بكل الأشياء حتي أصغرها، ووجدنا منهم تعاون غير مسبوق. وخلال الاحتفالية تم دعوة أبناء الفنانين، حيث شارك بالاحتفالية كل من أشرف حسن البارودي وحسين صلاح نظمي وألفت عبد البديع العربي وماضي توفيق الدقن، وكذلك شاركت الفنانة سميرة عبد العزيز، وقد تحدث كل منهم عن والده وعلاقته به، وقد استهل د.أشرف حسن بالبارودي الحديث قائلا إن فناني الزمن الجميل أثروا الحياة الفنية ووضعوا أسسا ومناهج فنية لا يزال الفنانون في مصر والعالم العربي يسيرون عليها. وأضاف البارودي: عندما ألتقي بابن فنان أشعر أنني أمام هذا الفنان تماما، فأرجع بالذاكرة عندما كانوا يجتمعون وكنت أحضر هذه اللقاءات مع والدي..ويحضرني بالذاكرة المرة الأولي التي التقيت فيها بالسيدة فاطمة ابنة العظيم حسين رياض أخبرتني أنها "رغم كونها المرة الأولي التي نلتقي فيها ولكنني أشعر أنني أعرفك من سنوات" فقلت لها إن العلاقة بين حسن البارودي وحسين رياض كانت قوية جدا ويبدو أن جينات الترابط قد امتدت للأبناء وعلينا أن نكمل المشوار. وخلال كلمته أشار د.أشرف إلي أن واحدة من إشكاليات التوثيق كثيرا ما تتعلق بتواريخ ميلاد ووفاة الفنانين حيث دائما ما يكون عليها خلاف عند القائمين بجمع البيانات عن الفنانين الذين يعتمدون علي المواقع الإلكترونية ، وقد ولد حسن البارودي عام 1898 وتوفي في 17 سبتمبر 1974 أي أنه في سبتمبر القادم سيكمل 42 عاما. وقد تلقي حسن البارودي تعليمه في المدرسة الأمريكية وكان رئيسا لفريق التمثيل، وعقب تخرجه عمل لفترة مترجما بشركة توماس كوك، وربما ساعده إتقانه للغة الإنجليزية أيضا في المشاركة في عدد من الأفلام الأجنبية منها فيلم "ثورة الخرطوم" سنة 1966 مع شارلتون هيستون، وكذلك ثلاث قصص مصرية. وعن حسن البارودي يقول د.أشرف: بدأ حياته الفنية عندما التحق بفرقة حافظ نجيب المتجولة، بعد ذلك تقدم للعمل بفرقة رمسيس كي يعمل بها لكن يوسف وهبي رفض علي أساس إن الفرقة مكتملة وعرض عليه أن يعمل ملقنا وقبل البارودي علي أساس إذ ربما تأتيه الفرصة ويصعد علي خشبة المسرح وقد حدث بالفعل أثناء عرض مسرحية غادة الكاميليا غياب استيفان روستي وكان يقوم بدور أرمان دوفال، فما كان من يوسف وهبي إلا أن سأل حسن البارودي: حافظ يا حسن؟؟ وبالفعل أدي البارودي الدور وأخبره وهبي أنه هو من سيكمل الدور. وكان يوسف وهبي في الصيف يسافر إلي أوروبا ويقضي وقتا طويلا في الصيف ويحل الفرقة، ففكر حسن البارودي أن يكون فرقة ويذهب بها إلي الأقاليم، وكان معه محمود المليجي ونجمة إبراهيم التي بدأت كمغنية وليست كممثلة، وطاف بالفرقة حتي وصل للسودان ومكث هناك فترة طويلة حتي عاد علي مصر ثم التحق بالمسرح القومي. وقد مثل حسن البارودي مثل 150 مسرحية حديثة وقديمة ولكن مع الأسف معظمها لم تسجل في التلفزيون. وإذا كان هناك كثير من أبناء الفنانين حاليا ينضمون إلي الوسط الفني، فهذا لم يكن الحال دائما مع أبناء الزمن الجميل حيث يقول حسين صلاح نظمي: أبي كان شديد الصرامة في المنزل، هو السيد عبد الجواد داخله، ورغم أني درست بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم نقد وعملت مخرجا بالتلفزيون إلي أن تقاعدت عند سن المعاش ككبير مخرجين بدرجة مدير عام، إلا أن دخولي المعهد كان ضد رغبة والدي الذي رفض تماما دخولي المعهد وظل مقاطعني لمدة سنة لولا تدخل أخيه الأكبر في الأمر. ويبدو أن تلك الشخصية الصارمة قد اتضحت في العديد من الأفلام التي اشتهر بها صلاح نظمي حيث اعتاد أداء أدوار الشر أو الفتي ثقيل الظل، وربما واحدة من الحكايات المشهورة عنه التي ترددت في أكثر من موقع والتي ذكرها الناقد محمود عبد الشكور في كتابه "وجوه لا تنسي .. بورتريهات عن مشخصاتية مصر" والصادر عن دار الشروق هي حكاية القضية التي رفعها صلاح نظمي علي المطرب الراحل عبد الحليم حافظ قائلا "استضافوا العندليب ذات مرة في برنامج إذاعي، وسألوه عن أثقل الممثلين ظلا فقال بلا تردد "صلاح نظمي". وقد قال عبد الحليم لأصدقائه أنه وصف نظمي بهذا الوصف لأنه كره دوره في فيلم "بين الأطلال" الرجل الذي سيخطف فاتن من حبيبها ويتزوجها. تذكر عبد الحليم أن رجلا مثل نظمي سرق حبيبته الأولي، تزوجها وسافر معها.. تم تسوية القضية، ويبدو أن صلاح نظمي تفهم الحكاية، بل إن عبد الحليم أصر علي أن يشترك معه نظمي في فيلم "أبي فوق الشجرة" في دور قصير لكنه مميز. وقد قدم صلاح نظمي أكثر من مائتي فيلم، إلا أنه ومع ذلك لم يكن التمثيل مهنته الوحيدة، حيث تخرج من كلية الفنون التطبيقية وعمل مهندساً بهيئة التليفونات وظل بها إلي أن وصل إلي درجة مدير عام، وقد قدم ما يزيد عن ال 300 عمل فني، كان دوره في معظمها يدور حول الرجل الشرير، أو ثقيل الدم الذي يحاول دائما التفرقة بين البطل وحبيبته. وعن الاحتفالية يقول حسين صلاح نظمي: كنا نحاول قبل ذلك من خلال الجهود الفردية وجمعية أبناء فناني الزمن الجميل أن نحيي ذكري آبائنا، وأقمنا بالفعل العديد من الاحتفاليات، لكن الجميل أن تلتفت الدولة لتراث أبنائها وتسعي للحفاظ عليه وتوثيقه. أما نجل الفنان توفيق الدقن فقد ابتعد تماما عن مجال التمثيل واتجه لدراسة المحاماة حيث يعمل محاميا بالنقض، ولكن ربما كان ذلك مهما للحفاظ علي حقوق والده الفنية حتي بعد وفاته وهو ما دفعه لتأسيس رابطة أبناء فناني مصر والمعنية بحق الأداء العلني، والتي تهدف لمتابعة قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة، لأن هذا الحق لم يكن متاحًا إلا للمنتج فقط، أما الفنان فلم يكن له أي حقوق. ولذا تهدف هذه الرابطة للحفاظ علي حقوق الفنانين ومتابعة المستغلين. ويضيف ماضي: لقد تعلمت من والدي أن أكون متذوقا جيدا للفن الذي وهبه عمره. ربما كان هذا المعرض فرصة طيبة للتعرف علي كثير من الفنانين الذين أثروا الحياة الفنية والتي ربما لا يعرف الكثير من جيلنا الحالي عنها شيئا، وربما كان بعضنا أيضا يعرف الكثير من تلك الوجوه دون معرفة أسماء الفنانين العباقرة الذين أدوا هذه الأدوار، فمن يمكن أن ينسي إبراهيم الشامي في دور الشيخ مساعد الطوبجي الأب الذي يغسل عار ولده الخائن بيده في فيلم "إعدام ميت"، أو دور مأمور القسم الذي يدون المحضر في فيلم "الزوجة الثانية" وهو يلتهم ما لذ وطاب له من الطعام، أو حتي في دور الرجل الطيب سالم في مسلسل "علي الزيبق"، أو الأب الذي يسعي للثأر من قاتل ولده في مسلسل "غوايش". كذلك من يستطيع أن ينسي شفيق نور الدين الموظف الحنبلي الذي يرفض أن يشعر بالغضب لمصافحة مديرته في فيلم "مراتي مدير عام" لأنها تنقض وضوءه، أو الأب المصدوم في ولده محفوظ عبد الدايم في فيلم "القاهرة 30"، إضافة إلي دور علي الطواف العبقري في مسلسل"عائلة الدوغري" التي ربما لم يشاهدها كثير من أبناء هذا الجيل، أما الفنان عبد البديع العربي فقد اشتهر بدور الحاج عبد التواب في فيلم "العار" حيث قام بدور الأب تاجر المخدرات الذي كان يخفي نشاطه وراء تجارته في العطارة ويقود أبناءه إلي الهلاك في نهاية المطاف، وكذلك دور الأب الرافض لقسوة ابنه (معلا قانون) في مسلسل "غوايش"، ذلك إضافة إلي كونه ممثلا مسرحيا مخضرما شارك في العديد من المسرحيات مع يوسف وهبي كان من بينها "راسبوتين"، أما فؤاد الجزايرلي فهو مخرج وكاتب وممثل مصري، والده الفنان "فوزي الجزايرلي" من أبرز أعماله التي أخرجها فيلم "حسن ومرقص وكوهين"، "الشاطر حسن"، و"غرام بدوية".