هل حققت الثورة أهدافها بعد تسعة أشهر من اندلاعها في كل أنحاء مصر؟! وبمعني آخر كم خطوة تقدمناها للأمام بعيداً عن العهد البائد؟! وبمعني ثالث ما هو الوضع الذي أصبحت عليه مصر الآن؟! الآن.. وفي مصر علي وجه التحديد.. من يتطوعون للإجابة علي كل سؤال وأي سؤال في أي وقت ومن أي مكان سواء كان هذا المكان مظاهرة أو اعتصام أو قناة فضائية أو جلسة داخل النادي أو علي المقهي! مصر الآن لا تحتاج فتاوي وثرثرة وكلام إنشائي.. مصر لا تحتاج إلي من ينظر تحت قدميه وهو يخطط للمستقبل ويغمض عينيه عن الماضي ويتجاهل الحاضر بما يعج به من مظاهر ومشاهد وإيجابيات وسلبيات.. مصر لا يمكن أن تستمع إلي ثمانين مليون رأي.. وثمانين مليون فتوي.. وثمانين مليون سياسي! الوضع الآن يحتاج أن تتوحد كل القوي السياسية بمختلف انتماءاتها.. وأن يصبح الجميع علي قلب رجل واحد.. ولنؤجل الخلافات الأيديولوجية إلي ما بعد الاستقرار.. من غير المعقول أن يكون المتحدثون أكثر من المستمعين.. وأن يكون للسفينة أكثر من قبطان! لا يمكن أن يدعي كل تيار سياسي أنه صاحب الثورة وأن يخطط كل تيار سياسي للوثوب علي السلطة في أقرب فرصة.. فالثورة ثورة شعب بأكمله.. والطموح السياسي مشروع لكن له أصول وقواعد وأسس وأولها أن يتحقق للدولة الاستقرار وأن يعرف كل مواطن حقوقه وواجباته.. وكل تيار سياسي ما له وما عليه من خلال حجم شعبيته فوق الأرض.. لكننا حتي هذه اللحظة في المراحل الأولي للثورة وما تحقق منها حتي الآن أقل بكثير مما كان متوقعاً.. وهنا مكمن الخطورة.. فالناس شعروا بالانفلات الأمني والأخلاقي والخروج علي القانون وسطوة البلطجية أكثر مما شعروا بنتائج إيجابية نابعة من ثورة شعب كانت حديث العالم كله.. نعم تجحت الثورة في اقتلاع نظام فرعوني فاسد كاد أن يدمر شعباً بأكمله.. نعم نجحت الثورة في أن تحاكم رؤوس الفساد وأن تدخل الرئيس المخلوع قفص الاتهام هو ورموز نظامه المستبد وأن تحاكم كل المتهمين في قضايا قتل وإصابة المتظاهرين.. ونجح جيش مصر في حماية هذه الثورة ومساندتها وعدم الرضوخ للضغوط الدولية في العديد من المواقف مثلما كان يرضخ الرئيس المخلوع.. لكن لنكن منصفين مع أنفسنا ونتصارح بأن بيننا أصحاب مؤامرة لا يتواني أحدهم لحظة واحدة عن تشويه الثورة وضربها في مقتل والعودة بنا إلي الوراء! هؤلاء يساعدهم جو ومناخ من التخبط يشغل الحكومة ويركبها.. هذا المناخ يصنعه هؤلاء الذين أصابتهم لعنة المطالب الفئوية بالاعتصامات والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية بدءاً من المدرسين وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات إلي الأطباء والطلاب والموظفين في كل المصالح والهيئات الحكومية.. ولأن الدولة لا تملك عصا سحرية لحل كل هذه المشكلات بعد أن تسلمت الحكومة مسئولياتها عن دولة منهوبة ومسروقة ومهلهلة.. فالنتيجة أن نقف في مكاننا ولا نتقدم خطوة واحدة.. بل تضطر الحكومة إلي تقديم «مسكنات» لإرضاء المحتجين لا أكثر مما سيسبب في النهاية أزمة ثقة بين الشعب والحكومة وهو ما بدأت مظاهرة الآن بوضوح! الوضع الآن يتطلب توحد كامل في القوي السياسية وتحديد أهداف الثورة والمضي بها إلي الأمام دون أن تفكر هذه القوي السياسية في مصالحها الخاصة فحسب والوثوب إلي السلطة بأي ثمن! نعم هي ثورة شعب.. لكن الوضع الآن يتطلب قائداً لهذا الشعب وليس ثمانين مليون قائد! الوضع الآن يتطلب قبطان خبير بالبحر السياسي يقود سفينة مصر، وليس مجموعة من المراكبية لا علم لهم بأكثر من المجداف والشراع! والوضع الآن يتطلب مؤتمر قومي يجمع كل القوي السياسية ويعيد الثقة بين أجهزة الأمن والشعب ويحدد نقاط الرحلة ومتي تبدأ وأين تنتهي ولا مجال للصدفة! الوضع الآن يتطلب أن تفرز الدولة بشكل دقيق وحاسم من هم اثوار ومن هم المندسون الذين يحاولون ضرب الثورة تحت الحزام! وليكن واضحاً أن هناك من يحاولون إخراج قطار الثورة عن القضبان لصالح أجندات داخلية وخارجية! نريد أن نبدأ تاريخاً جديداً، بعيداً عن نكسة يونيو المؤلمة.. وعن انفتاح اقتصادي أفرز اللصوص.. وعن عهد تزويد إرادة الشعب في فترة الرئيس المخلوع.. وهذا التاريخ الجديد يحتاج إلي شعب لا تشغله المطالب الفئوية ولا ينظر تحت قدميه ولا يحترم فيه الصغير الكبير! كان الله في عون حكومة شرف لأنها الآن تحت منظار التاريخ.. إما أن تدخله من أوسع الأبواب إذا أعادت النظر في الوضع الراهن الآن، وإما أن يكون حكم التاريخ عليها قاسياً.. وهذا ما لا نتمناه لحكومة شرف.. أو شعب مصر!