فريد معوض ابن الأرض.. ابن سامول البار الذي جعل من هذه القرية النائية والقابعة في أعماق ريف مصر في محافظة الغربية . قرية فنية تحمل أسطورتها الخاصة التي فجرها فريد. الفلاح الذي خبر كل شبر في قريته. وعرف كل شخص فيها. وصادق ذرات ترابها. فريد الأديب والفنان اختار ما عرفه وأحبه. وتفاني فيه. فنقل حياة الناس في سامول من الواقع إلي الفن. ومن الحقيقة إلي براعة لخلق الفني. خلق أدبي يحمل رؤية محبة لهؤلاء الناس فهو واحد منهم.. كانت رواياته وقصصه القصيرة. بل كتب الأطفال أيضاً تعبيراً عن حبه الشديد للأرض وناسها الطيبين. فريد عرف التعامل مع المدينة بكل وحشيتها وجبروتها. وفتح بعض مغاليق أبوابها. وحقق بعض الصداقات مع أدبائها. تعد روايات فريد معوض رواية واحدة طويلة. بل هي ملحمة إنسان بسيط يبحث لنفسه ولقريته وناسها عن موطن قدم. كانت المرسي والأرض الرواية الفائزة بجائزة وزارة الثقافة ورواية أيام في الأعظمية الصادرة عن سلسلة الجوائز. هيئة قصور الثقافة. ورواية في وجه الريح الصادرة عن سلسلة إبداع الحرية 2002. هذه الأعمال تمثل ملحمة إنسانية تعبر عن حب الإنسان لوطنه وموطنه. وتجسد معاناة البشر في سبيل العيش. ورصد غربة الإنسان عن وطنه. القرية هي عالم فريد معوض وناسها. هي لحمة إبداعه الذي أجاده. وفي كل الأحيان أحبه. وأخلص له. فكان تسليته وتسريته في أوقات المرض والشدة. دائما ً ما تكون الشجرة إحدي المحطات التي تقف عندها شخصيات فريد معوض. الشجرة أو النخلة. الطبيعة البكر الحانية. هي البراءة يحن إليها بطل في وجه الريح المنادي فهي المبتدأ والمنتهي. هي الحضن الدافيء والرحم الرحيم لعبد الجواد منادي القرية قرية الحامول. التصاقه بالناس وبأخبارهم وأحوالهم هي مهنة المنادي. المتحدث باسمهم في أفراحهم وأحزانهم. الشجرة معادل للقرية التي شهدت تحولات كبيرة. تظل الشجرة ممتدة الفروع والأغصان. هاهي تصبح مثل كهف. التصق السواد بفروعها وداخل بطن الأرض. ظلها يبدو قليلاً لكنه يكفيه. تبدو لو كانت عريضة لكن ضموراً لحق بها ص 4 . في كل مرة يأتي إليها بعد دورته اليومية. هكذا تبدأ الرواية. والسؤال: لماذا اسودت ساق الشجرة؟ . تتحمل الشجرة هموم المنادي. يبوح لها في لحظات قلقه وتوتره.. ها هي تشهد عودة روحه الطفولية.. مرجحة الجسد والساقين. والاهتزاز اللذيذ للجسد المكدود والمتعب. إنها لحظات فرح مسروقة من يوم شقائه ومعاناته. قرية حامول هي المكان الذي تدور أحداث الرواية فيها. فالناس والمكان وجهان لعملة واحدة.. البشر يعيشون. ويموتون في المكان منذ مئات السنيين إلا أن القرية تشهد مؤخراً ظاهرة جديدة. هي هجرة بعض أبنائها.. وفي المقابل استقبلت القرية غرباء أشرار يناصبون لأهل القرية العداء. يسلبون الدور والأرض. ويسرقون كدهم. ويخربون كل شيء. حتي العادات والطقوس التي تربي عليها أبناء القرية... يدخنون الحشيش. يستقبلون النساء الساقطات إلخ. يتعاملون مع البسطاء ومنهم عبد الجواد الذي يسخر منه شوقي الملا. وأطلق عليه أبو جلامبو. علاقة السارد بالمكان الأرض تغوص في خصوصية المكان المتعين.. البيوت. والدور. الحارات. السكة الزراعية. الحقول. فبرغم ارتباطه بالأرض فثمة أسرار لا يعرفها إلا من أحب المكان وعشقه.. من ترك الموطن ورحل عن المكان مازال المكان يحتفظ برائحتهم وظلالهم.. ها هي حارة الهج رغم غلق منازلها وهجرة سكانها. تحتفظ بالأصوات وثمة الأشباح المتحركة. أحس عبد الجواد بأن هذه الدور لم يتركها أصحابها.. رغم الصمت القاتل.. هو علي يقين أن أهلها سوف يرجعون إليها.. أكثر من مرة يعود إلي ينادي الأحياء الذين راحوا عنها والأرواح التي طلعت منها. ها هي حارة الهج في كل قرية من قرانا. حارة رحل سكانها إلي بلاد الله لخلق الله. تركوا الأبنية المنازل الوطنة وتحولت القري بعد الهجرة إلي اللون الأحمر. كأن النداهة. غواية الغربة تتربص بأهل القرية. اختار العديد من أهل القرية الترحال إلي مدينة بورسعيد. بدت المدينة مفتوحة يذهبون إليها بالأسمال القديمة ويعودون شيئاً آخر ص 7. عبادة واحد من الذين لبوا نداء النداهة. خرج من الدار. كان بحاجة إلي الخروج. فكل شيء يكبس علي نفسه. الدور التي تنخفض عن الأرض كثيراً فيأتي الهاموش الشارد . ويطن الذباب في جنبات البيوت. يتمني عبادة أن يكون مثل غيره من الذين هجروا القرية. وحين عادوا إليها أقاموا البيوت وأنجبوا العيال وانتشروا في الأرض ولبسوا الصوف والحرير وتقلدت نساؤهم الحلي والذهب ص75. الحنين إلي القرية إلي الماضي لا يمنع السارد من ذكر التحولات التي تحدث في القرية ومعاناة البشر وما طال القرية من إهمال. فرغم تلك النغبشات النفسية المعبرة عن حب للقرية إلا أن العين اللاقطة لا تغفل معاناة أهل القرية.. هكذا كان الحال وهكذا بقي وضع القرية. وكأن المنادي أصبح عراف فلادليفيا الذي يتنبأ بحدوث المصائب والتي بالطبع لا تأتي فرادي. فقد سرق الابن أباه كي يرحل عن القرية إلي المدينة. ويدفع عبد المعطي حياته ثمنًا لكشف المستور. وتتحول القرية بمن فيها من سلطات ممثلة في العمدة وكبار القرية إلي مسخ مشوه. يلعب بهم شوقي الملا ورفاق السوء. حتي الراحلين لحقهم الأذي. والسمك في الترع شعر بالحصار. وها هي نذر الشر والقمع والبطش تطول البسطاء الفانين في خدمة أرضهم فتسرق أرضهم ويضطرون للرحيل. تحول الدار القديمة أم قفلين الشارع إلي سد.. لكن عزيمة عبد الجواد تظل صامدة أمام كل هذه التحديات.. واضعًا أمله في هذه البراعم الصغيرة التي تهرول وراءه مرددة كلماته. فيرتفع صوته من جديد.. ويحذر بل ويهدد شوقي الملا ويفضح ألاعيبه. حينما يعلن الحقيقة في الشوارع والحواري والدروب. كان صوت عبد الجواد هو السلاح الماضي أمام الظلم والقهر.