بعد نهار طويل تابعت خلاله كل ما قيل من خطب وكلمات علي المنصة التي نصبت عند مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر في جمعة "حماية الثورة نبذ العنف"، بعد ان سمعت من يهدد بسحق من سيشاركون في مظاهرات 30 يونيو، وسمعت من يتحدث عن "رش الماء" و "ورش الدم"، بعد ان احسست اننا قادمون علي معركة مأساوية ودموية لا مفر منها، اخذتني قدماي إلي منصة أخري تم نصبها أمام وزارة الثقافة بشارع شجرة الدر بالزمالك، في الثامنة مساء كانت حشود المعتصمين من المعترضين والمعارضين لوزير الثقافة تكاد تغلق الشارع، ربما تشعر وانت هناك انك كان يجب ان تحجز لنفسك مكانا قبلها بساعات، الوجوه التي رأيتها وجوه مبتسمة، سعيدة، ترتسم عليها كل علامات الاصرار والتحدي، بينهم اناس لا علاقة لهم بالاعتصام أو الاعتراض، ربما لا يعنيهم المعركة الدائرة بين المثقفين والفنانين والوزير، جاءوا ليستمتعوا بما يقدمه الفنانون والمثقفون من فقرات فنية في الشارع، والمنصة التي نصبت لتحمل اسم "مسرح الثورة"، انتقلت كافة انواع الفنون من اماكن عرضها داخل القاعات والمسارح المغلقة ليشاهدها الناس بالمجان في ساحة عرض مفتوحة بالهواء الطلق، لتشكل ظاهرة جديدة لم يعهدها الشارع، ظاهرة تؤكد علي قوة الفن والفنان في التحدي والمقاومة واثبات عمق الهوية المصرية الضاربة في جذور التاريخ التي لن ترهبها صيحات التكفير أو التهديد، أو التخوين، في صباح ذات اليوم جزعت نفسي من عبارة "سوف نسحقهم"، في المساء حلقت روحي في السماء مع ابدعات عازفة "الماريمبا" نسمة عبد العزيز في اللقاء المشترك مع نغمات د. ايناس عبدالدايم رئيس دار الأوبرا المقالة علي آلة "الفلوت"، الليلة شكلت احتفالا راقيا حمل عنوان "الفن مقاومة"، ليلة تزامنت مع الاحتفال باليوم العالمي للموسيقي، رائحة العندليب عبدالحليم حافظ نسمت المكان بأغنيته "أحلف بسماها وبترابها"، اذهلتني عازفة "الهارب" منال محيي الدين برقة تلك الالة الفرعونية المحفورة علي جدران المعابد، تعايشت مع فرقة براعم الأوبرا والمقطوعات الموسيقية للأغاني الوطنية، استمتعت بالعزف المشترك لماجد سرور علي "القانون"، وعبد الرازق أحمد علي "الرق"، وغناء رحاب مطاوع ومروة ناجي وأمجد العطافي وإيمان عبد الغني وخالد عبدالغفار، الطفلين سيف الله وشهاب الدين محمود من فرقة "تنمية المواهب" بالأوبرا، ما امتع ان تري الرائع هاني حسن يستحضر وسط حلقة مستديرة بالشارع "زوربا" اليوناني ليقدم رقصته الشهيرة بمشاركة بعض راقصي فرقة الباليه، فمثل هذه الاعمال كان معتاد ان يشاهدها اصحاب الملابس الرسمية بالاوبرا، الان وبفضل التحدي والمقاومة خرجت للناس في الشارع، فشكرا لوزير الثقافة الذي جمع الفنانين والمثقفين لتحديه ومقاومته بالكلمة والاغنية والنغمة والرقصة ولوحات التعبير التشكيلي!