خطوة استرتيجية اكثر من كونها مفاجاة تمثل محاولة جديدة من روسيا لزيادة نفوذها في الشرق الاوسط المضطرب وتحمل رسالة سياسية من الكرملين للبيت الابيض وتمثل في الوقت نفسه فصلا جديدا من الحرب في سوريا يعيد تشكيل الصراع. هذا الفصل الجديد تكشفت ملامحه الثلاثاء الماضي بالإعلان عن فتح إيران قاعدة همدان الجوية أمام المقاتلات الروسية كمنصة لانطلاق قاذفات استراتيجية لقصف أهداف داخل سوريا وهي خطوة اكدها مسؤولون روس وايرانيون ويؤكد بشكل كبير العلاقات العسكرية المتنامية بين موسكووطهران ويسلط الضوء ايضا علي طموحات روسيا في المزيد من النفوذ بالمنطقة فقد اكدت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها ان القاذفات توبوليف 22 بعيدة المدي خرجت من قاعدة بالقرب من همدان غرب إيران وشنت غارات علي حلب ودير الزور وإدلب وان المقاتلات الروسية المتمركزة في سوريا رافقت القاذفات في تلك الهجمات. معروف ان كلا من روسياوايران حليفان قويان للرئيس بشار الأسد ويشتركان في معارك ضد المعارضة المسلحة التي تقاتل قواته، ولكن هذه هي المرة الأولي التي تستخدم فيها روسيا أراضي دولة أخري غير سوريا في توجيه مثل هذه الضربات منذ أن بدأ الكرملين حملتة لدعم بشار سبتمبر الماضي. كما أنها المرة الأولي ايضا التي تسمح فيها إيران لقوة أجنبية باستخدام أراضيها في عمليات عسكرية منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، لكن الغارات ظهرت كاشارة لتحالف جديد من شأنه توسيع الوجود العسكري الروسي في المنطقة. ويعزز صورة روسيا باعتبارها لاعبا محوريا في الشرق الأوسط يمكن القوات الجوية الروسية من خفض مدد الطيران وزيادة حمولات القاذفات. وقد برر علي لاريجاني رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني الخطوة الاخيرة بان البلدين يتمتعان بتعاون استراتيجي في مكافحة الإرهاب بسوريا ويتبادلان المرافق والتسهيلات لتحقيق هذا الهدف. وكل ما فعلته واشنطن هو انها وصفت الهجمات من خلال مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الامريكية بانها مؤسفة وان الطائرات الروسية استهدفت في الغالب قوي المعارضة المعتدلة التي تقاتل ضد الأسد بدلا من تنظيم داعش وإن امريكا تبحث فيما إذا كان ذلك التحرك ينتهك قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي يحظر توريد وبيع ونقل طائرات مقاتلة إلي إيران وهو ما رد عليه سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي بان قرار موسكو لا يمثل انتهاكا لقرار مجلس الأمن الدولي قائلا إن موسكو لا تمد إيران بالطائرات العسكرية لاستخداماتها الداخلية وهو شيء يحظره القرار. وبموجب شروط اتفاق بين امريكاوروسيا حول الطيران داخل سوريا أخطرت موسكو الجيش الامريكي مقدما أن القاذفات ستمر عبر المجال الجوي العراقي وعبر سوريا وفقا لما قاله الكولونيل كريستوفر كارفر المتحدث باسم القوات الامريكية في العراقوسوريا.. وقال ان الطائرات الروسية لم تؤثر علي عمليات التحالف الامريكي في البلدين. من ناحية اخري فعلي الرغم من أن العديد من دول المنطقة تعاملت مع تعزيز العلاقات مع روسيا بهدوء الا ان موسكو لم تحقق تقدما يذكر في تحقيق طموحاتها لمزيد من النفوذ في الشرق الأوسط. ولهذا لقد كانت سوريا منذ فترة طويلة استثناء من حيث الاعتماد علي الأسلحة الروسية تاريخيا واستضافة المنشأة البحرية الروسية في البحر المتوسط اما بالنسبة لايران فبالإضافة لتعاونها مع الروس لتقديم دعم مشترك للاسد فان تعاونها الاخير يحقق لها فائدة استراتيجية في العلاقات مع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتبادل الرغبة في مواجهة النفوذ الأمريكي مع زيادة التعاون في مجال الطاقة والتجارة.. كما سمح الاتفاق النووي الايرانيلروسيا بانجاز اتفاق تم التوصل اليه منذ عام تبيع بموجبه روسيالايران صواريخ دفاع جوي من طراز اس300. وفي العام الماضي وقعت روسياوايران اتفاقا للتعاون العسكري يتركز علي التدريب علي محاربة الإرهاب. ويوم الاحد الماضي وصل مبعوث الرئيس الروسي بوتين في الشرق الأوسط إلي طهران لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين. وقد طلبت خلاله روسيا أيضا استخدام المجال الجوي الايراني لاطلاق صواريخ كروز علي أهداف الجماعات المعارضة في سوريا. معروف ان ايران ارسلت الآلاف من الجنود والمقاتلين بما في ذلك قوات من الحرس الثوري إلي سوريا لدعم الأسد - وهو من الطائفة العلوية - ضد المتمردين السنة. وتعتبر طهران إن فقدان حليف مثل الاسد لصالح انتفاضة ذات أغلبية سنية يمكن ان يقوض نفوذها بالمنطقة. معروف ان وكلاء ايران مثل حزب الله في لبنان ومجموعة الميليشيات العراقية الشيعية يحاربون دعما للنظام السوري. وفي العام الماضي بدأت روسيا عملياتها في سوريا من خلال الدبابات والمدفعية والطائرات المقاتلة في المعركة كما قامت ايضا ببناء قاعدة جوية جديدة في محافظة اللاذقية. وكان التدخل الروسي نقطة تحول في مصير الأسد، الذي كان قد تراجع امام قوات المعارضة. وكانت القاذفات الروسية بعيدة المدي تقلع من روسيا علي بعد أكثر من 1200 ميل، اما الآن فهي تنطلق من ايران علي بعد 400 ميل من سوريا، وهو ما يوفر في المسافة والوقود. فالمسافة أقصر وتسمح لروسيا بتكثيف الحملة الجوية ضد جماعات المعارضة السورية. وتخوض القوات الحكومية السورية ومقاتلو المعارضة الآن معركة مصير في حلب التي يتعرض فيها المدنيون لازمة إنسانية متفاقمة. ورغم ان وزارة الدفاع الروسية تؤكد ان القاذفات بعيدة المدي ضربت أهدافا خاصة بداعش وجبهة فتح الشام في حلب ودمرت مستودعات ذخيرة ومعسكرات تدريب ومراكز قيادة. الا ان جماعات حقوق الانسان انتقدت كلا من روسيا والنظام السوري لتوجيه ضربات متكررة ضد أهداف مدنية بما في ذلك المنازل والمدارس والمستشفيات.