كم كان أمر فاجعا، عندما جاءني خبر قيام نفر همجى من قوى الظلام بالانتقام من فكر الكاتب الصحفى اللامع محمد حسنين هيكل، وذلك بحرق مكتبته فى بيته الريفي، بعد نهب نفائس محتوياتها، على نحو كان، لابد أن يعيد الى شاشة ذاكرتنا افعال قطعان النازية فى المانيا الهتلرية، ابان ثلاثينات القرن العشرين، حيث كانت تجمع الكتب الموجهة الى مؤلفيها سهام العنصرية المقيته، فى أكوام، تشعل فيها النيران، حتى تأتى على الكتب المتهمة، فتصبح رمادا وذلك الخطر الخطير الذى يتهدد الكتب بالحرق، لم تنطوى عليه من أفكار يحمل لها الهمج من العداء الشئ الكثير لم تقف أمامه الإنسانية مكتوفة الايدي، بل كانت تقاومه بلا هوادةومما هو جدير بالذكر هنا، أنه ومع اندحار النازية، وحليفتهما الفاشية، أنحسر الخطر، بل كاد أن يكون فى خبر كان غير أنه سرعان ما أن عاد الاحساس بأن الخطر لا يزال قائما، محدقا بالكتاب والفضل فى عودة ذلك الاحساس بالخطر، إنما يرجع الى قصة بقلم "راى برادبري" الاديب الامريكى ذائع الصيت، فى ذلك النوع من الادب الذى يطلق عليه أدب الخيال العلمي. وقصته هذه اسمها "فهرنهايت 451" ولقد لاقت رواجا كبيرا، لانها كانت من اوائل الأعمال الادبية التى نبهت الى خطر عودة محرقة الكتب، ولكن بصورة أكثر مكرا ودهاء فهم الآن يعملون على التخلص من الكلمة المقروءة، بإحلال الصورة والصوت محلها، حتى يجئ اليوم الذى تصبح فيه الكلمة المقروءة فى كتاب، أو فى غير ذلك من وسائل الاتصال، من الممنوعات التى تحظر القوانين حيازتها، وتعاقب أى مخالف للخطر عقابا شديدا وفى ظل هذه القوانين ومع مرور الايام يصبح الكتاب مطاردا، وحيثما يتم ضبطه يعدم فورا ويجرى الاعدام بالحرق، مثلما كان يحرق لهراطقة فى القرون الوسطي، حيث كانت الكلمة العليا لمحاكم التفتيش وكعهدنا بأية قصة ناجحة، سرعان ما جرى ترجمة "فاهرنهايت 451" إلى لغة السينما فى فيلم من إخراج "فرانسوا تريفو" أحد رواد الموجة الجديدة الفرنسية وتدور أحداث فيلمه فى مدينة من صنع الخيال، حيث المهمة الاولى والاخيرة المكلف بها رجال الاطفاء، ليست أطفاء الحرائق، وإنما وعلى غير المعتاد، التخلص من الكتب المضبوطة جنائيا، باحراقها حتى تصبح هباء والدوران الرئيسيان فى الفيلم، اسندهما المخرج الى الممثل الامريكى اوسكار فيرنر فى دور "مونتاج" عامل احراق الكتب والممثلة البريطانية "جولى كريستي" التى تلعب فى الفيلم دورين أحدهما دور زوجة "مونتاج" الفاقدة الذاكرة والوعي، بحكم ادمانها الجلوس أمام شاشة تلفاز كبير والآخر دور "كلاريس" الفتاة المتمردة، على القوانين الجائرة التى تخطر القراءة، واقتناء الكتب وبفضلها أخذ "مونتاج" يضيق من غيبوبة اللاوعي، حتى انتهى به الامر متمرد، بدوره، معاديا للنظام ومن اللقطات شديدة التأثير فى الفيلم، تلك اللقطات التى تحرق فيها الكتب المضبوطة، بواسطة قوات اشعال الحرائق، وبخاصة لقطة صاحبة المكتبة المليئة بذخائر الكتب الادبية والفلسفية، حيث نراها تختار الموت محروقة مع الكتب، مفضلة بذلك الا تبقى حية، فى عالم بدون كتبها، كل ما فيه حالك السواد وختاما، يظل لى أن أقول أن فيلم "فاهرنهايت 451" رخص له بالعرض العام، فى نادى السينما بالقاهرة وبعد ذلك طواه النسيان!!