أحيانا لا يملك المرء أمام المفارقات الا أن يتعجب، ويكتم حزنه حتي لحظة التعبير، أذكر في النصف الثاني من الثمانينيات، تم تشكيل وزارة برئاسة الدكتور عاطف صدقي، وبها وزير ثقافة لا أحد يعرفه من الناس إلا هؤلاء الذين التقوا به في روما أو باريس أو اثناء عمله كموظف في احد قصور ثقافة الاسكندرية. وخرجت جريدة الأهرام بعدها بيومين تحمل مقالا من نار للكاتب الكبير ثروت اباظة صاحب رواية »شيء من الخوف» تحت عنوان «وجوم» وكانت تفاصيل المقال صاعقة بكل المعاني حطت علي رؤوس الاوساط الثقافية والسياسية والاجتماعية في مصر بل المؤسسات الدينية ايضا لاتهامه صراحة لوزير الثقافة الجديد بشيء لا ينبغي السكوت عنه.. ولكن اصحاب «العزبة» صمتوا عن الرد وصمت ثروت اباظة لاسابيع عدة عن الكتابة. ثم كأن شيئا لم يكن برغم انضمام الكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوي لموقف ثروت اباظة في البداية، الا انه بعد تحرك واتصالات من الفنان كرم مطاوع وبعض الاسماء الخفية تراجع الشرقاوي عن موقفه واخذ الاستاذ موسي صبري هو الاخر موقف المدافع عن الوزير الذي مكث في روما وباريس عشرات السنين وجاءنا ليعدل حال الثقافة المايل، وكان ان تم اغلاق هذه الصفحة عندما زار مبارك جريدة الأهرام، وقال أمام كل كتابها وهو يصافح ثروت اباظة: «أنت لسه زعلان مننا»، وانطوت بالفعل هذه الصفحة.. واستمر الوزير الذي جاء من دائرة العلاقات العامة التي يصنعها كل من يذهب الي اكاديمية الفنون بروما او المكتب الثقافي بباريس وهم كثر، اذا لم يصبح وزيرا فعلي الاقل وكيلا للوزارة ومشرفا علي العلاقات الثقافية الخارجية.. شيء مريب ومؤسف.. اما الوزير فقد مكث أكثر من خمسة وعشرين عاما، أطاح فيها بكل من كان يبزغ في عمله ويرشح لتولي الوزارة احمد قدري الرجل الذي اعاد الروح والمكانة لآثار مصر، دُبرت له حادثة بليل وتم اقالته بسبب القطعة التي انفصلت عن تمثال أبوالهول بفعل فاعل.. ولم يدع الوزير اي مبدع من خارج شلته وجوقة منافقيه ان يتولي منصبا في الوزارة او يحصل علي جائزة من جوائزها الثمينة، وقصة عبدالعال الحمامصي وحصوله علي جائزة بالاعتصام وايضا قصة منح الجائزة لقامة فكرية وأدبية كبيرة مثل الدكتور عبدالعزيز حمودة معروفة للوسط الثقافي كله.. ولم يشأ الوزير أن يترك الوزارة الا بعد أن يجففها تماما فيقوم بالدفاع عن سكرتيره اللص علي الهواء مباشرة مع محمود سعد ولا يستحي أن يتهم الرقابة الادارية بتلفيق التهمة له. ثم نفاجأ بعد كل هذا بترشيحه لمنصب مدير عام اليونسكو بالتواطؤ مع عصبته التي حول مبارك وزوجته، ويتخذ من جوقته مجموعة تلف معه بلاد الدنيا للدعاية الانتخابية والترويج، ويدفع الشعب المصري من دمه ملايين الجنيهات لهؤلاء النحلة في أفخم فنادق العالم.. ليعود لنا الوزير صفر اليدين وبخفي حنين.. ثم تستمر المهزلة فلا يتم خلعه الا مع الرئيس المخلوع.. عجبا.. عجبا. منتصف الطريق للأقصي هذا البيت الاسير له رب يحميه منا ومن اعدائنا، فالبرغم من ان هناك لجنة او مؤسسة منبثقة عن الجامعة التي كانت عربية في يوم من الايام الا انها مجرد لافتة لا تصنع شيئا غير الكلام، وان هناك بالفعل جريمة كبيرة يتورط فيها المسلمون والعرب جميعا حيث لم يعد احد يكترث للقدس وحال بينهم وبينها موج كالجبال من الفرقة والقتال والتناحر الذي وصل الي حد لا يمكن معه ان نقدر علي تحرير القدس، اما البوق الذي تحدث بالامس مطالبا الرئيس مرسي للتحرك واعلان تحرير القدس، الا يعلم الواقع الذي نعيشه وحالة الاحتضار التي وصلت اليها أمتنا، وهذا ما حذر منه القرآن الكريم وطالب المؤمنين بألا يتفرقوا حتي لا يفشلوا وتذهب ريحهم.