»مطرقة وسندان وأجنة وشاكوش» هي كل أدواته لكسب لقمة عيشه، ينحتون في الصخر من اجل بضعة جنيهات في نهاية اليوم تسد رمق اسرهم.. قوتهم البدنية هي رأس مالهم اذا ضعفت هذه القوة جلسوا في منازلهم انتظارا لمساعدات اهل الخير.. لا يمتلكون معاشا او تأمينات اجتماعية او تأمينا صحيا.. الضنك وضيق الحال والعمل القليل يلازمهم..انهم الفواعلية وعمال التراحيل.. وجه مصر الاخر الذي لا يراه المسئولون ولا يذكرهم المثقفون او المفكرون الا في رواياتهم او مسلسلاتهم.. »الأخبار» ترصد اوضاع تلك الفئة المهمشة علي الواقع وتكشف معاناتهم في ظل هذا الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به ارض الكنانة. عبد الباري : نفسي أبطل نومة الرصيف رضا : »مش عارف أتجوز» خليل : الشمس حرقت جسمي أنور : »ماحدش حاسس بينا» فرج : عندي 4 عيال والخامس في الطريق وبناكل مش علي قارعة الطريق وتحديدا امام مسجد الحصري يجلس الفواعلية..عيونهم شاردة في انتظار سيارة الزبون التي لا تأتي بعد....العرق يتصبب من وجناتهم..اشعة الشمس تتعامد فوق رءوسهم..ملامح الشقاء حفرت خيوطها علي وجوههم.. تجدهم يجلسون القرفصاء مرتدين »جلاليب» اكل منها الدهر وشرب. ثمة ابتسامة علت شفتيهم عندما رأوا سياراتنا.. دار في خلدهم اننا زبائن ستخلصهم من الايام العجاف الخالية من العمل، وسرعان ما كشفنا عن هويتنا الصحفية، فزالت الابتسامة، وبدأ الانين وصرخات الوجع. »6 عيال وامهم».. هكذا بدأ محمد عبد الباري 42 سنة حديثه معنا قائلا: يوميتي 70 جنيها ولكنني لا اجد العمل الذي احصل منه علي تلك اليومية، طال جلوسي علي الرصيف في انتظار الزبون الذي سأعمل عنده فواعليا، ولكن الزبون لا يأتي، لتستمر معاناتي في عدم ايجاد لقمة العيش لاولادي. ليست فقط لقمة العيش هي الهدف لعبد الباري، فوفقا لكلامه ان صحته في »النازل» خاصة بعدما تعرض للكسر وقام بتركيب مسامير في احدي مرات العمل ، عبد الباري يبحث عن عمل اخر خاصة انه لا يستطيع العمل كفواعلي..تلك المهنة التي تحتاج إلي جهد وصحة عن امنيته تحدث عبد الباري وقال » نفسي اكل واشرب..مش عاوز عربية ولا شقة..عاوز اكون زي اقل الناس..ونفسي ابطل نومة الرصيف.. المصاريف زادت تركنا عبد الباري مع احلامه وانتقلنا لنسمع اهات وصرخات فرج علي البالغ من العمر 31 عاما..تحدث عن معاناته قائلا: بقالي 10 سنين شغال فواعلي وحاليا مفيش شغل ومفيش فلوس والمصاريف زادت ». توقف عن الكلام ثم واصل قائلا: انا باكل مش وجبنه، وانا عندي 4 اولاد والخامس في الطريق، ونفسي ادخل عيالي المدرسة ولكن الحالة ضنك ! اختطف امين محمد 27 سنة الكلام من علي لسان فرج قائلا بصوت عال: طول الاسبوع لا اعمل الا يوما واحد، وفي هذا اليوم اتحصل علي 70 جنيها، ولا ادري ماذا افعل بالسبعين جنيها في ظل هذا الغلاء الفاحش. امين اكد انه متزوج ولديه ولدان وينام في بدروم بدون كهرباء. مسلسل الآلام لا يزال مستمرا، فمحجوب محمد حسنين 31 عاما يعبر عن معاناته قائلا: لا امتلك القدرة علي العمل خاصة بعد قيامي باجراء عملية جراحية لازالة ورم بالمخ تكلفت 35 الف جنيه، فمنذ اجرائي العملية تضاعف مجهودي وقل انتاجي، وحاليا اصبح العمل منعدما. وواصل حديثه: أتمني ان اجد عملا مناسبا يدر دخلا علي اسرتي واولادي الثلاثة. الحال واقف أما سامي خليل فأكد ان ظروفه المادية في غاية السوء، وحاليا الحال واقف و»مفيش شغل والدنيا نايمة»، مشيرا إلي انه لا يجد ان يسد رمق جوعه وجوع اولاده. واضاف خليل انه يعاني من امراض جلدية حادة تتفاقم عند العمل تحت اشعة الشمس الحارقة، لذلك يقوم بالعمل يوما في اشعة الشمس ويجلس اسبوعا في البيت يتداوي من اثار العمل تحت الشمس. ويقول احد الفواعلية ويدعي احمد نادي يبلغ من العمر 30 عاما انه متزوج ولديه 4 اولاد ويعول والده ووالدته و4 شقيقات، مشيرا إلي انهم ينامون علي الرصيف بدون غطاء، كما انه يسعي إلي دخول ابنته المدرسة ولكن بسبب »قصر اليد» لا يستطيع مستنكرا قيام البعض بادخال اولاده الجامعات والمدارس الخاصة في الوقت الذي لا يستطيع هو تعليم ابنته كتابة اسمها. اما خالد عاشور زيدان 49 سنة اكد انه لا يعمل منذ 20 يوما بسبب عدم وجود فرصة للعمل، مشيرا إلي انه اضطر للعمل فواعليا بعدما تم ضربه في ليبيا وتعرضه للسطو وسرقه امواله لدرجة سرقة هاتفه المحمول. الأسعار نار يقول ياسين عبد الكريم البالغ من العمر 35 عاما »مش عارف اتجوز لاني معيش فلوس والحالة المادية صعبة جدا، وانا عندي 6 شقيقات بصرف عليهم، ومش معايا سكن وبنام في الشارع. »كيلو اللحمة وصل إلي 110 جنيهات».. هكذا عبر رضا فولي محمود عيد عن مشكلته قائلا الاسعار نار والسلع والمواد الغذائية يزداد ثمنها، والدخل واقف، مطالبا الحكومة بالتدخل لانقاذ اوضاعهم السيئة وتوفير فرص عمل لهم. ويضيف رضا: »انا خاطب ومش عارف اجمع فلوس علشان اتجوز او او فر نفقات الحياة الزوجية». مأساة اخري يرويها صاحبها رجب محمد احمد البالغ من العمر 20 عاما ويقول »خطبت منذ 3 سنوات وحتي الان لا استطيع الزواج، مضيفا انه لم يعمل منذ شهر رمضان الماضي، وكانت يوميته قبل هذا الشهر تصل إلي 80 جنيها يوميا، اما الان فالحال واقف. اما محمد عبد الله محمد عبد الحليم 46 عاما فيروي مأساته قائلا: اعمل فواعلي منذ 27 عاما ولدي 3 اولاد في مراحل تعليمية مختلفة، ومطلوب مني شهريا 5 الاف جنيه للانفاق علي مدارسهم وكلياتهم، ولا استطيع ان ادخر الا الف جنيه فقط لا غير ويضيف محمد قائلا: » ماكلتش لحمة من 15 يوما ومقضيها انا والمدام والاولاد فول وطعمية وبطاطس وبصارة». اما شعبان عبد الهادي فيقول: منذ رمضان الماضي لا استطيع تجميع 300 جنيه في بيتي بسبب انعدام »الشغل» وارتفاع الاسعار موضحا انه لا ياكل الا الفول والطعمية حتي يستطيع الحياة، وكذلك اولاده الخمسة يعيشون معه اوضاعا في منتهي الصعوبة . العمل في السر ويلتقط مؤمن أحد الشباب المنتظرين علي الرصيف أطراف الحديث مشيرا إلي أن معظم العمال يخشون أن يعلم أهاليهم في الصعيد أو الأرياف بعملهم لأنهم لا يفصحون لأحد عن مهام عملهم كعمال يومية في العاصمة، ويشكو قلة العمل مؤكدا أنه يعمل يوم آه وأسبوع لأ ويؤكد أنه يسعي للقيام بأي عمل يطلب منه ولا يرفض شيئا أبدا. ومن مؤمن إلي آدم الذي قرر أن يشارك بالحديث ولكن بنبرة شديدة الغضب زاد من حدتها اللهجة الصعيدية التي يتحدث بها قائلا احنا صعايدة بنسيب بلدنا ونتغرب وبنيجي وبردو مفيش شغل، ويضيف أنه انتظر12 عاما من أجل الحصول علي فرصة عمل ويتمني التعيين في وظيفة ثابتة لا يخشي فيها تقلب الأحوال. نسيت شكل عيالي ويقول الحاج أنور 54 عاما الذي كست ملامح الحزن وجهه مستنكراً ضحك زميله، فقال: »إنت بتضحك عشان إنتا لسة في عز شبابك ومش شايل الهم زيي أنا محدش بقي بيرضا يشغلني معاه ولا حتي بتوع الشقق مع إن صحتي لسة كويسة بس هما بياخدوا بالمظهر.. والله يا بني أنا نسيت شكل عيالي ومش عايز أروح أزورهم لإني مببعتش فلوس بقالي شهرين وبعت تليفوني وهما مش عارفين عني حاجة.. هوريهم وشي إزاي وأنا كنت السبب في فسخ خطوبة بنتي الكبيرة وكنت ورا طلوع عيالي ال 2 من المدرسة.. إحنا محدش حاسس بينا والعمر بيعدي إحنا خسرنا صحتنا وعمرنا في الشغلانة دي ومحدش قدرنا.. أنا نفسي بس في معاش يأكلني ويصرف علي بيتي». عم سمير يجلس بجوار الحاج أنور صديقه المقرب ويقول: »أنا بقي مبقتش استني حد يطلبني أنا بلف بنفسي علي الشغل.. وأياً كان الشغل عمره ما يعيب صاحبه أنا ممكن أشتغل أي حاجة خدام أو أمسح عمارات المهم إني أروح بالليل بأي فلوس عشان العيال يكملوا تعليمهم بس أكثر حاجة بعملها دلوقتي هي مسح سلالم العمارات وبتحصلي علي 5 جنيه من كل شقة وساعات بيدوني مساعدات تانية زي زيت أو شاي بس أنا في الأصل فواعلي والتكسير مفرقش كتير عن المسح». علي بعد خطوات قليلة وجدنا رجلا جالسا واضعا رأسه بين يديه ينحسر الشعر عن رأسه وتطغي ملامح كبر السن علي وجهه بالرغم من عمره الذي لم يتخط ال38 وعلي وجهه ملامح الملل الممزوج باليأس من قدوم شخص يحتاج لعامل بناء أملا في أن يجني بعض المال يذهب بها إلي بيته..محمد شعبان من مركز ملوي بالمنيا يقول إنه جاء للعيش في القاهرة بحثا عن الرزق بعدما حصل علي بعض المال من أخيه مقابل تركه لقطعة أرضه التي ورثها عن أبيه واستأجر شقة متواضعة في الحي السادس باكتوبر ب400 جنيه ليعيش فيها هو وزوجته وأبناؤه الأربعة التلاميذ بالمراحل المختلفة للتعليم..يقول شعبان عن عمله بالمحارة قائلًا: »مادخلتش المدرسة واشتغلت صنايعي محارة من وأنا صغير، وكنت باجي القاهرة قبل ما أتجوز علشان أشتغل وأرجع البلد تاني لكن بعد ما اتجوزت اضطريت أجيب مراتي وعيالي هنا عشان ما اسافرش كل شوية ولأن الشغل هنا أكتر والمدارس أحسن بس للأسف جيت علي مافيش». رحلة عذاب ويضيف شعبان »بقالي أسبوعين بدور علي شغل ومش لاقي بطلع الساعة 6 الصبح أدور علي رزقي وأفضل في الشارع لحد الساعة 6 المغرب في الأول أقف عند الحصري، ولما مابلاقيش شغل أروح عند ليلة القدر، ولما مالاقيش بطلع علي الحي السادس، وأحيانا أروح الحي المتميز، لو الساعة جات 6 ومافيش شغل بيبقي ده يوم إجازة بالنسبة لي مؤكدا أنا صنايعي بس في أيام بشتغل فيها عامل أشيل الطوب والرملة عشان مابيبقاش في شغل، مش هتفرق بقا أشيل ولا أشتغل في محارة، المهم إني أجيب فلوس آخر اليوم، ويضيف أن الأجر الذي يتلقاه نظير عمله في »اليومية» هو 70 جنيها للعامل و100 جنيه للصنايعي». و يشير شعبان عن الأعداد الكبيرة من العمال التي تنتظر رزقها في الشوارع »إحنا زي الصيادين بننزل وإحنا مش عارفين رزقنا، وبنفضل قاعدين ولما واحد بييجي عايز عمال أو صنايعية كلنا بنجري عليه عشان نروح معاه، وهو بيختار اللي عايزه. »شعري أبيضّ وسقط من الهم» جملة وصف بها أحمد سيد القادم من سوهاج الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها قائلا »مفيش شغل والحال واقف وخايف علي مستقبل أولادي لأني نفسي أعلمهم ومايشتغلوش عمال زيي لأني دقت مرارة الشغلانة دي ومش هخلي حد من عيالي يشتغلها، ويضيف »في أيام مابلاقي شغل وماببقاش عارف أروح البيت إزاي وأنا مش معايا فلوس العشا وببقي خايف حد من عيالي يطلب مني حاجة ما اعرفش أجيبهاله وبضطر أستلف وأسدد لما يبقي فيه شغل». العودة إلي ليبيا اما شعبان محمد الفيومي الرجل الأربعيني الوافد من مركز إطسا بالفيوم ترك الدراسة منذ صغره ليعمل عامل بناء متنقلًا في أماكن متعددة سافر إلي ليبيا بحثا عن الرزق وعمل هناك لسنوات وبعد حادث اختطاف التنظيم لمصريين مسيحيين وقتلهم ذبحًا علي شاطئ ليبيا فاضطر»شعبان » للعودة إلي مصر هو وزملاؤه هربا منهم قائلا »هربت من ليبيا بعد ما خفت اتقتل، هربت من رصاص. و يضيف »بعد ما كنت بكسب كتير من الشغل في ليبيا، وكنت ببعت الفلوس لعيالي وعايشين مستريحين رغم الغربة اللي كنت فيها، بقيت دلوقتي بعاني من عدم وجود شغل، بس للأسف أنا دلوقتي حاسس بالغربة أكتر من أيام ليبيا بالرغم إني في بلدي، ولو الظروف فضلت كدا هسافر ليبيا تاني، مضيفا »عندي 7 عيال في مراحل مختلفة في التعليم ومصاريفهم كتير تقطم الضهر، علشان أكفيهم أكل وشرب ولبس ودراسة بصحي كل يوم الصبح أدعي ربنا إني ألاقي شغل عشان أقدر أوفرلهم كل شيء يحتاجوه وادفع لهم مصاريف »الهدوم» والمدارس، والمصيبة تكون لو حد فيهم تعب ممكن أصرف عليه مكسب يومين من اللي اشتغلتهم».