ماذا لو كانت أنهار الدنيا مدادا للكتابة عن الأم، هل تكفيها؟إي انسان بار – ولدا كان أم بنتا – لن يفكر لحظة قبل أن يجيب ب«لا».هل تذكرون من أتى للنبى صلى الله عليه وسلم يسأله إن كان قد وفى أمه حقها لأنه يفعل من أجلها كذا، وكذا، وعدد أفعاله، فكان رده صلى الله عليه وسلم قاطعا، بأنه بكل ما فعله من أجل أمه لن يوفيها حقها، ولو بقدر صرخة من صرخات المخاض.قدر الأم عظيم، فهى أصل الوجود، وصانعة الحياة، بكل ما تعنيه تلك الكلمات.من الأم تبدأ، ولا تنتهى جميع المشاعر الطيبة، والمعانى السامية، والعواطف الجياشة، تبثها وتنميها جيلا بعد جيل، منذ بدأت مسيرة الحياة بأم البشر أجمعين: حواء.وبين الأم/ الوطن، والوطن/ الأم وشائج وصلات بلا حدود، هذا شأنها وقدرها، وعبر تعاقب أدوارها منذ أن تختار الأب الصالح لأبنائها ثم حملها، ومخاضها، ومراحل التربية بكل أعبائها، لتهدى الوطن من يساهم فى استكمال رحلة إعمار الأرض، وخلافة الخالق العظيم فى الكون.هكذا استقرت صورة الأم فى الوجدان.من هنا نبعت الأمومة كقيمة، تتجاوز ما تجسده أمهاتنا، إلى ما هو أرحب، فالجدة، والخالة، والعمة، وربما الجارة تكون أما للعشرات من ذوى القربى أو الجيرة إلى جانب أبنائها، فالأمومة فيض لا يحد تدفقه أى مانع أو عائق، بل إن من بين زوجات الأب من عرفن للأمومة حقها ومعانيها، الأكثر أن من الآباء من يصبح أماً إلى جانب أبوته حال رحلت زوجته مبكرا، فيكون واعيا بمعنى الأمومة، ويعوض أبناءه عن فقد من يصعب استعواضه!هذه أوجه للأمومة فى جوانبها المتعددة، التى تجعل الأم جديرة دائما بتجسيد فكرة الحب دون انتظار ثمن، فيكون حبا مجردا، ساميا، باقيا، وإن غادرت الأم دنيانا، وبالمقابل فإن مبادلتها حبا بحب لا يوفيها حقها، إلا إذا كان حبا هو أغلى ما فى الوجود.ألم يقل النبى (صلى الله عليه وسلم) لمن سأله أى الناس أحق ببره: أمك ثلاثا، وفى ذات السياق أكد عليه الصلاة والسلام أن الجنة تحت أقدام الأمهات.ولم يكن قدرها فى الإسلام فقط عظيما، وإنما فى كل الأديان، وعبر كل العصور كان للأم مكانة لا تعدلها أى مكانة سواها.ورغم أن كل ما أشرنا إليه يمثل ثوابت لا تحتمل جدلا ولا فصالا، إلا أنه أتى على الانسان زمن نعايشه، أصبح العقوق بمظاهره المؤلمة، وقصصه البشعة أخبارا نطالعها، ونشاهدها، ونسمعها، وكنا فى البداية لا نصدقها، من هول تفاصيلها، بعضها يعكس عقوق الأبناء، بما يفوق طاقة العقل على الاستيعاب، والبعض الآخر يترجم ما يمكن وصفه بعقوق الأمهات، بما يتعارض مع الفطرة السوية، والمعلوم بالضرورة عن الأم والأمومة منذ انطلقت رحلة الانسان على الأرض بأبى البشر آدم، وأمنا الأولى حواء.ولعل الاحتفال بعيد الأم فى يوم محدد من كل عام، يكون لحظة مواتية ليراجع كل إنسان علاقته بأمه، ولتعيد أى أم ضلت طريقها، وخرقت نواميس الخلق، فنسيت دورها، وأساءت لمعنى الأمومة بكل عظمته، ليراجع الابن نفسه، والأم نفسها، ولتكن لحظة حقيقة تعيد لأسمى علاقة فى الوجود قدرها، عندئذ يكون كل يوم فى السنة عيدا للأم، وليس مجرد يوم نتذكره أو ننساه، مجرد يوم روتينى لتقديم الهدايا دون مشاعر!يا كل أمهات الدنيا، أطال الله فى أعماركن، ورحم من لقين وجه ربهن الكريم.كل يوم وجميع الأمهات فى أسعد حال.