تقريباً.. في كل المواقع بامتداد مصر.. دائماً ما يتحدث المسئول الأول عن معاناته الشديدة.. عندما يفكر في إحداث أي تغيير.. أو تجديد للدماء يحيي بها مواقع ومسئوليات مرءوسيه. جميعاً في الصفوف الأولي يتحدثون عن حالات الإحباط التي تنتابهم عند "ترشيح" أي وجه جديد لمسئولية "قديمة"!! أزمة حقيقية.. تري أم هي أزمة مصطنعة؟ هل حقيقة.. خلت مواقعنا.. مؤسساتنا.. شركاتنا.. مصانعنا.. قرانا.. ومدننا ومراكزنا ومحافظاتنا ووزاراتنا من الكوادر المؤهلة لتولي مواقع المسئولية الأولي أو الثانية أو حتي الثالثة في هذه الأماكن؟ أم أنها أزمة مصطنعة يروج لها الكبار في الصفوف الأولي تكريساً لسلطاتهم وامتداداً لأعمارهم.. وتخويفاً مما سوف يؤول إليه الحال عند انقشاعهم.. حتي يظل الوهم مسيطراً علي متخدي القرار.. ويبقي الحال علي ما هو عليه.. و"اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش". هل تأصلت في المجتمع ثقافة "التكلس".. خوفاً من كل قادم جديد.. أم أن الجديد.. أي جديد.. غير مؤهل بالفعل والحقيقة لشغل هذه الأماكن. تسمعها من كثير من المحافظين يقولون لا أري أحداً يصلح لرئاسة مدينة.. ولا حتي قرية. فلان.. عليه أقاويل.. وفلان الآخر.. جدع لكنه مشاغب وكثير المشكلات.. وفلان مسنود من فلان لكنه لا يصلح.. وفلان تطارده الشكاوي.. وعندما تحاصره بكل الأسباب التي يسوقها وتثبت له عدم دقتها.. تظهر آخر الشماعات.. "عليه ملاحظات" "أمنية".. وتتأكد بعدها أن "الأمن" منها براء. تسمعها حتي عند تشكيل الوزارة.. أو حركة محافظين من يصح أن يكون وزيراً أو محافظاً إنه لابد أن يكون "هرما" شامخاً.. وقيمة.. وتتجلي التشكيلات.. وبعدها تظهر العيوب.. والإخفاقات. إذن المشكلة ليست في قمة الهرم المسئول فقط.. بل إنها أيضا عند وسطه ومنتصفه.. فإن اختيار وكيل وزارة أو مدير عام لم يعد أمراً سهلاً بل تنعقد له لجنة القيادات برئاسة المحافظ.. وغالباً ما يبحث كل مرشح للترقية عن "كوسة أو واسطة".. إذ لم تعد الثقة في الكفاءة كافية للاطمئنان إلي شغل المنصب أو الموقع المستحق. وهكذا.. ينتقل فيروس "الكفاءة وحدها لا تكفي" ليصيب عصب حياتنا في كل المواقع.. ويؤرقك ضميرك عندما تتحدث عن محاسن "فلان" الذي قصدك للحديث عنه.. فإن فلانا الآخر ربما يكون الأحق. وهكذا يدور المجتمع كله في دوامات من عدم اليقين.. وضعف الثقة في "الكفاءة".. وتعاظم الثقة في الوساطة والمحسوبية.. حتي أنك لتجدها معضلة في مجرد اختيار "مدير" لمدرسة أو سكرتير قرية أو رئيس قرية أو سكرتير مجلس مدينة أو مدير إدارة أو رئيس قطاع. وبالتالي.. يصاب دولاب العمل "بالعطب".. ويبحث المسئول الأول عن آخر أضعف منه لكي يمنحه الموقع الثاني.. ثم يبحث هذا الجديد فيهم هو الأضعف لكي يمثل الموقع الثالث.. وهكذا يبحث كل ضعيف عمن هو الأضعف حتي تستقيم حياته استقرارا ولا يهم إن كان الأداء الوظيفة سوف تنهار. في رأيي.. إنها أزمة من شقين أولهما.. أن كثيراً من كوادرنا تحتاج بالفعل والحق للكثير من الصقل والمران والارتقاء بمستوي المهارات والأداء وهو ما لا يتحقق وسط أموال بالملايين تهدر في دورات تدريبية "نظرية".. وحلقات عمل "وهمية" وجلسات للمظهرية.. ولزوم التصوير والفلاشات والكاميرات والشهرة. الأمر الثاني: أن "الأنا" غلبت بعض قيادات المواقع.. فعمدوا إلي تنصيب "الأضعف" خوفاً علي أنفسهم من "الأقوي".. غلبتهم مصالحهم.. فأهدروا مصالح محافظاتهم ووزاراتهم ومصرهم.. بل باعوها بأرخص الأثمان.. لنظهر "النمور" ونظل نحن "نحاول".. "ونحاول" ونحاول.. "و.. محلك سر"!! [email protected]