بروتوكول رباعي لمبادرة "ازرع" لدعم صغار المزارعين وتحقيق الأمن الغذائي    انخفاض أسعار 5 عملات عربية مقابل الجنيه اليوم الأربعاء    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    وزيرة البيئة: تدابير وطنية طموحة لحماية البحر المتوسط    إعلام عبري: أحزاب المعارضة تتوافق على تقديم مشروع قانون لحل الكنيست اليوم    السعودية تعلن إطلاق موسم العمرة وبدء إصدار تأشيرات معتمري الخارج    زيزو يكشف سر تسديده ركلة الترجيح الأولى للأهلي أمام باتشوكا    مصرع عنصرين شديدي الخطورة وضبط مخدرات ب 64 مليون جنيه في أسيوط والمنيا    "ولاد العم وقعوا في بعض".. 3 مصابين في معركة بالأسلحة بسوهاج    بيان جديد من السكة الحديد بشأن "مُخرب القطار الروسي": ضبطه وإحالته للنيابة    محمد ثروت يدعو لابن تامر حسني بالشفاء: "يارب اشفه وفرّح قلبه"    5 أطعمة تقوي قلبك وتحارب الكوليسترول    منتخب كوستاريكا يفوز على ترينداد وتوباجو في تصفيات أمريكا الشمالية المؤهلة للمونديال    الصفقة الرابعة.. مانشستر سيتي يتعاقد مع تيجاني ريندرز    محافظ الدقهلية في جولة صباحية مفاجئة بالمركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة | تفاصيل    بين احتلال البلدان وقمع السكان الأصليين.. تاريخ الحرس الوطني الأمريكي المستخدم لقمع مظاهرات لوس أنجلوس    روسيا تهدد أوكرانيا بالسيطرة على مزيد من الأراضي إذا لم توافق على شروطها    محافظ بني سويف يتفقد جاهزية اللجان واستراحات المراقبين استعدادا لامتحانات الثانوية العامة    الأرصاد تحذر من استمرار ارتفاع درجات الحرارة حتى الإثنين المقبل    مصرع تاجرين مخدرات وضبط آخرين بحوزتهم مواد ب64 مليون جنيه خلال مداهمة بؤر إجرامية بأسيوط والمنيا    النائبة إيفلين متى تتقدم بسؤال لوزير التعليم بشأن انتداب معلمات من أسوان إلى دمياط    القصة الكاملة لزواج قاصر من مصاب بمتلازمة داون في الشرقية    يحيى الفخراني يكشف عن درس تعلمه من عبدالحليم حافظ في كواليس المسرح القومي    فيلم سيكو سيكو الأكثر مشاهدة على إحدى المنصات والثالث في شباك التذاكر    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    تعرف على آخر تطورات مبادرة عودة الكتاتيب تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي    قبل مواجهة الأهلي.. سبب استبدال ميسي في مباراة الأرجنتين وكولومبيا    متحدث الحكومة: معدلات الإصابة بالجذام في مصر الأدنى عالميًا    تنسيق الجامعات 2025، كل ما تريد معرفته عن كلية علوم التغذية بحلوان    كأس العالم للأندية| تشيلسي يتصدر القيمة التسويقية للمجموعة الرابعة    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في الشرقية وأسوان    الأوراق المطلوبة للحصول على مساعدات مالية من بيت الزكاة والصدقات    ماجد الكدواني ضيف معتز التوني في "فضفضت أوي" الليلة    زاهي حواس يروج للسياحة على «FOX TV» ويدعو الشعب الأمريكي لزيارة مصر    مجددًا.. إسرائيل تفتح النار على منتظري المساعدات وسط غزة    عالم خالٍ من الأسلحة النووية    وزير المالية: حجم الدين الخارجي لأجهزة الموازنة انخفض بقيمة 2 مليار دولار خلال 10 أشهر    «فتح» تدعو الإتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات حاسمة ضد المخططات الإسرائيلية    أبو مسلم: أنا قلق من المدرسة الأمريكية الجنوبية.. وإنتر ميامي فريق عادي    25 شهيدا برصاص قوات الاحتلال قرب مركز توزيع المساعدات وسط قطاع غزة    القوات الروسية تتقدم في سومي وتهاجم خاركيف بالمسيرات    جريتا ثونبرج تصل السويد وسط استقبال بالأعلام الفلسطينية والتصفيق الحار    يتحدث نيابة عن نفسه.. الخارجية الأمريكية ترفض تصريحات سفيرها لدى إسرائيل بشأن الدولة الفلسطينية    تراجع جديد يلامس 500 جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 11-6-2025    غرق طالب أثناء استحمامه فى ترعة بسوهاج    دعاء الفجر.. أدعية تفتح أبواب الأمل والرزق فى وقت البركة    رئيس جامعة دمنهور: «صيدلة البحيرة» أول كلية تحصل على اعتماد مؤسسي وبرامجي في مصر    هل شريكك من بينهم؟ 3 أبراج الأكثر خيانة    محمود وفا حكما لمباراة نهائى كأس عاصمة مصر بين سيراميكا والبنك الأهلى    عن "اللحظة الدستورية" المقيدة بمطالب الشعب الثائر    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأربعاء 11 يونيو 2025    تقارير: فيرتز على أعتاب ليفربول مقابل 150 مليون يورو    بعض الأشخاص سيحاولون استفزازك.. حظ برج القوس اليوم 11 يونيو    بطريقة آمنة وطبيعية.. خطوات فعالة للتخلص من الناموس    مُخترق درع «الإيدز»: نجحت في كشف حيلة الفيروس الخبيثة    "الأوقاف" تعلن أسماء الفائزين في مسابقة الصوت الندي 2025    أستاذ اقتصاديات الصحة: نسبة تحور "كورونا" ارتفعت عالميًا إلى 10%    زواج عريس متلازمة داون بفتاة يُثير غضب رواد التواصل الاجتماعي.. و"الإفتاء": عقد القران صحيح (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
الحرب المقدسة

لا وجود لمفهوم الحرب المقدسة في حضارة المسلمين وعلومهم، وقد ظلت نصوص القرآن الكريم تأمر باحتمال الظلم والأذي، وعندما أباحت الحرب جعلتها لدفع الظلم الواقع علي المسلمين، ولم تأمر أبدا بشن الحروب والابتداء بها، وتحويلها إلي صراع دائم، ففي القرآن الكريم (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) (سورة الحج، الآية 39)، فتحدث عن القتال وأنه حالة طارئة في مواجهة ظلم، وليست حربا يبتديء هو بها، ثم يتحدث القرآن عن وقت انتهاء هذه الحرب فيقول: (فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَي الظَّالِمِينَ) (سورة البقرة الآية 193)، فيأمر عند توقف الطرف الآخر عن القتال بالانتهاء الفوري لهذه المواجهات.
وكل صور الحروب في السيرة النبوية كانت تدور في نطاق مكاني محدد يحيط بالمدينة المنورة، مما يدل علي مجيء الجيوش للعدوان عليهم، فدفعوا الظلم عن أنفسهم، والحالات النادرة التي تحركت فيها الجيوش في العهد النبوي لم يحدث فيها قتال أصلا كما في فتح مكة المكرمة، وظلت السنة المشرفة تأمر بالأخلاق الرفيعة، وتأمر بالعلم، وتحض علي العمران، وتنهي عن الظلم والعدوان والرعب، وتعلم الناس أصول البيع والشراء وإكرام الحياة بمختلف صورها.
فعند الرجوع إلي المصادر الأصلية للدين الإسلامي نجد أنه لا وجود فيه لمفهوم الحرب المقدسة، ولا يأمر بها، بل إن كل المواضع التي تتناول الحديث عن الحروب فإنها تدور في هذا النطاق.
عند حصول حالة حرب أو قتال فإنها تكون محكومة بمنظومة من القيم العليا، والأخلاق النبيلة التي تحمي هذا العمل من الانحراف إلي حالة صراع ورعب، فيقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يوصي أحد قادة جيشه: (وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا)، فهو هنا شديد الحرص علي محدودية عمل جنوده، ويأمر رجاله بالتحفظ من قتل شاة، أو قطع شجرة، أو ذبح إنسانا، أو قطع رقبته، أو نقض عهد، أو ترويع آمن، أو تهجير رجل مستقرا في بيته.
في مقابل كل ذلك وضع القرآن الكريم أصولا واضحة للعلاقة بين الحضارات والشعوب والأمم، وجعلها قائمة علي فكرة التعارف، فيقول القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا )(سورة الحجرات الآية 13)، والتعارف معناه التفاعل الحضاري، وانفتاح أبواب البحث والدراسة المشتركة، والاطلاع المتبادل بين العقول والخبرات والثقافات والجامعات، وهذه المفهوم وحده يقضي تماما علي فكرة الحرب المقدسة، ويجعل عملية الحرب حالة جزئية طارئة، عند حصول اعتداء، وتتوقف بمجرد زوال حالة العدوان، لترجع عملية التعارف إلي مسارها مرة أخري، لأنها هي الأصل في علاقة الحضارات في مفهوم القرآن.
نلاحظ مما سبق أن لا وجود في الإسلام لمفهوم الحرب المقدسة التي تملأ عقل الإنسان بفكرة الصراع الدائم، ومبادرة الناس بالعدوان، والتي تحول الإنسان إلي طاقة تدميرية للأنفس والمؤسسات والممتلكات والعمران، والتي تحول الإنسان إلي حالة مروعة من التدمير البشع والقتل والتفجير.
حصل انحراف خطير في الثمانين عاما الماضية، حيث ولدت التيارات المتطرفة، وكان أشد انحراف وقعت فيه هو التصور المغلوط بأن علاقة الشعوب والأمم قائمة علي الصراع، مع تبني فكرة التكفير، والجاهلية، وحتمية الصدام، ومن أكبر المنظرين لهذا الفكر حسن البنا، وأبو الأعلي المودودي، وسيد قطب، وقبلهم مواضع في فكر ابن تيمية وغيره، ثم انبثقت من أطروحاتهم كل تيارات العنف من الإخوان، إلي القاعدة، إلي بوكو حرام، إلي داعش، وغير ذلك، وصارت الفكرة الأساسية عندهم هي حتمية الصدام، وهي مماثلة تماما لأطروحة صدام الحضارات عند فوكوياما وصامويل هانتجتون، فهي فكرة واحدة عند هؤلاء جميعا، لكن بعضهم يدخل لها من مدخل فلسفي، وبعضهم يدخل لها من مدخل ديني، ثم يرتكب في سبيل ذلك اجتزاء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وتوظيفها توظيفا مغلوطا ومظلما، ويفسرها تفسيرا يفتقد المنهجية العلمية الصحيحة، فيجعلها تؤدي إلي عكس مقصودها، حيث إن نصوص القرآن تدعو للرحمة، والأخلاق، والحضارة، والعمران، وتجعل القتال حالة طارئة عند التعرض للظلم، فيتم عند تلك التيارات اختزال كل هذه الأمور في القتال، الذي يعني في أذهانهم حتمية القتل بصورة مرعبة وحشية، ثم ينتقلون إلي القيام بممارسات إجرامية بشعة، ثم يطلقون علي تلك الممارسات اسم الجهاد، أو اسم الحرب المقدسة.
تقوم تيارات التطرف بعملية اختطاف للعقول علي نحو واسع، وتستغل فيه الوسائط الرقمية والإلكترونية، وكل صور السوشيال ميديا من فيس بوك وتويتر وغير ذلك، مما يدل علي وجود خبراء عندهم علي درجة عالية من الاحتراف سواء في المجال التقني والفني، أو في المجال الفكري التنظيري المغلوط، الذي يقوم كل يوم بتوليد استدلالات منحرفة، يجري نشرها علي نطاق واسع لسرقة عقول جديدة واختطاف عقول أتباع كل لحظة، وهناك حاجة ملحة لمواجهة فكر التطرف والصراع والصدام بمختلف صوره وتياراته وشعاراته، مهما تعددت أسماؤه أو تفسيراته، ولابد من وجود حركة علمية تقوم بها المؤسسات العلمية والتعليمية لتفنيد هذه الأفكار، وتفكيك كل صور الاستدلال المغلوط الذي تقدمه، وهذه هي أول خطوة في أولويات عمل مؤسساتنا الدينية، بدل أن تنخرط في صراع حول الخطبة المكتوبة، والأكاديميات المقترحة، والوثائق المتتالية دون أدني تأثير في الواقع.
وواجبنا جميعا هو محاصرة كل نماذج التفكير المنحرف التي تحول هذا الدين الحنيف إلي صراع ودمار، والتصدي لها بالمواجهة والتفنيد والتفكيك علي أوسع نطاق، وأن نرجع في المقابل إلي إعادة تشغيل مصانع الحضارة الكامنة في القرآن الكريم، واستخراج كل ما فيه من تكريم للحياة، وتقدير لها، ومن دعوة للعلم والمعرفة والحضارة، ومن شغف بالعمران، وسلام علي الصادقين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.