الاجراءات المالية التي افترحناها في مقالنا السابق ضرورية من أجل استدامة السلامة المالية. غير أنها وحدها سوف تؤدي إلي ركود الاقتصاد المصري وهي فيه حاليا. ولذلك يجب أن تصمم بقية السياسة الاقتصادية أي السياسة النقدية والاستثمارية وسياسة التشغيل بحيث تدفع عجلة الاقتصاد، وتزيد من دوران رأس المال، وتمنع الاستمرار في براثن الركود التضخمي الذي نعاني منه الآن، ويتم ذلك عن طريق الاجراءات التالية: السياسة النقدية والمصرفية: للبنوك امكانات بشرية ومالية ومعرفية هائلة، تستطيع توظيفها في تنشيط الاقتصاد المصري والاسهام في خروجه من حالة الركود التضخمي الحالي، ويجب أن تدعم الحكومة الجديدة الجهاز المصرفي في اتباع ما يلي: 1- تشغيل المصانع المتوقفة أو التي تعمل بأقل من طاقتها طالما كانت هذه المصانع مجدية من الناحية المالية والتسويقية. 2- الترويج لمشروعات كبيرة تشغل أيدي عاملة كبيرة بناء علي دراسات جدوي عميقة، كي تنتج منتجات تصديرية أو تحل محل الواردات. 3- تعويم الشركات المتعثرة بسبب نقص الطلب وخاصة في قطاع السياحة الذي لحق به ضرر كبير منذ ثورة يناير. 4- تخفيض سعر الفائدة علي القروض والتسهيلات الائتمانية للشركات الصناعية، خاصة وأن البنوك قد حققت أرباحا طائلة في العام الماضي. 5- أن يزيد البنك المركزي من الاصدار النقدي الجديد، وذلك كي يعوض اكتناز النقود الذي زاد كثيرا في الفترة الماضية خوفا من عدم توافر السيولة. ولا يتوقع أن يسبب ذلك ارتفاعا في الأسعار حيث إنه يعوض التسرب الذي حدث في النقود خارج التداول. 6- أن يميز البنك المركزي في سياسة قبول الودائع لليلة واحدة لصالح البنوك التي ترتفع فيها نسبة الاستثمار المباشر في المشروعات وليس شراء أذون الخزانة. 7- أن يخصص الجهاز المصرفي مبالغ متزايدة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مع مدها بالمعونة الفنية اللازمة لتفعيل تسويق منتجاتها عن طريق التصدير أو في السوق المحلية. 8- اعطاء مزيد من الاهتمام لتمويل المشروعات متناهية الصغر نظرا لقدرتها علي زيادة التشغيل بتكلفة قليلة، وزيادة الاستهلاك الضروري لدفع عجلة الانتاج. السياسة الاستثمارية: إن الاستثمار محرك رئيسي للنمو الاقتصادي، ومنبع فرص العمل الجديدة في مصر وغيرها. ولا أشك في أن الحكومة الجديدة سوف توليه أهمية خاصة في برنامجها. 1- بالنسبة للاستثمار الأجنبي المباشر فعلي الرغم من أهميتة الا أنه مؤجل في الفترة الحالية نظرا للمخاطر المحيطة بالاقتصاد المصري إلا أنه في ضوء المعونات التي قدمتها السعودية والامارات والكويت مؤخرا فمن الممكن تشجيعها علي الاقدام علي الاستثمار في هذه الأيام، وأن فيها مصلحة مشتركة لهم ولنا. 2- إن الثقة عنصر أساسي في اتخاذ قرار الاستمار، وقد تقلصت هذه الثقة كثيرا في العامين الماضيين نتيجة لعدم احترام العقود، والمساءلات غير المبررة، والنظرة المتشككة إلي رجال الأعمال بدون تمييز ومن ثم يصبح زرع الثقة وتنميتها بجميع السبل جوهرية في دفع عجلة الاستثمار والمناخ الحالي يشجع علي التشاور والحوار بين الحكومة ورجال الأعمال والعمل بطريقة متناغمة لاستعادة الاقتصاد المصري لعافيته. 3- ساد في فترة سابقة منطق »الجباية» علي الحكومة مما أدي إلي رفع تكلفة الاستثمار، واقلال تنافسيته علي الرغم من أننا نعيش في عالم منفتح علي بعضه، وبه منافسة شرسة علي جذب الاستثمار المحلي والأجنبي علي حد سواء، وقد رفعت هذه الظروف إلي خروج المستثمرين بمصانعهم ومشاريعهم إلي الدول الأخري. وآن الأوان من أجل مصر والمصريين أن نجعل مناخ الاستثمار جاذبا بجميع السبل سواء الأمن والاستقرار، وفوق ذلك كله جعل تكلفة الاستثمار تنافسية سواء من ناحية ثمن الأراضي أو تكلفة المرافق، أو توفير العمالة الماهرة عن طريق التدريب والتأهيل وغيرها. 4- يمكن تخصيص جزء من توفير النفقات وزيادة الايرادات السابق اقتراحها كي تستمر الحكومة في تعبيد الطرق ومشروعات الصرف الصحي وغيرها من المشروعات التي تزيد من رأس المال البشري، مما ينشط الاقتصاد ويحسن كثيرا مناخ الاستثمار. السياحة: إن ترسيخ الأمن المستتب، والتنافس السياسي السليم كفيلان بإحداث رواج كبير في السياحة وايراداتها في فترة وجيزة. وهي عنصر رئيس في البرنامج قصير الأجل الذي يكفل النمو، وزيادة العمالة، وتحسين دخول قطاعات عريضة من المجتمع بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ولا جدال في أن الحكومة الجديدة سوف تولي هذا الجانب اهتماما خاصا نظرا لمنافعه الجمة. مرة آخري إن مصر قادرة علي الخروج من أزمتها، وعلينا جميعا أن نتكاتف من أجل تحقيق مصر القوية، وأن نترك الاقتتال والصراع علي السلطة التي لا تحقق إلا مصلحة أعداء الوطن، وأدعوا الله للحكومة الجديدة أن يوفقها في تحقيق أمن مصر واستقرارها والتنمية والتقدم لشعبها.