في معرضها الفردي الرابع الذي استضافته قاعة الباب مؤخرا تحت عنوان "فرحة" اختارت الفنانة سماء يحيي أن توظف خامة الخيامية الشهيرة بكل ما تحمله من تشكيلات لونية وزخارف ارتبطت لسنوات طويلة بالحياة الشعبية المصرية كوسيط فني غاصت فيه فرشاتها لتنبثق أشكالها الفنية من قلب النسيج المنقوش كعاشق ومعشوق، ولم تكتف الفنانة بذلك بل أيضا اختارت أسلوب جديد لتعليق لوحاتها فتمردت علي الأطر التقليدية، واختارت عروق الخشب القديمة لتعلق عليها لوحاتها. وتتميز لوحات الفنانة سماء يحيي كما يذكر د.خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية بحالة فنية ووجدانية شديدة الخصوصية تعكس شخصيتها الفنية المرتبطة بقراءتها الواعية للحاضر ورؤيتها للمستقبل وشغفها وتأثرها بالتراث وتحديداً عالم الخيامية المُحمل بالزخارف والحيوات الماضية .. حوار جسدته الفنانة بألوانها وعجائنها وأشكالها ومراكبها ونساءها مع نقوش وزخارف لها خصوصيتها ودلالاتها في الوجدان الشعبي يخلق حالة من الفرحة تعكس روح الفن الذي يهدف في أساسه للبهجة وإذا كانت تلك الخامة قد شحذت خيال الفنانة الإبداعي لتخرج بتلك المجموعة البديعة من اللوحات، فإن تلك الأعمال أيضا قد ألهمت الشاعر جمال القصاص لكتابة تلك القراءة البديعة التي نشرت في كتالوج المعرض تحت عنوان "سماء يحيي .. تعيد اكتشاف شخوصها في فضاء الخيامية" والتي ذكر فيها إن الفنانة لا تكف عن مراودة اللعب في أعمالها، والبحث عن مفاصل عضوية جماليا تربط الوجه الإنساني في نصاعته الأنثوية وظلاله العابرة المقيمة، بعناصر ومشاهد من الطبيعة الحية، وكأن كليهما صدي لصوت الآخر، صدي لوعيه الهارب من سطوة الزمن ومتاهة الوجود، إنه اللعب الفني إذ، لكن هذه المرة علي قطع من قماش الخيامية في نسيجها القديم، المصنوع بمهارة اليد ورهافة الحس والوجدان، قطع متربة، متهتكة، تصارع البقاء وسط غابة التكنولوجيا والتطور الهائل لفنون الطباعة، لكن مع ذلك تفوح منها رائحة دفء مشربا بروح شعبية. وللتعرف علي تفاصيل تلك التجربة عن قرب التقينا بالفنانة سماء يحيي وسألناها: هل هذه هي تجربتك الأولي مع خامة الخيامية أم أن هناك تجارب سابقة؟ "فرحة " هو معرضي الأول بخامة الخيامية وهي خامة لم يسبقني أحد في استخدامها وقد حرصت علي أن تكون خيامية قديمة ربما يتخطي عمرها من 30 إلي 50 سنة ، بل واستخدمت في العديد من المناسبات وحرصت أيضاً أثناء عملية الرسم عليها علي الحفاظ علي الخياطات وأماكن الرتق الناتج عن الزمن فهي خامة لها تاريخ وحياة وأثر للزمن علي سطحها. ماذا عن اختيار تلك الخامة رغم أنها غير مألوفة وتفرض قيود علي الفنان بزخارفها المتداخلة وألوانها الصريحة؟ دعينا نتفق أولاً علي أن الفن مغامرة، فإن لم يقدم عليها الفنان سوف يبقي محلك سر في المربع الآمن ليقع في فخ التكرار، كذلك فالفن في الأساس لعب وشغف وعليه فكل فنان يجب أن يصنع لعبته التي تحمل هويته وتراثه وثقافته وكل معطياته كإنسان . كان دافعي لاختيار الخيامية هو أنها خامة تراثيه مصرية أصيلة ترتبط بكل مصري منذ الميلاد مرورا بمراحل حياته بما فيها من أفراح وأحزان وحتي في رحلته الأخيرة نجد الخيامية وكأنها تودعه في سرادق العزاء، وعليه فنظرتي للخيامية لم تقتصر علي أنها فن تراثي أو قماش للرسم وإنما هي كآن حي يتنفس أفراحنا وأحزاننا ويشاركنا إياها فأردت أن أشاركها ما أحب من تشكيلاتي الفنيه. وأنا لم أر فيها خامة تفرض ألوانها أو تشكيلاتها بل علي العكس هي خامة تعطيك بقدر ماتعطيها وتتواصل معها فكانت اللوحة نتاج لحوار مابين رسومي ورسوم الخيامية .. وهي حالة من الرسم علي الرسم تجمع بين ما هو تراثي أصيل وما هو معاصر دون أن يطغي أي منهما علي الآخر لتخرج اللوحة كوحدة واحدة يدهش المتلقي ويجذبه باستخدامي لمفردات وأشياء قد يراها في حياته العادية لإثارة شعوره بالبهجة وإشعاره أنها حالة حياتية لا تتعالي عليه وليست أيضاً مجرد رفاهية بل هي جزء من وجوده فيقترب من الفن التشكيلي وهذا هو مشروعي الحقيقي. ماذا عن أسلوب التعليق علي عروق الخشب؟ لم أفصل الخيامية أثناء العرض عن عروق الخشب القديم التي كانت سندها علي مدي حياتها فهي تقام وتعلق علي عروق من الخشب القديم الذي يغطي بها تماماً في المناسبات أما في المعرض فقد أظهرت دور عروق الخشب البالية كما هي فدائماً للحقيقة وجهان، وعلقت عليها الخيمية كمعلقة، ولم أضعها في إطار حتي لا انتهك خامة الخيامية الأصيلة، ولأن فن المعلقة هو فن مصري أصيل، لا يوجد في البيوت للأغراض الدينية والتبرك فقط وإنما وجد أيضاً لغرض الزينة ويمكننا أن نري ذلك في بعض لوحات المستشرقين ورسامي الحملة الفرنسية سنلاحظ وجود معلقات تزينية وحتي في العصر الحديث يمكننا أن نري فنانين مارسوا فن المعلقة ومن أشهرهم الفنان حامد عبد الله. ما دلالة اختيار اسم "فرحة" عنوانا للمعرض وعلاقته بالأعمال المقدمة؟ كما سبق وذكرت أن الخيامية خامة لها تاريخ حافل بالأفراح والأحزان مثلها مثل كل شخص منا، ففي عروق الخشب وجمال الخيامية هناك الفرح الحزن ولكل من الوجهان جمالياته الخاصة،فاخترت الجزء المبهج من حياتها فكان الاسم "فرحة". المعرض انقسم بين الفتاة الشعبية التي ظهرت في الغالب بطولة فردية في اللوحات وبين المراكب اللي ظهرت بدون شخوص .. فهل تحدثيننا عن الموضوعات التي تناولتيها في هذا المعرض؟ في البداية أحب أن أقول أن المعرض يضم مجموعة منتخبة من أحدث لوحاتي التي حاولت خلالها المزج بين عالمين مختلفين، عالمي الخاص وعالم الموروثات الثقافية الشعبية .. ورغم اختلافهما أشعر دائماً بروح مشتركة بينهما، فجاءت لوحاتي لتجسد هذه العلاقة بين عالم حالم، متفائل، شاعري، وبين عالم مشحون بالمعاني والدلالات المحفورة في وجداننا ولها سحرها ووقعها البصري المُتناغم مع رؤيتي الفنية، في صياغات تربط الماضي بالحاضر.. والحاضر بالمستقبل. أما عن تلك الموضوعات التي قدمتها فقد اخترت أن أرسم مراكب اتختص بها منطقة وبيئة معينة في مصر هي البرلس، هذه المراكب ارتبطت بشكل مباشر بحياة سكان هذه المنطقه فهي الأساس للرزق والحياة وهي الأصاله والخصوصية والموروث . وأنا كفنانة أرسم ما أراه بفكري وليس بعيني ، ولذا لم أرسم شخوصا إلي جوار المراكب لأن وجود المراكب دليل كاف لوجود الإنسان، كذلك فإن مراكبي هي في حقيقة الأمر إشارة للأنثي فالمركب هناك مختلف في بناؤه وتشكيله عن أي مركب آخر فتلاحظين أنه لا يشق ماء البحيرة وإنما يتهادي علي سطح الماء كأنثي. أما وجوه الفتيات التي رسمتها في عدد من اللوحات، فقد اخترت شخصيات لنساء من زمن مضي، وهن فتيات ارتبطت أحلامهن بالخيامية فتنوعن بين فتيات يحلمن بالفرحة وبين نساء ممن يحيين الأفراح والليال الملاح، وللمشاهد أن يطلق العنان لخياله فهن يطللن من علي سطح الخيامية لتحكي عيونهم عن أحوالهن، فعيون النساء في أعمالي هي دائماً مرآة لحالة المرأة في اللوحة وهي انعكاس للحظة أو إحساس قد يمر علي أي امرأة، فكل شخصية من نسائي تحكي قصتها أيا كان الزمن الذي وجدت فيه أو مستواها الاجتماعي... إن أعمال المعرض كلها يجمعها حالة زمانية ومكانية تعتمد علي تجميد لحظة وفي الوقت ذاته حركة الزمن وهي إحتفاء بالبيئة المصرية وإرثها الشعبي الخصب .