أمامنا دروس عظيمة من التاريخ.. لكننا لانريد أن نتعلم.. ولا نستفيد منها.. في الحرب العالمية الثانية.. والمعارك طاحنة بين انجلترا وألمانيا.. اقامت انجلترا مطارا حربيا بجوار إحدي المحاكم.. وكان ازيز الطائرات مدويا.. ومزعجا.. بل مخيفا.. والأهم.. أنه لايتوقف.. وكان تأثيره بالغا علي القاضي الذي يجلس علي المنصة.. وعلي جميع من في قاعة المحكمة.. بحيث لايمكن أن يستمع أي شخص لآخر.. فاصدر القاضي حكما بغلق المطار الحربي لحين انتهاء الجلسة.. وارسله الي الشرطة لتنفيذه فوراً.. وتسلم قائد المطار الحكم.. وابدي دهشته وعجبه.. كيف يصدر القاضي حكما مثل هذا.. في زمن الحرب.. وانجلترا في حاجة إلي كل طلعة طيران.. ماذا يفعل قائد المطار.. اتصل بوزير الحربية في ذلك الوقت ونستون تشرشل الذي كان ايضا رئيس وزراء انجلترا.. وجاء رد تشرشل : عظيما وقاطعا.. قال قولته الخالد.. اوقفو العمل في المطار فوراً.. حتي انتهاء جلسة المحكمة.. حتي لايذكر التاريخ.. أن احد قضاة انجلترا اصدر حكماً أو أمراً.. ولم ينفذ! هكذا كان العظماء.. يحترمون القانون.. وينفذونه حتي في زمن الحرب.. لم يبحثوا عن مبررات.. ولا عن مجد شخصي مؤقت.. إنما كان همهم الأول والأخير.. سيادة القانون.. وليس أي شيء آخر.. هدفهم الوحيد.. اعلاء مصلحة الوطن فوق اي اعتبار.. فلا شيء يعلو عن الوطن.. لا يعترفون بالتصريحات الوردية المخيبة للآمال.. وغير المطابقة للواقع.. والبعيدة عن الحقيقة. قفزت أمامي مقولة تشرشل الخالدة.. وأنا أتابع الانتخابات البرلمانية.. حيث توقفت طويلا.. أمام عدم تنفيذ حوالي 400 حكم بعدم اجراء الانتخابات.. ووقف اعلان النتائج في 31 دائرة.. كما قضت باعادة الانتخابات في كافة دوائر المنوفية وعددها 11 دائرة وإلغاء نتيجة الانتخابات في 4 دوائر بدمياط وفي 6 دوائر بالغربية.. كما ابطل القضاء الإداري اعلان انتخابات الجولة الأولي في 10 دوائر بالقاهرة والجيزة و6 أكتوبر.. من بين هذه الاحكام.. ما يقضي بإدراج اسماء بعض المواطنين في كشوف المرشحين.. وايضا تغيير صفات البعض. يبقي السؤال: لماذا لم تنفذ هذه الأحكام؟! بقي أن أقول.. إن الدستور وقانون مجلس الدولة.. نصت بعض موادهما علي أن الفصل في سلامة القرارات الإدارية في مرحلة الاعداد للعملية الانتخابية من اختصاص مجلس الدولة باعتباره القاضي بالمشروعية والمهيمن دستوريا علي كافة مناحي المنازعات الإدارية.. أي أن كافة الأحكام الصادرة من محاكم القضاء الإداري.. احكام واجبة النفاذ.. صحيحة وصادرة عن محاكم صاحبة اختصاص اصيل.. فهي المختصة عن سلامة وصحة جميع القرارات الإدارية في مرحلة الاعداد للعملية الانتخابية أي قبل إجراء التصويت علي الانتخابات.. وأن عدم التنفيذ يوقع المجلس في محنة.. ويعرضه لشبهة عدم الدستورية.. تطبيقاً لمبدأ.. ما بني علي باطل فهو باطل.. حيث ان الاجراءات السابقة علي العملية الانتخابية.. بعضها وطبقا للاحكام القضائية باطلة. أما المنازعات والطعون التي تمس عملية التصويت نفسها.. فهي من اختصاص محكمة النقض.. بعيداً عن مجلس الدولة.. ولكن مع الاعتبار أن اختصاص محكمة النقض وطبقا لنص الدستور.. مجرد التحقيق فقط.. ولا تصدر احكاما.. إنما تعد تقريرا.. وترسله الي مجلس الشعب.. بنص الدستور.. ولمجلس الشعب وحده الفصل في التقارير التي تصله من محكمة النقض.. إما أن تظل مدي الحياة حبيسة إدراج اللجنة التشريعية بمجلس الشعب.. أو تطرح علي المجلس في احدي جلساته العامة.. ليتخذ قراره.. من هنا جاءت عبارة "سيد قراره".. التي اطلقها لأول مرة.. المرحوم د.رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب السابق. لعل عدم تنفيذ الاحكام القضائية.. قبل عملية التصويت.. بايقاف اجراء الانتخابات وتغيير صفة المرشح.. واضافة عدد من المرشحين.. قد يكون أول محنة تواجه المجلس القادم. عدم تنفيذ احكام القضاء حول الإجراءات الإدارية.. التي سبقت عملية التصويت.. يقودنا الي سلبية اللجنة العليا المشرفة علي الانتخابات في عدم تنفيذ هذه الأحكام.. بالإضافة إلي عدم التعامل مع شكاوي المرشحين بالسرعة والفاعلية الواجبة. تعالوا نقرأ الدروس المستفادة من العملية الانتخابية.. يمكن أن نقول وبهدوء.. إن أخطر ما واجه هذه الانتخابات.. هو عدم اقبال الناس علي المشاركة في الانتخابات خاصة في مرحلتها الثانية.. وهو ما يستحق الدراسة.. والوصول إلي معرفة السبب.. وتحاشيه.. وهنا.. نقول.. إن أهم أسباب احجام الناس.. عدم ثقتهم في صحة اصواتهم.. وأنه ليس بالضرورة.. أن من يختارنه.. هو الذي يدخل مجلس الشعب.. ولابد أن نعرف جيداً.. أن المواطن يعرف الحقيقة كاملة.. ويعرف كيف تجري الانتخابات وما يحدث فيها.. لذلك يفضل عدم المشاركة. أما الظاهرة الجديدة.. نجاح عدد من الأحزاب "الورقية" التي لايعرفها الناس.. مثل العدالة الاجتماعية والسلام.. في الحصول علي مقعد أو مقعدين.. وهو ما يفرض تساؤلا مهما.. حول مدي إمكانية نجاح هذه الأحزاب في هذه الانتخابات.. وحصولها علي هذه الأعداد من أصوات الناخبين بالرغم من عدم جماهيريتها!! أعود لأخطر ما يواجه المجتمع.. عدم احترام سيادة القانون.. بعدم تنفيذ الاحكام القضائية.. واننا لانريد أن نتعلم ونتعظ من دروس التاريخ.. وسير العظماء.. لاقول.. اطلقها تشرشل منذ 65 عاما.. ولم نتعلم!! فمتي نتعلم؟!