المفروض في قيادة أي مجتمع أن تبصِّر الشعب بحقيقة أوضاعه والمخاطر التي تهدده، ثم تستثير همته من أجل تقدم المجتمع ورفعة شأنه وتحسن الأحوال المعيشية للجميع، وهذا لا يعني ألا تهتم هذه القيادة بمطالب الشعب وتطلعاته. إنما عليها أن تميز بين ما تستجيب له وبين ما يكون ضارا ومن ثم لا تستجيب له، ويصح ذلك بصورة أوضح في المجتمعات الديمقراطية التي تتميز بتعدد الاتجاهات والمطالب وتضاربها في كثير من الأحيان مع بعضها البعض. ويستجيب المجتمع لهذا الموقف عندما يكون له ثقة في قيادته وتمتعها بالمصداقية، وتمتثل الأقلية لرأي الأغلبية، حيث أن هذه هي قواعد الديمقراطية، وتتحمل القيادة نتيجة أعمالها، إن كانت خيرا أعيد انتخابها، وإن كان أداؤها سيئا فلن يعاد انتخابها، أما إذا انقادت إدارة المجتمع لجميع مطالب الشعب، وحاولت إرضاء الجميع، فإنها لن تفعل شيئا، ولن تحقق الصالح العالم، خاصة إذا كانت هناك تيارات متعارضة ومصالح متضاربة. طرأ هذا علي ذهني من دافع تذكر حالة في ظل النظام السابق وأخري بالنسبة للنظام الحالي، أما في النظام السابق، فقد ركز السابق في سياسات الرئيس علي محاولة إرضاء الجميع، وأن يحاول نظامه تجنب إغضاب أحد، وكانت النتيجة أن غضب الجميع ولم يرض أحدا، وتفكك المجتمع وثار عليه ثورة باهرة، ولم يصل إلا إلي عكس مراده، وهو الخلع من كرسي الحكم بدلا من التأبيد فيه. أما الحالة الأخري في ظل النظام الحالي، فهي خبر تسجيل مليون مولود جديد في بطاقات التموين، فمن المعروف أن نظام البطاقات لا يتبع إلا في فترات الحروب، ويلغي بعدها، وأما في مصر فقد استمر هذا النظام بعد الحرب العالمية الثانية، واستمر إلي الآن، بما يسمي الدعم العيني وليس الدعم النقدي، والمفروض أن يصل هذا الدعم إلي المحتاج الذي يستحقه، وليس إلي من لا يستحقه، فإذا سلمنا بأن من يستحق الدعم هو »الفقير» في تعريف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نسبتهم إلي مجموع السكان بحسب آخر إحصاءات ميزانية الأسرة، هي 25٪ من السكان، المقدر عددهم حاليا بنحو 84 مليون نسمة، وعدد السكان المسجلين في بطاقات التموين يقدر بنحو 65 مليون نسمة، أي أن هناك نحو 44 مليون نسمة ممن يحصلون علي الدعم وهم لا يستحقونه. ومن عجب أن جميع المسئولين الحاليين والسابقين يعلمون ذلك، ومع هذا نعلن عن تسجيل مليون مولود جديد في بطاقات التموين، في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من عجز خطير في الموازنة العامة للدولة. فكيف يكون ذلك؟. إن القيادة القدوة للمجتمع تقتضي أن نخفض أعداد من لديهم بطاقات تموين تدريجيا إلي أن تلغي كلية، ومن يستحق الدعم فعلا فليحصل عليه نقدا حتي نضمن استحقاقه فعلا. ولا شك أن بعض العائلات محدودة الدخل قد رزقت بمواليد جدد، فمن حقهم في ظل السعي نحو تحقيق مطلب العدالة الاجتماعية أن تسجل مواليدهم، ولكن في المقابل إلغاء أضعاف أعدادهم ممن لا يستحقون الدعم، بحيث يخفض الضغط علي الموازنة العامة للدولة. إن القيادة القدوة، هي التي تتخذ ما فيه مصلحة المجتمع حتي لو كان ضد رغبات البعض، وعندما يكون لها مصداقية فسوف يتكاتف معها الجميع، وصدقت المقولة بأن من يسع إلي إرضاء الجميع فلن يُرضي أحدا، وسوف يفقد نفسه.