أشرت في المقال السابق عن فكرة رؤية الناقد الفني المحترف محمد كمال التي تصبو تجاه الكشف عن القيم الفنية الكامنة في اعمال سبعة عشر فنانا من أقاليم مصر، ويؤكد علي أهمية القضاء علي مركزية النقد، وفي الوقت نفسه يضع هؤلاء النجوم في جسد الحركة الفنية بعيدا عن تجاهل وسائل الإعلام التي تمركزت في العاصمة، فهذا الإصدار يعد وثيقة كهكة ومعرفة عميقة لدي الملتقي سواء بالعاصمة أو في ارجاء الوطن بل سيتجاوز الحدود الي المنطقة العربية، وهذه بداية اخري استمرارا الي بعض المؤلفات المهمة للناقد الكبير محمد عز الدين تجيب «الصامتون» علي دراسات كثيرا عن رفع الظلم عن الفنانين المسكوت عنهم في اقاصي الاقاليم شمالا وجنوبا ورد الاعتبار اليهم والي المخزون الحضاري الذي تنبع منه اعمالهم. كما اشار في نهاية مقدمته للكتاب، واستكمالا للتجارب الفنية المتميزة للفنانين الخمسة عشر، يقول الناقد في رسومات وتصاوير رباب نمر »8391» نعت المشهد علي الجدار الشعبي. فاذا تأملنا اعمال الفنانة، فسنجد انها تتدرج من التكوين البشري الاحادي الي مثيله المركب الذي يصل احيانا الي حالة من الاحتشاد، مرورا ببناءات متدرجة العدد.. ففي عمل «الصياد والسمكة» تسمية الاعمال من وحي الكاتب يقبع صياد داخل قاربه،ممسكا احد المجدافين بيده اليسري. بينما بدا الاخر حرا، وقد ظهر مرتديا زي الصيادين المألوف من الطاقية والصديري والسروال، بينما رقدت سمكة علي مقدمة القارب.. وفي هذا التكوين تبدأ الفنانة رسالتها التعبيرية من ملامح وجه الصياد ويديه، والتي تميل فيها الي تحريف النسب التشريعية علي سمتها الاصلي.. أما الموروث الشعبي في تصاوير سعد زغلول 1491 بين العادات الطقسية والملاحم الطفولية يقول الناقد محمد كمال.. وقد عاش زغلول طفولته وصباه مع اسرته عند الطرف الشمالي لمدينة اسيوط، حيث ضفاف ترعة الابراهيمية التي تغمر بمياه النيل بعد فيضانه.. لذا فليس مدهشا ان تستقر اعمال سعد زغلول التصويرية في المنطقة الواقعة بين العادات الطقسية والملاحم الطفولية. فاذا دققنا في اعمال الجانب الاحتفائي، فسنجد ان الفنان يبني صورته بدافع من لقطة مرئية محددة يحشد فيها شخوصه دون تفاصيل. قد تلقي بروح المشهد في بئر التطريز الشكلي، ويقول عن شاكر المعداوي 4491-1102 جنين في رحم المكان.. بين سحر الطبيعة وغواية الجسد.. والمعداوي يحاول دائما بناء تكوين ارابيسكي النسيج يسيطر علي العين بشكل تصاعدي.. محركا إياها من الكلي الي الجزئي والعكس، حتي ان الصورة عنده تبدو في بعض الاحيان كقطعة من الزجاج المعشق يربض هو خلفها ليستشف ذلك الضياء الذاتي المنبعث من شخوصه وكائناته الذاتية في جسد المكان». عبدالمنعم مطاوع »5391-2891» ينحت تصاويره علي جواد الموت.. من حضن الوطن الي نداهة السماء يقول محمد كمال «واعتقد ان المدقق في رسومات وتصاوير عبدالمنعم مطاوع مرتكنا الي الطرح السالف، سيجد انها تمثل مصاب لثلاث، روافد هي البيئ والتراثي والنفسي.. فإنني اعتقد ان المشوار الابداعي للفنان الكبير عبدالمنعم مطاوع يمثل شريحة تطبيقية لتعاشق الالام بالامال». عصمت داوستاشي »3491» ملامح في بحر التراث.. من العزلة الصوفية الي البراح الشعبي.. وامتدادا لجذوره البحر المتوسطية، فقد شكل منزل جدة عصمت ركنا مهما في بناء شخصيته، والذي كان رابضا في شارع وكالة الليمون.. حيث خصص للمخازن الكبيرة الحاوية للبضائع.. والمشهد الذي للسفن الحديدية والخشبية والشراعية.. وتداخلات اصوات الماكينات مع صياح الناس وترانيم النوارس واغاني الصيادين يكشف الناقد عن روافد المكون النفس والفكري وملامح رؤيته الفنية.