ثانياً: الصراع السياسي يعترض البعض علي الأمور المتعلقة بالمشروع من وجهة نظر سياسية بحتة بمعني أن المشروع مقترح من السلطة الحالية، والمعارضة لا تتفق معها، وتعارض المشروع من وجهة نظر الصراع السياسي، وليس وجهة نظر المصلحة العامة لمصر. وهذا الأسلوب لا يسهم في حل المشكلات الجسام التي يواجهها الاقتصاد المصري، ويجب علينا جميعاً أن نقيم هذا المشروع من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، أي ندرس منافع المشروع وتكاليفه، وجدواه العامة، ولا يصح أن يكون المشروع ميداناً للصراع السياسي، وفي جميع الأحوال، يجب أن يستوفي المشروع الذي سيتم اقتراحه القيود السابق ذكرها من الأمن القومي وتنمية سيناء وحرية الانتقال إليها وغيرها. ثالثاً: محور أم اقليم: يعترض البعض علي تسمية المشروع »بإقليم» قناة السويس، علي أساس أنه يجعل هذه المنطقة خارج الوطن، ولا يكون لنا سلطان أو سيادة عليها، لا نقبل أن يستبعد شبر من أرض مصر عن السيادة المصرية، وينبغي أن تكون صياغة القانون بالنسبة للمشروع بتوضيح ذلك، نعم نعاني في مصر من البيروقراطية المعوقة وتعقيداتها، ولكن لا يؤدي هذا إلي التنازل عن السيادة المصرية، وغني عن القول أن المناطق الحرة وعندنا منها في بورسعيد والسويس وغيرها تعتبر خارج حدود الدولة وتطبق عليها قواعد خاصة لتحرير التعامل بها، مع الحفاظ علي مصالح الدولة، ولا يقول أحد إن هذه المناطق خارج السيادة الوطنية، وهذا ما ينبغي أن يكون بالنسبة لمحور أو اقليم قناة السويس، أما المسمي فهو أمر شكلي، والمهم هو المحتوي والمضمون.. رابعاً: مكونات المشروع: يوجد حالياً علي طول قناة السويس ثلاثة مشروعات رئيسية لها قوانين خاصة هي: منطقة خليج السويس وميناء العين السخنة واقليم التكنولوجيا أو وادي السليكون بالاسماعيلية، فضلاً عن ميناء شرق التفريعة، والمشروع الذي تتبناه اللجنة الاستشارية المستقيلة هو مشروع لتطوير بورسعيد بحيث تصبح منطقة لوجستية صناعية وتخزينية، وميناء محوري كبير لحركة التجارة الدولية مما يزيد من إيرادات مصر من الحاوية الواحدة إلي أكثر من ألف دولار بدلاً من نحو 09 دولاراً حالياً.. أما المشروع البديل، الذي لم يتم تحديد معالمه بعد، فهو يشمل جميع المشروعات علي طول قناة السويس والأراضي التي تضم إليها بقرار من رئيس الجمهورية الواقعة شرق القناة وغيرها، فأي المشروعين ننفذ الآن. إن معايير الاختيار يجب أن تكون واضحة وتأخذ في الحسبان الظروف المحلية والاقليمية والدولية، وأهم معالم هذه الظروف هي: محلياً: يعاني الاقتصاد المصري حالياً من الظروف التالية: أ نقص الموارد العامة للدولة وتضخم حجم الدين المحلي مما يقلل من قدرة الدولة علي التوسع في الاستثمار، فضلاً عن أهمية سرعة حصولها علي إيرادات جديدة. ب زيادة معدل البطالة التي تقدر بنسبة أكبر من 31٪ من القوة العاملة أي نحو 4 ملايين عاطل وهذا يستلزم زيادة فرص العمالة المنتجة بأسرع وقت ممكن. ج انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلي أقل من معدل نمو السكان، ويلزم زيادته بحسن استخدام الموارد المتاحة القريبة من التشغيل الكامل. د نقص حصيلة البلاد من العملات الأجنبية مما يؤدي إلي ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري، الذي يسبب ارتفاع تكلفة الغذاء وزيادة أعباء الحياة علي المواطنين ضمن أضرار أخري.. اقليمياً ومحلياً: تواجه مصر وقناة السويس علي وجه الخصوص تحديات جسام، قد تسحب منها حركة الملاحة والنشاط الاقتصادي، فيجري حالياً في إسرائيل تنفيذ مشروع قناة كبيرة في ميناء إيلات لخلق منطقة صناعية لوجستية، علي أن تنقل البضائع بعد ذلك بالسكك الحديدية إلي البحر الأبيض، وإذا تأخرنا في تنفيذ مشروع بورسعيد، فإن هذا سوف يؤثر سلباً علي إيرادات قناة السويس حالياً ناهيك عن الإيرادات المتوقعة مستقبلاً، كذلك فإن مشروعات القطب الشمالي سوف تستقطب جزءاً من حركة قناة السويس إذا تأخرنا في تفعيل مشروعات القناة. في ضوء هذه الظروف، فإن الرشد الاقتصادي يحتم علينا أن نشرع فوراً في تنفيذ مشروع بورسعيد، وأن نفعّل المشروعات القائمة الأخري مع الاستمرار في دراسة مشروع اقليم قناة السويس، والنظر فيما يمكن عمله بعد استكمال الدراسات.. والله من وراء القصد.