صالات فارغة .. وجمهور ضعيف .. وإيرادات معدومة.. وخسائر فادحة تتكبدها شركات الإنتاج.. هذا هو حال السينما المستقلة الآن في مصر.. حيث لم يحقق فيلم "هرج و مرج" للمخرجة نادين خان والبطلة أيتن عامر، سوي 30 ألف جنيه خلال أسبوع، ومن قبله فيلم "الشتا اللى فات" لعمرو واكد، و المخرج إبراهيم البطوط، والذي لم يحقق إيرادات تذكر، أما فيلم "عشم" للمخرجة ماجي مرجان الذي سيتم طرحه في دور العرض خلال يومين سيعرض في 8 نسخ تقريبا وهو ما يصعب معه تحقيق إيرادات. في البداية يقول الناقد رفيق الصبان "برغم الدعاية الايجابية عن هذه الأفلام من خلال الجوائز و الإشادات النقدية الا انها سقطت , و مع الأسف تأكدت المقولة الشائعة "النقاد فى واد و الجمهور فى واد اخر" , فيلمى "هرج و مرج" و "عشم" تحديدا صاحبهما ضجة نقدية مثل مقال الناقد الكبير سمير فريد عن فيلم "هرج و مرج" فى جريدة المصرى اليوم حيث كتب صفحة كاملة و اعتبر الفيلم حدث فى تاريخ السينما المصرية و مع ذلك لم يحقق الفيلم إيرادات و سحبت كثير من نسخه في دور العرض بعد اسبوعين , رغم أن هناك أفلاما في منتهى التفاهة، وقال عنها النقاد إنها في شدة الابتذال، ومع ذلك ذهب إليها الجمهور. و هذا ليس له الا دلالة واحدة وهو تدهور الذوق العام للجمهور، نتيجة انحصار الإنتاج المصري فى نوعية معينة من الأفلام الاستهلاكية، فقديما كانت السينما المصرية تنتج من 30 إلى 40 فيلما في العام، منهم 25 فيلما تجارياً و 15 فيلما قيماً ، مما كان يحدث نوعا من التوازن المقبول يتربى من خلاله الذوق العام , لكن الان حدث انفصال هائل بين ذوق الجمهور و آراء النقاد، ما يضعنا في حيرة كبيرة، فالأفلام التي تعبر عن السينما الحقيقية و المشاكل الواقعية و تحمل قدراً من الرؤية تسقط مع الأسف. وأضاف "الصبان" أن تغيير الذوق العام للجمهور يحتاج لمجهود أعوام و لن تحل الأزمة خلال عام أو عامين. و عن الحلول من وجهة نظره قال " الصبان" الحلول تكمن في عدة نقاط أهمها: تغيير الذوق العام للجمهور و هذا أمر ليس بأيدينا، و عودة الدولة للإنتاج السينمائي، و العمل على زيادة دعم وزارة الثقافة ، وعودة القطاع العام الذي يعد أهم الحلول، مع الإدراك أن أن الأزمة شائكة و تحتاج إلى وعى و صبر و انتظار ومعهما استشعار بالخطر" . تراكمات الجمهور و يقول الناقد طارق الشناوي " الموضوع خطير، و كنت قد كتبت مقالا عنه، من قبل، فالجمهور يمتلك تراكمات مرتبطة به تجعله يذهب للفيلم من أجل عيون النجم أو البطل، لا من أجل القصة أو المخرج، وهي ثقافة لا تستطيع أن تمحوها. وأضاف " الشناوي" أن الجمهور يحتاج إلى كثير من الأفلام التي تحصد الجوائز وتنال إعجاب النقاد بلا نجوم شباك مثل "هرج و مرج" و "عشم" و "الخروج للنهار" و مع الزمن سيحدث تراكم ؟ و على صناع هذه الأفلام أن يضعوا رغبة الجمهور في اعتبارهم أثناء الصياغة السينمائية، بمعني أن تكون أسهل، وتعتمد على مفردات الجمهور وأفكاره ، فعلى سبيل المثال في فيلم "مواطن و مخبر و حرامى" للمخرج داوود عبد السيد لم يكن في الفيلم نجوم شباك مثل خالد ابو النجا و هند صبري و صلاح عبد الله، و استعان وقتها بالمطرب الشعبى شعبان عبد الرحيم و مع ذلك حقق الفيلم إيرادات . وأضاف : ليس الدعوة في أن يتخلى صناع السينما المستقلة عن أفكارهم لكن عليهم أيضا أن يعيدوا التفكير فى كيفية عودة الجمهور إلى تلك الأفلام، لأن سينما بلا جمهور لا معنى لها . ثلاثة عوامل و تقول الناقدة "ماجدة موريس" هناك عوامل كثيرة تسببت في هذا الأمر، أولا أن المجتمع المصري الآن يمر بأزمات سياسية و غير مستقر و من يذهب إلى دور العرض أقلية، ثانيا هذه الأقلية يبحثون عن الضحك في ظل الظروف و الأزمات التي تعانى منها مصر الآن لتغيير "المود" فيذهبون لأفلام محمد سعد و أحمد مكي حتى و إن كان غير عاشق لهذه النوعية ،ثالثا هناك دعاية مضادة للسينما المستقلة تتلخص في أن كل ما فيها "هم" و مشاكل . و عن حل الأزمة من وجهة نظرها قالت "ماجدة" : "تصنيف دور العرض حسب جمهورها هو الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة، ففي الخارج هناك قاعات مخصصة لأفلام السينما المستقلة و الأفلام الوثائقية، يتراوح عدد جمهورها ما بين 80 إلى 100 شخص ،أما السينما في مصر فهي محسوبة على شباك التذاكر. سينما غير جماهيرية الناقد عصام زكريا يرى أن "هذه الأفلام تمثل سينما غير جماهيرية و يجب ان نعترف بهذا , فالسينما التجارية في مصر لها "تيمات" معينة وهى الأفلام الكوميدية الصارخة أو أفلام الأكشن التي يقوم ببطولتها نجم واحد، وهي الوحيدة التي تجذب الجمهور، أما بقية الأنواع فلديها مشاكل مع الجمهور بما فيها السينما المستقلة . ويضف : الأمر الايجابي في تجربتي "هرج و مرج" و "عشم" أن هذه الأعمال عرفت طريقها للعرض، و بدأت تجد فرصة، و هذه أول خطوة على طريق اقترابها من الجمهور،وجذب المشاهدين، فليس من المنطقي أن تحقق النجاح الجماهيرى بعد عرضها مباشرة فالأمر يحتاج إلى وقت، و طرح هذه الأفلام سيفيد الجانبين؛ الجمهور وصناع الأفلام ، حيث يشاهد الأول نوعية مختلفة من السينما ، ويتعلم الآخر " صناع السينما" الاحتكاك مع الجمهور و كيفية صناعة فيلم يحمل المواصفات السينمائية، و يتمتع بالجاذبية و القابلية الجماهيرية . ولكن لا يجب أن ننسى أننا نمر الآن بظروف استثنائية صعبة هي التي تتحكم في السوق السينمائي جعلت الاقبال على دور العرض ضعيفا جداً من بينها الانفلات الأمني، و الثانوية العامة، و الحر الشديد، بالإضافة إلى الظروف السياسية الصعبة، التي حرمت حتى الأفلام الكوميدية من تحقيق الإيرادات المرجوة منها.