أي شيء بالله عليكم أمر وأقسي علي النفس من الفقر، الفقر قرين الثالوث: الجوع والمرض والجهل، وهو عدو الانسان الأول يسلمه للمعاناة، وينغص عليه حياته، يملؤها بالآلام، ويلونها بلون الحزن الكئيب. الفقر والجوع والمرض امتحان للإنسان في الصبر والله سبحانه وتعالي بشر الصابرين.. قال تعالي (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة 155 . والفقراء المحرومون الجائعون الذين ليس لديهم مأوي لهم إلا الجنة - إن شاء الله - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام) رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.. وعن ابن عباس وعمران بن حصين رضي الله عنهم عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء.. الحديث) متفق عليه، من رواية ابن عباس ورواه البخاري أيضا من رواية عمران بن الحصين.. والفقر آفة عامة في العالم وعالمنا العربي جزء من هذا الكون المليء بالفقراء، ثلثي سكان العالم يعيشون علي دخل لا يزيد علي الدولارين في اليوم، بل ان علي هذا الكوكب الأرضي يعيش حوالي 1.7 بليون انسان علي اقل من دولار واحد في اليوم، فالعالم يعيش تناقضا عجيبا فبينما يموت عدد غفير من الناس من الجوع تقتل امراض التخمة عددا كبيرا!! هذا العدد الضخم من البشر الذين يعدون فقراء معدومين يحتاجون إلي خدمات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء وغيرها من الخدمات اللازمة للحياة الإنسانية، وفي دولنا العربية تصل نسبة الفقر في بعضها إلي 27 في المئة وفي بعضها الآخر تقفز النسبة الي 50 في المئة، ومن يتتبع الإحصاءات يجد ان اكثر من (75) مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر وهناك أكثر من (15) مليونا يعانون من سوء التغذية، أما في فلسطين التي تعيش تحت القهر والاستبداد والإرهاب الصهيوني فان 76 في المئة من سكانها يعيشون تحت خط الفقر. كارثة الفقر أصبحت تهدد البشر حتي أصبح 80 في المئة من سكان البلدان النامية فقراء في ظل العولمة الشيطانية الجديدة فأصبح أكثر من 5 مليارات من الناس من عدد سكان العالم البالغ (6.5) مليار انسان محرومون من أسباب العيش الكريم في ظل هذه العولمة التي حملت وستحمل معها كوارث اقتصادية علي المستوي الدولي، فأصبح الأغنياء يزدادون غني والفقراء يزدادون فقرا وجوعا.. عالمنا العربي ليس إستثناء بل ان أصحاب الثروات والاحتكارات يزدادون غني وسطوة وسلطة والفقراء يزداد طابورهم حتي أصبح لانهاية له، يعيشون في أكواخ سوادها حالك، بل ان بعضهم لا يجد مأوي يذوق فيه طعم الراحة كحالة أشقائنا في سوريا الذين يتعرضون في هذه الأيام في مناطق نزوحهم عن منازلهم وفي الداخل للصقيع وشدة البرد ومعظمهم يعيشون في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وغيرهم كثر.. صرخات الفقراء وأنينهم تدوي يسمعها حتي الأصم ، بينما رجال الثروات الطائلة وأصحاب السلطة يكنزون القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والدولارات حتي ضاقت بها خزائن البنوك، وهذا احد عوامل تفجر الثورات في بعض ديار العرب العاربة والمستعربة وسقوط أنظمتها السياسية ككرة (ثلج)، بعدما انضم عامل الفقر إلي العوامل الأخري وفي مقدمتها (استغلال السلطة والنفوذ، الفساد، الفقر، البطالة) التي أدت إلي الانفجار البركاني، بعد ان أسلمت تلك الأنظمة الفاسدة شعوبها للظلم والجوع والفقر والفساد وسلطوا أجهزتهم السلطاوية علي رقاب الناس يسومونهم الذل وعنت القهر وأصناف العذاب بلا رحمة ولا رأفة.. لا شك أن هناك علاقة وثيقة بين زيادة عدد السكان وتدني دخل الفرد وبالتالي تدني نسبة فرص العمل وينعكس ذلك علي البطالة والفقر وهذا هو حقيقة في ديارنا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من (300) مليون نسمة، معدل نمو السكان سنويا في معظمها أكثر من (3.3) في المئة سنويا.. وقد نادينا كثيرا لتأسيس بنوك وصناديق للفقراء لإعلان الحرب علي هذا الداء الخطير في دولنا التي تعترف بتغلغل الفقر بين مجتمعاتها، تحكم تلك البنوك اذا رأت النور قوانين تضمن المنافع كلها أو معظمها لهؤلاء الذين هم شريحة كبيرة مهمة في مجتمعات تستحق المساعدة وهو حق مهم لهؤلاء يجب ان تؤديه الدول والأغنياء فيها.. يجب ان تعلم الحكومات ان محاربة الفقر ليست مسألة اقتصادية فحسب بل هي مسألة انسانية وسياسية وأمنية، فليس أخطر علي النسيج الاجتماعي في المجتمع من انقسامه الي فقراء جدا وأغنياء جدا، وليس أخطر علي الدول واستقرارها من تفشي الفقر والجوع فالفقر يعرض الدول والعباد لخطر عظيم. حري بالدول العربية والإسلامية ان تطرق باب هذا النهج السليم لدعم كل فقير في العمل والسكن والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والدعم المادي والمعنوي.. الخ، والسير قدما في سفينة الحد من الفقر، وهي قادرة ان تفعل ذلك فلديها جميع المقومات التي تمكنها من بلوغ ذلك الهدف النبيل، فهي غنية بالنفط الذي يبلغ احتياطيه في الدول العربية (62) في المئة من إجمالي احتياطي النفط العالمي، كما انها غنية بالثروات الأخري من غاز وبدائل طاقة متعددة ومعادن.. الخ، ويمر عبر مياهها وقنواتها أكثر من 50 في المئة من صادرات العالم، وتجري علي أراضيها انهار عظيمة كالنيل ودجلة والفرات وغيرها، ولا يصح ان تكون خيراتها كثيرة وفقرائها يمثلون السواد الأعظم فهذا عار في جبين الدول.. وانها دعوة أيضا إلي الأغنياء لتذكر اخوانهم الفقراء الذين سبقوهم إلي الجنة، دعوة لكل قادر ان ينظر بعين عطف حانية إلي كل محتاج إلي كل طفل وطفلة، كل يتيم كل شيخ وكل شاب جائع، للفوز بالأجر والثواب بعيدا عن فتنة المال الذي يعد امتحانا واختبارا للإنسان من أين اكتسبه وكيف أنفقه، عن كعب ابن عياض رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (ان لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. يقول أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لو كان الفقر رجلا لقتلته)، ليت العرب وقادتهم يعلنون حملة صادقة ليست لقتل الفقراء وإنما علي الأقل الحد منه.