أحزنني ما صرَّح به فضيلة الدكتور أحمد المعصراوي الأستاذ بجامعة الأزهر وشيخ المقاريء المصرية عن تراجع مستوي الحفظة لكتاب الله في مصر. وما ينطوي عليه ذلك التصريح الصادر من أحد كبار المختصين بالشأن القرآني من المخاطر التي تتهدد مكانة مصر المرموقة في المحافظة علي كتاب الله وحراسته والقيام علي شئونه. والتي أهلتها للمكانة الإسلامية العليا بين أبناء الأمة الإسلامية. وذلك بسبب حرصها علي كتاب الله وتشجيع حفظه. ولأن تلك الرسالة الجليلة تتواكب مع وجود الأزهر الشريف علي أرضها. ومن المعلوم أن رسالة الأزهر الشريف وما حققه لمصر من ريادة وقيادة بين أمتها الإسلامية والعالم أجمع تنبع من رسالة القرآن الكريم وهديه الذي يجسِّد معاني الرحمة والعدل والسلام والرخاء. ليس للمسلمين وحدهم. وإنما للعالم أجمع. وذلك مصداقاً لقول الله تعالي : "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". وإذا كانت رسالة الأزهر تنبع من هدي القرآن الكريم والمحافظة علي مبادئه السامية فإن تراجع مستوي حفظ هذا الكتاب الكريم سوف يؤثر علي رسالة الأزهر في المستقبل. وبالتالي تؤدي إلي تراجع دور مصر في قيادة الأمة الإسلامية علي هدي الفهم الصحيح والمستنير والوسطي لمباديء الدين الحنيف المستمدة من هدي الكتاب الكريم. ومن الواجب أن يؤخذ تحذير فضيلة الدكتور أحمد المعصراوي بالاهتمام الذي يستحقه. لأنه قد صدر من عالم غيور علي كتاب الله ويحرص أشد الحرص علي أن تكون مصر أول دولة تعني بحفظ هذا الكتاب الكريم كعهدها دائماً في الاضطلاع بتلك الرسالة السامية علي امتداد تاريخها الطويل. ومن أسباب التعامل المنهجي الصحيح للحد من خطر تراجع مستوي الحفظة أن يُعاد النظر في قنوات حفظه الأولي والتي تبدأ بكُتَّاب "سيدنا" الذي قام بتلك المهمة منذ أمد بعيد وأداها علي أحسن وجه. وقام بها خير قيام. وقدم المحفظون في تلك الكتاتيب لمصر خيرة رجالها ممن حفظوا كتاب الله. وذلك بإعادة النظر في الموارد المالية الكافية لتمويل تلك القنوات وتوفير حد الكفاية للمحفظين حتي يتفرغوا لتلك المهمة الجليلة ولا تجرهم مشاغل الحياة أو تدبير لقمة العيش إلي إهمالها أو نسيانها. ومن اليسير أن يتم تدابير تلك الموارد من محبي كتاب الله وفاعلي الخير في مصر. وهي مصرف من أشرف المصارف التي يمكن أن يضعوا فيها زكاة أموالهم وصدقاتهم. ورصد الأوقاف عليها. كما تستطيع الدولة أن تساهم في تلك المهمة الجليلة برصد المكافآت الملائمة للارتقاء بمستوي الحفظة. ولا مانع من الاستفادة بتجارب الدول الإسلامية الأخري في هذا السياق. ومن أبرزها التجربة الليبية التي اعتبرت حفظ القرآن الكريم مستوي علمياً يعادل درجة الإجازة العليا أو الليسانس في تولي الوظائف العامة. وهي سياسة في غاية التوفيق والرشاد. إن حفظ القرآن الكريم لم يعد ترفاً. بل أصبح أمراً ضرورياً ومنطقياً للرد علي تحرشات الغرب بنا لإرغامنا علي تبني أفكارهم الهدامة في العلاقات الجنسية الشاذة وإباحة الزنا بين المراهقين والشباب وكافة الأجناس. وغير ذلك من ألوان الفسق والانحلال التي يريدون فرضها علينا بالسطوة والبلادة والجهل المركب. ظناً منهم أنهم سوف ينالون بذلك من الإسلام. وأعظم رد علي تلك الافتراءات أن يتم تشجيع حفظ كتاب الله. لأن هذا الكتاب الكريم لم يسلم من كيدهم. ومازالوا يتربصون به بغية تحريفه وتغييره. والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يجب التحرك سريعاً لعلاج تراجع مستوي حفظة كتاب الله في مصر.