لقد أراد الله لهذه الأمة أن تكون خير أمة أخرجت للناس، فأمرها بوحدة الصف ووحدة الهدف وتماسك المشاعر وترابطها وحثها علي التعاون والتراحم والتعاطف، وشرع لها من العبادات والمناسك مايجعل هذا الترابط حقيقة عملية وسلوكا فعليا، فالصلاة التفاف حول قبلة واحدة ووراء إمام واحد ومناجاة لرب واحد. والزكاة تراحم وتعاطف وتكافل وتماسك وعطاء من الأغنياء ومودة ومحبة من الفقراء. والصيام وحدة في الشعورو إمساك عن الطعام امتثالا لأمر الله. والحج تلبية مقصودة وندوة مجتمعة من بقاع الأرض المتعددة امتثالا لله الواحد الأحد الفرد الصمد، وشهادة بأنه الإله المستحق للعبادة وأنه صاحب الحمد والمنة وفي الحج تجاور وتحاور وتلاق بين المسلمين من كل مكان حول الكعبة وحول الصفا والمروة وحول البيت العتيق يدعون ربا واحدا ويلتفون حول قبلة واحدة ويتناقشون فيما يعود عليهم بالنفع، وعلي أمتهم بالخير والنصر. لقد كانت أحداث التاريخ نموذجاً عملياً لوحدة الأمة فما أن أذن المؤذن حي علي الجهاد حتي عبرنا القناة وتحطمت حصون الطغاة وتقدم الجنود وظهر الفداء ونزل نصر السماء. وعرف الصديق في وقت الضيق فكان العرب المؤمنون يدا واحدة وصفا واحدا يحسون أن المعركة معركتهم وان القتال قتالهم وأن العدو عدوهم. وتجاوب العرب المؤمنون من المحيط الي الخليج مع كل ضائقة وتسابقوا الي مساندة المجاهدين ودعم المقاتلين وظهرت وحدة القرب في التاريخ الحديث الإسلامي أكثر من مرة. الوحدة قوة ورباط وعون في النعماء والبأساء. وهي السبيل الوحيد الي العزة والنصر، والطريق الأمثل إلي القوة والسيادة، والله يقول في كتابه: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (الانبياء:92). أيها الحجاج تحية خالصة. ودعاء ضارعاً أن يكون الحج في هذا العام رمزاً عمليا للوحدة والقوة وطريقا فعليا لأمجاد الإسلام ونصر المجاهدين، وصدق الله العظيم : (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص). أيها المؤمنون: يد الله مع الجماعة وعناية الله مع المتقين، ونصر الله للمجاهدين وبركة الله للغزاة والحجاج والمقاتلين: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين). الحج ركن من أركان الإسلام وشعيره من شعائره، يجتمع المسلمون من كل فج عميق من شتي بقاع الأرض، ويفدون إلي بيت الله الحرام معظمين شعائره مكبرين مهللين طائفين بالبيت العتيق، ساعين بين الصفا والمروة، واقفين علي عرفات في يوم واحد وفي وقت واحد يصطف الجميع داعين مكبرين متبتلين، ويباهي الله ملائكته بالحجيج يوم عرفات فيقول: »ياملائكتي انظروا إلي عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يسألون رحمتي ولم يروني ويتعوذون من عذابي ولم يروني، اشهدكم ياملائكتي أني قد غفرت لهم». الحج مؤتمر إسلامي عام، وسياحة دينية روحية بدأت من زمن بعيد لم تكن فيه الدنيا تقدر فضل السياحة. وفي الحج يتعارف المسلمون ببعضهم البعض ويقفون علي مشاكل إخوانهم، فهو وسيلة من وسائل الترابط والتعاون والتآلف، تري المسلمين قد قدموا من كل مكان: من تونس والجزائر ومراكش، من ليبيا ومصر والسودان والحبشة وكل افريقيا، من الشام والعراق والكويت، من الهند وباكستان وتايلند، من الفلبين وأندونيسيا والملايو، من أوروبا وأمريكا والبرازيل. من كل هذه البلاد وغيرها يتوافد المسلمون بألسنة مختلفة وألوان مختلفة، ولكنهم يناجون رباً واحداً ويحجون إلي قبلة واحدة ويؤمنون بدين واحد وكتاب واحد ونبي واحد وهدف واحد. (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). قد وحد بينهم مظهر واحد يستوي فيه الغني والفقير والكبير والصغير، وقد سوي بينهم قصد مشترك ودعاء موحد وتلبية لله واستجابة لندائه فيجهر الجميع قائلين: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك).