الفن دائما له دور كبير في توثيق الأحداث السياسية فى الدولة، على مرور السنين؛ بداية من ثورة 23 يوليو، وكانت العروض المسرحية التى قدمت فى ذلك التوقيت، ساعدت على شرح أهداف الثورة، ومنذ اندلاع ثورة 25 يناير وحتى ثورة 30 يونيو لم يقدم عرض يرقى لمستوى العروض القوية التى من الممكن استمرارها على مدار الأعوام القادمة، وتكون بمثابة توثيق للتاريخ والأحداث، بينما تحولت معظم العروض التى قدمت فى هذه الفترة إلى ما شابه الأفلام التسجيلية عن مشاهد الثورة. وبالفعل حاول عديد من المسرحيين تقديم عروض عن الثورة، خاصة الشباب فقدموا عروض مسرحية تحدثت عن تفاصيل وأحداث ثورة 25 يناير، وكان المسرح حاضرا بقوة فى ميدان التحرير، وتسابقت أكثر من فرقة حرة لتقديم عروضها واسكتشاتها داخل الميادين أثناء أيام الثورة، وجاءت معظم هذه العروض تلقائية ومباشرة تحمل انتقادات واسعة وحادة للنظام السابق ورجاله. وبعد الثورة قدم مسرح الدولة مسرحيات انتجت خصيصًا من أجل الاحتفاء بالثورة منها "هنكتب دستور جديد" إخراج مازن الغرباوى الذى حصل على جائزة الدولة التشجيعية, وإنتاج مسرح الشباب " تذكرة للتحرير" إخراج سامح بسيوني، كما أنتج مسرح الطليعة "كوميديا الأحزان" إخراج سامح مجاهد، أما الفرقة القومية للعروض التراثية، أنتجت "ورد الجناين" إخراج هانى عبد المعتمد، وقدمت فرقة المسرح الكوميدى مسرحية "فى إيه يا مصر" إخراج ياسر صادق، وفرقة المسرح الحديث، قدمت "حكايات الناس فى ثورة 19" إخراج أحمد إسماعيل، وإنتاج المسرح القومي، "قوم يا مصري" إخرج عصام الشويخ، بالإضافة لتقديم عشرات العروض للفرق الحرة والمستقلة مثل "حكاية ميدان" إخراج عمرو قابيل وغيرها من العروض التى قدمت على مسارح روابط والجيزويت وساقية الصاوى، وأيضا ساحة مركز الهناجر للفنون فى الأيام التالية للثورة مباشرة. وبعيدا عن العروض التى أنتجت خصيصا للاحتفال بالثورة قدم البيت الفنى للمسرح مسرحيات تتضمن اسقاطات غير مباشرة على الثورة والفساد الذى سبقها مثل: مسرحية "بلقيس" إنتاج المسرح القومى واخراج أحمد عبد الحليم، مسرحية "البيت النفادي" إنتاج مسرح الشباب واخراج كريم مغاورى، وأيضا العرض الارتجالى "شيزلونج" اخراج محمد الصغير وانتاج مسرح الشباب والذى اعيد تقديمه بعد الثورة بعد اضافة عديد من التعديلات، والمشاهد التى تواكب الثورة وأحداثها ومع بداية العام الجديد قدمت بعض العروض التى تميزت بتقديم رؤية غير مباشرة للثورة، وأحداثها مثل مسرحية "اهو ده اللى صار" تأليف محمد الرفاعى وإخرج محسن حلمى وانتاج مركز الهناجر للفنون. بينما يقول المخرج شادى سرور، معلقًا على عدم وجود عروض مسرحية قوية عن الثورة لتوثيق المشهد السياسى: " لا نمتلك شيئًا الآن يرقى لمستوى الثورة المصرية ليس فى المسرح فقط، فبعد ثورة 23 يوليو الدولة تقدمت ولكن بعد ثورة 25 يناير و30 يونيو البلد تأخرت كثيرا فى هذا المجال، بسبب التخبط الإدارى واستمرار تغيير القيادات الوزارية والمسئولين داخل كل وزارة، ومع ذلك هناك بعض العروض التى كان لها صدى مع الجمهور ونجحت لاصرار الشباب المشارك فيها على النجاح وإيمانهم بالرسالة التى يقدموها. يضيف "سرور": " نحتاج للنهوض بالمسرح وهذا لابد أن يتم بشكل جماعى، وليس فردى، فلابد من تعديل الدستور أولا وتعديل القوانين الخاصة بالمسرح التى تسير على نهج المحسوبية والمحاباة على حساب مواهب جيدة لم يتم الاهتمام بها بسبب المصالح الشخصية، فضلا عن الأموال التى تخصص للعروض المسرحية والتى تبعث على الضحك، فالمشكلة تكمن فى المنظومة الأساسية من البداية، فمن الضرورى إعادة التخطيط للبيت الفنى للمسرح، ووضع لوائح مالية، وخطة قوية معدة قبل بدء الموسم وإلزام الفنانين على إظهار عروض محددة خلال الموسم". يشير "سرور" إلى أنه منذ اندلاع الثورة ونحن من سئ إلى أسوء ولا شئ يتغير، قائلا": "العروض التى قدمت فى هذه الفترة لا تنم على وجود نظام قوى محدد من المنظومة الرئيسية للمسرح، و مجرد ارهاصات فنية من بعض المتفائلين"، مؤكدًا أنه قاطع الحركة المسرحية حاليًا بسبب عدم استقرار الأوضاع، ولكنه يقوم بتجهيز فكرة جديدة مع محمد محروس المشارك فى مسرحية " البيت النفادى" حتى تكون فكرة جديدة جاهزة عندما تستقر الأوضاع . ومن ناحية أخرى، أكد "سرور" أنه اتجه حاليا للسينما معتبرًا أنها أفضل حالا من المسرح فى هذا التوقيت، وسوف يعرض فيلم "9" للمخرج إيهاب راضى فى عيد الأضحى، والذى يشارك فيه مجموعة من الشباب . المخرج جلال عثمان يقول: "إن كل العروض التى قدمت منذ إندلاع ثورة 25 يناير وحتى الآن ليست على المستوى الجيد، والسبب الرئيسى عدم استقرار الأوضاع، فالأحداث سريعة ومتغيرة وهذا يجعل قلم المؤلف غير ثابت فى كتابة النص، ولذلك فما قدم قبل ذلك من الطبيعى عدم ارتقاءه لمستوى العروض القوية التى توثق أحداث الثورة بالشكل الصحيحى، لإختلاف الفترات الزمنية للأحداث السياسية ففى البداية كانت فترة مبارك وأعوانه وبعدها دخل حكم الإخوان وموقف أمريكا، وحتى موقف الشباب لم نعد نعلم على من نكتب فمن حركة 6 أبريل كان هناك تخبط وخيانة من رموزهم- على حد قوله- لذلك كنا نحتاج إلى فترة استقرار لعودة الكتابة بشكل صحيح" . يضيف " عثمان": " أعتقد أن الفترة القادمة فترة استقرار للأوضاع بعد موقف القوات المسلحة النبيل مع الشعب المصرى، وهذا ما يساعد على إفراز عروض جيدة عن الثورة المصرية، لتوثيق الأحداث". أشار "عثمان" إلى أنه يحضر الآن لمسرحية جديدة لعرضها على خشبة مسرح الغد ولكن مازال النجوم المشاركين لم يوافقوا لذلك فى انتظار موافقتهم وبدء البروفات، ورفض الإفصاح عن أى تفاصيل عن العرض المسرحى الجديد". أما المخرج الشاب "محمد الصغير" - مخرج عرض "شيزلونج"- يرى أن عدم وجود عروض قوية عن الثورة حتى الآن بسبب تخبط سياسة الدولة، قائلا: " بعد ثورة 23 يوليو كانت الدولة تهتم بالفن والمسرح، لأنهما تعلم أهميته فى اقناع الجمهور ووظيفته فى توثيق أحداث الثورة، ولكننا نتعامل الآن كموظفين وليس كفنانين فسياسة الدولة غير واضحة بالمرة"؛ مؤكدًا أننا نحتاج لطفرة فى وزارة الثقافة بأكملها، فضلا عن الاهتمام بالمخصصات المالية للعروض للإرتقاء بمستوى العرض، وأيضا نفتقد إلى الكتاب الجيدين فى المسرح. أشار "الصغير" إلى أن لديه فكرة جيدة ارتجالية، وهى عبارة عن وجبة فنية كوميدية بشكل مصرى، وتقدم الهوية المصرية ولكن فى طور التحضير وتتنتظر استقرار الأوضاع. الفنان هشام عطوة - مدير مسرح الهناجر- يقول: "عندما كانت مديرا لمسرح الطليعة قدمنا أول عرض عن الثورة وهو "تذكرة لميدان التحرير" وهو عرض تعبيرى عن الحالة فهو توثيق لما حدث بميدان التحرير، كما أنة كان هناك عروض من قبل الثورة مثل "نلتقى بعد الفاصل" للمخرج أحمد إبراهيم تتنبأ بقيام الثورة فالأحداث كانت تتم بالميدان وعن الناس المهمشين، وكذلك عرض "أخر حكايات الدنيا "الذى يتعرض لسيطرة الجيل القديم على الجيل الجديد، كما أنه قدم فى أواخر 2009 عرض "البؤساء" وهو يدور حول أزمة رغيف العيش وكان يعرض أيضا مشاهد للميدان والثوار"، مضيفًا أنه قدم عرض "سمك عصير الهضم" الذى طرح فكرة الرأسمالية الفاسدة وسيطرتها على حياة البسطاء بل وتشويهها كما تطرقت للإعلام الموجه وسيطرته على عقول البسطاء من خلال توجيههم فكريًا.