دعوني اليوم أخرج مما يحدث في الشارع المصري، ابتعد قليلاً عن حكومة قنديل فهي لاتري ولاتسمع ولاتتكلم، فنحن ننفخ في قربة مقطوعة، سأبتعد وأخرج من هذه الدنيا إلي دنيا أخري داخل حوائط السجون ففيها يقبع الكثير من المظاليم.. منهم.. الغارمون الذين يبلغ عددهم حسب الحصر الأولي الذي قامت به مؤسسة مصر الخير مايقرب من الثلاثين ألف غارم وغارمة تم فك كرب والإفراج عن 12 ألفا منهم منذ بداية المشروع في إبريل 2010. أمهات وآباء بسطاء يقبعون في السجون لا لجريمة ارتكبوها بل لأنهم لم يستطيعوا سداد ثمن ثلاجة أو بوتاجاز أو غرفة نوم لتجهيز ابنائهم، فيتم حبسهم بعد أن يتقدم البائع الذي لا ضمير له بالإبلاغ، فهو يقسم مثلا ثمن الثلاجة الذي يبلغ ألف جنيه إلي عشرة إيصالات أمانة، كل إيصال بقضية منفصلة يحكم بها علي الغارم بعام أو ثلاثة أعوام ليصل الحكم علي الغارم إلي عشر سنوات مثلاً لأنه لم يستطع سداد بضعة جنيهات، ويسجن معه أيضاً الضامن الذي في الغالب يكون الزوج أو الزوجة لتتشرد أسرة بأكملها ويضيع الأبناء في الشوارع بسبب الجهل والفقر وقسوة الحياة، حين تستمع إلي تجاربهم تبكي بكاء مراً، كل منهم يمثل رحلة كفاح وأزمات عايشوها بسبب الفقر وبدلاً من فك كربهم يقبعون داخل السجون كل جريمتهم أنهم فقراء، هؤلاء تم نسيانهم لعهود طويلة، فمن منا كان يعرف من هم الغارمون، كلنا كنا نمر مرور الكرام حين نقرأها في الآية الكريمة رقم 60 بسورة التوبة " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " رغم أنها أحد المصارف المهمة للزكاة والصدقات، من منا كان يعرف أن بداخل السجون الآلاف من هؤلاء، من هذه الآية يتجلي أن الغارمين لهم سهم في مصارف الزكاة الثمانية ناهيك أنهم يقبعون في السجون بسبب الديون التي لم يستطيعوا سدادها، إلي أن اكتشف ذلك الشيخ الجليل د. علي جمعة مفتي الجمهورية السابق ورئيس مجلس أمناء مؤسسة مصر الخير وليبدأ فوراً تأسيس أكبر مشروع بالمؤسسة تديره وتشرف عليه سيدة رائعة هي الأستاذة سهير عوض التي قامت مع فريق عمل رائع بزيارة السجون المصرية بجميع المحافظات، وإجراء مسح شامل تم فيه الإطلاع علي سجلات المساجين وحصر أعداد الغارمين لتكتشف أنهم بالآلاف، ورغم الكثير من الصعاب التي قابلت فريق العمل بدأت المؤسسة عن طريق أموال الزكاة بالإفراج عن 12 ألفا منهم حتي الآن ومازال الآلاف منهم يقبعون داخل الأسوار، هذا المشروع الرائع لايفرج عن الغارمين المحبوسين فقط فالمؤسسة لها هدف ودور كبير قامت من أجله وهو بناء الإنسان وتوفير حياة كريمة له، ولهذا ارتبط الإفراج عن الغارمين بتأهيلهم بإنشاء مشاريع متناهية الصغر بعد دراسة حالتهم ومعرفة مدي مناسبة المشروع لهم لاعانتهم علي مواجهة الفقر وتغنيهم عن السؤال مع متابعة مستمرة من فريق عمل المؤسسة حتي لايغلق المشروع ويحقق الهدف من إنشائه مع دورات تعليمية متتابعة لمحو أميتهم وتثقيفهم قانونياً حتي لا يقعوا في الأخطاء نفسها والحد من ظاهرة البيع بالأجل وإلزام كل غارم وغارمة أفرج عنهم بنقل ماتعلموه إلي المحيط الذي يعيشون فيه، وهو ماشجع بعض الجمعيات الخيرية إلي المساهمة في المشروع، لقد عاني هذا المشروع كثيراً خاصة أثناء ثورة 25 يناير من حرق السجون والمحاكم وملفات القضايا وتوقف العمل لفترات طويلة بسبب الإضرابات وصعوبة إنهاء الإجراءات القانونية، إلا أن الهدف الإنساني كان أكبر ليتحدي فريق العمل ومازال كل الصعاب، ولنستمع إلي قصص كفاح رائعة في مارس من كل عام في احتفال تكريم الغارمات، ومازال هناك المزيد لهذا المشروع الرائع وتطبيق فكرة الكاتب الصحفي أحمد جمعة بجريدة الجمهورية بعمل يوم سنوي للغارمين في رمضان من كل عام يطبق لأول مرة هذا العام، ولا أملك في النهاية إلا تحية كل العاملين بهذا المشروع وإصرارهم علي إنجاح المشروع، وتحية لمؤسسة مصر الخير ومجلس إدارتها الذين استطاعوا بالإدارة الناجحة وتطبيق نظام المؤسسية أن يجعلوها مؤسسة عملاقة خلال سنوات قليلة من إنشائها.