" أمراض انتخابية" كالتي تشيع بيننا الآن. من شراء الأصوات بالمال. والرشاوي الانتخابية. إلي الخداع بالشعارات المضللة. والبلطجة. وتغليب العصبيات والقبليات وغيرها. * ولم يعد كثيرى من المرشحين يُعرفون اليوم بأحزابهم .. بل صار لسان حال بعضهم أو أغلبهم يقول: "لو رش�'َح الحزب - أي حزب - غيرنا لخلعنا رداءه وتخلينا عنه. وناصرنا عليه خصومه ومعارضيه ..". * ما دعاني إلي عقد هذه المقارنة ما رأيته عقب إعلان الحزب الوطني لقوائم مرشحيه في الدوائر الانتخابية المختلفة . إذ رأينا انفعالات واحتجاجات ما كان ينبغي لها أن تحدث ما دام الترشيح والاستبعاد جاءا نزولاً علي رأي الأغلبية .. لكن أن يهدد من لم يقم الحزب بترشيحهم بمناصرة خصومه فهو ما يثبت صحة موقف الحزب تجاههم.وصواب رؤيته وقراراته بشأنهم. رغم اعتراض وثورة البعض عليها.وهو ما أكده المستبعدون بتصرفاتهم حينما لجأوا إلي التهديد بمساندة منافسيه والتضامن مع معارضيه. حتي ولو كانوا من مرشحي "المحظورة"..!! * الالتزام الحزبي هو الإطار الحاكم لعلاقة المواطن بأي حزب ينتمي إليه في كل دول العالم. وهو القاعدة التي يرتكز عليها احترام المبادئ والأهداف الحزبية. فإذا تجرد العضو من التزامه الحزبي فمن الطبيعي أن تحوم الشبهات حول حقيقة دوافعه ونواياه. وبواعث انضمامه لهذا الحزب أو ذاك وأسباب سعيه إلي كسب عضوية البرلمان من خلاله. فالحزب هنا وسيلة لنيل الحصانة. والحصانة هنا ستار لما خفي من الأغراض . * وإذا كنا اليوم نشكو كثرة المرشحين للبرلمان. بما يخلق صعوبة في المفاضلة والاختيار الدقيق. ويشتت أذهان الجماهير. ويفتت أصواتهم .. وهو ما يجعلنا نترحم علي الماضي البرلماني الجميل. ذلك الذي شهد نواباً حقيقيين. خرجوا من صفوف الكادحين. وحملهم الناس علي أكتافهم إلي المجلس الموقر » لإيمانهم بمصداقيتهم. ونبل مقاصدهم .. فعضويتهم بالبرلمان لم تكن لعلة أو غرض في أنفسهم. بل كانت خالصة لوجه الشعب. وليست مجرد وسيلة لحصد المغانم واهتبال الفرص والمكاسب. * ولا أدري لماذا عدت بذاكرتي للوراء متذكراً سيد جلال .. ذلك النائب البرلماني الشعبي الأصيل والاقتصادي البارع .. الذي لم يكن يبحث حين ترشح للبرلمان عن حصانة ولا وجاهة. ولا أداة يجني بها المكاسب. ويقضي بها المصالح الشخصية. بل كان صوتاً مخلصاً للشعب. وقامة برلمانية عالية. وشعلة من النشاط. ونائبا للأمة كلها. فلم يجد خصومه قبل أنصاره بداً من احترام آرائه واجتهاداته وتوجهاته وعطائه وتفانيه في خدمة الناس جميعاً. * وحين نقلب صفحات هذا البرلماني القدير حين خاض أولي دوراته البرلمانية بين عامي 45 - 1950. نجده قدم مشروعات قوانين تنم�'ُ عن وعي وحس سياسي واجتماعي عميق. وانتماء شعبي فريد. وعقل فذ سبق زمانه .. ورأي الحاضر بعيون المستقبل وكأنه موجود بيننا الآن .. وعلي النقيض من ذلك تماماً نجد كثيراً من نواب اليوم مهتمين بالجري وراء تأشيرات الوزراء أكثر من اهتمامهم بالدور الحقيقي للنائب في الرقابة والتشريع .. حتي صار الناخب هو الآخر ميالاً بطبعه لانتخاب " نائب الخدمات" أكثر من تفضيله للنائب السياسي والتشريعي الفاهم لطبيعة مهمته ..وأعتقد أن تلك ظاهرة لابد أن تتغير أولاً بتوعية الشباب بأهمية العمل السياسي. وضرورة ممارسة السياسة من خلال الانتساب للأحزاب كتطور طبيعي لما نشهده اليوم من حراك سياسي . ولا ننسي أن سيد جلال كان صاحب فكرة قوانين مشهورة مثل "من أين لك هذا" .. و"عدم جواز تملك الأجانب للأراضي الزراعية والعقارية". و"استغلال النفوذ". و"محاكمة الوزراء". و"الضريبة التصاعدية علي الدخل العام". و"خفض الإيجارات الزراعية" .. وغيرها. ولم تتوقف جهود الرجل عند حدود الرقابة أو التشريع وسن القوانين فحسب. بل أسهم عن طيب خاطر وبسخاء مشهود بثروته في بناء مشروعات حمل بعضها - ولا يزال - اسمه مثل مستشفاه الذي لا يزال قائما في حي باب الشعرية. وحين ازدحمت الفصول الدراسية في ذلك الحي الشعبي. وضاقت بطلابها. اضطرت وزارة المعارف - آنذاك- إلي إغلاق أبوابها في وجوه التلاميذ فما كان من سيد جلال إلا أن سارع ببناء خمسة فصول إضافية علي نفقته الخاصة .. وحين اجتاح وباء الكوليرا مصر في عام 1947. وسيطر الفزع علي أهلها. بادر الرجل - كعادته - بتوفير المصل الواقي من ماله الخاص. وأشرف بنفسه علي عملية التطعيم ..ولم يهرع - كما يحدث الآن حتي من نواب " رجال أعمال" - إلي الحكومة يطالبها بالاستثناء. ولم يقدم استجواباً أو طلب إحاطة يضغط به لسرعة تدبير المبالغ المطلوبة لذلك الغرض.. بل جاد الرجل بماله في الأزمات والملمات. كما فعل في حرب فلسطين التي تبرع أثناءها بخمسمائة جنيه. وتنازل عن مكافأته البرلمانية لصالح الجيش المصري. تُري كم "سيد جلال" بيننا الآن رغم كثرة النواب رجال الأعمال .. ولماذا - رغم اشتعال المنافسة بين آلاف المرشحين علي الحصانة - لم نعد نري - حتي بين صفوف المعارضة - نواباً بقامة "علوي حافظ". و"محمود القاضي". و"ممتاز نصار" و"عادل عيد" وغيرهم ممن كانوا يجيدون لغة الإقناع والحوار. وجمعوا بين ممارسة دورهم في الرقابة والتشريع وبين تقديم الخدمات دون أن يطغي واحدى من تلك الأدوار علي الآخر. وصولاً لمصلحة الوطن والمواطن في هدوء دون افتعال أو إثارة كما يفعل اليوم بعض المعارضين والمنتمين للجماعة المحظورة . * لاشك أن العالم كله يترقب الانتخابات البرلمانية التي ستجري الأحد المقبل علي 508 مقاعد. بينها 64 مقعداً للمرأة. والتي تمثل مرحلة فاصلة في حياتنا السياسية. ولهذا تشتد المنافسة فيها بين الأحزاب جميعاً. وعلي رأسها الحزب الوطني الذي تتعاظم مسئولياته وواجباته بحسبانه الأكثر تنظيماً وعدداً. ويملك برنامج عمل طموحاً للسنوات الخمس المقبلة. برنامجاً يلبي احتياجات كل دائرة علي حدة وفقاً لظروفها وطبيعتها تماماً مثلما نجح في الوفاء بما وعد به ناخبيه في الدورة البرلمانية والرئاسية السابقة حين التزم بخطوات محسوبة. وقدم إنجازات ملموسة. ولا يزال الحزب يضع المواطن البسيط وقضاياه وهمومه في صدارة أولوياته واهتماماته. ولايزال المواطن أيضا ًينتظر منه الكثير والكثير لحل مشاكله ومتاعبه. * لكن تبقي مسئولية حشد الناخبين. وتحفيز المواطنين للمشاركة السياسية واجباً تتقاسمه الأحزاب. والقوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني كافة. وتحرص عليه أكثر من حرصها علي حصد المقاعد أو الحصول علي الأغلبية » فإدلاء الناخبين بأصواتهم هو الضمانة الكبري لنزاهة الانتخابات وخروجها في صورة حضارية مشرفة للأداء السياسي. تعكس إيجابية المواطن المصري أمام العالم كله. كما أكد علي ذلك صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني مراراً وتكراراً. * نتمني للمجلس المقبل أن يشهد تمثيلاً متوازناً لجميع فئات المجتمع وأطيافه السياسية. حتي ولو كانت أغلبيته من نصيب الحزب الوطني. ونرجو للمجلس الجديد أن يحتفظ بنوابه الذين أبلوا بلاءً حسناً. وأدوا أدواراً ملموسة في دورات سابقة سواء في الرقابة علي الحكومة ومحاسبتها. أو في التشريع ومناقشة القوانين. حتي ولو كانوا ينتمون للحزب الوطني أيضاً. ويتولون مواقع المسئولية بالدولة. كالدكتور زكريا عزمي. والدكتور فتحي سرور. أو من الوزراء الحاليين الذين نثق في أفكارهم ورؤاهم ومقدرتهم علي التفاعل مع الجماهير وحل مشاكلهم مثل د.يوسف بطرس غالي ود. مفيد شهاب ود. فايزة أبوالنجا. ود. سيد مشعل والدكتور عبدالسلام المحجوب والمهندس سامح فهمي. ود. علي المصيلحي.. وغيرهم. ونتمني للمجلس الجديد أن يضم في عناصره أقطاباً للمعارضة والمستقلين وكافة الأطياف السياسية سواء من القدامي أو الجدد » فمجلس شعب بدون معارضة حقيقية سوف يفقد الحيوية والمصداقية والقدرة علي ضبط الأمور. كما أن الحضور القوي أمام الصناديق سيمنع التزوير إن وجد. وسيكون الوقود السياسي للتغيير ودفع الحياة السياسية . كلاهما "تطرف"..!! الكتابة ضرب من الإبداع .. لا تبلغ قلوب الناس إلا إذا شعروا بأن صاحبها يتحري الصدق والموضوعية ويلتزم بالتعبير عن قضاياهم وهمومهم .. والكاتب الحقيقي هو الذي يتجرد من نوازعه وهوي نفسه. وينحاز إلي ما ينفع مجتمعه ويصون مصالحه وأمنه واستقراره باعتباره "واحداً من الناس". لا يبالغ ولا يسرف .. لا يميل ولا يجنح .. لا يشطط. ولا ينافق .. لا يطمس الحقائق ولا يلوي عنقها .. لا يخوض في الأعراض. ولا يهتك الخصوصيات .. يدرك بوضوح أن بين حق القارئ في المعرفة وحق المجتمع في الخصوصية خيطاً رفيعاً ينبغي ألا يتجاوزه .. فالمبالغة في النقد والخروج به عن حدود اللياقة "تطرف" .. والنفاق والرياء وتزيين سوء العمل لهذا المسئول أو ذاك حتي يراه حسناً "تطرف" من نوع آخر .. وكلاهما يُضل�'ُ المجتمع. ويغرس فيه بذور الشقاق ونوازع الفرقة والتشتت. وكم طُمست�' بسبب الخلط المتعمد حقائق كثيرة. وضل الرأي العام طريقه إلي معرفتها .. وهي آفة لم تنج منها صحافتنا ووسائل إعلامنا علي اختلافها .. وكثير مما وقع بشأنه الجدلُ والسجالُ علمى لا ينفع وجهلى لا يضر. وقد دُهشت حين قرأت مقالةً للدكتور حسن نافعة في إحدي الصحف الخاصة. بعنوان "ماذا لو .. ؟!" وسبب الدهشة أنه لا يمكن افتراض البراءة في المقارنة المغلوطة التي عقدها د. نافعة بين أمرين أو شيئين مغايرين لبعضهما تماماً. سواءى في المقدمات أو النتائج .. ولا يمكنني كذلك أن أفترض أن الرجل تجاهل - عن عمد - الفرق القانوني بين الموقف في دائرة الباجور التي خلت من مرشحي الحزب الوطني علي مقعد الفئات برحيل النائب كمال الشاذلي من ناحية .. والموقف في الانتخابات الرئاسية من ناحية أخري . ولا أدري ما وجه الشبه بين حالتين عالجهما القانون بطريقتين مختلفتين .. وكيف بني الرجل قياسه واسترسل في طرح أسئلة تهكمية حاول إقناعنا بأنها جادة وحقيقية.. رغم أنها تخلو من المنطق. ولا سند لها من الدستور أو القانون .. ولم يجد الرجل حرجاً - رغم خطأ القياس وانتفاء أوجه الشبه بين الحالين اللذين بني عليهما مقارنته - أن يطلب إلي فقهاء القانون الدستوري أن يقدموا له إجابة عنها .. وغاب عنه وهو الذي يعل�'ِم طلابه في الجامعة ضرورة تحري الدقة في القياس والاستنباط لبلوغ أسباب البحث العلمي الجاد أنه لاوجه للقياس أو المقارنة فيما ذهب إليه .. ولو كلف نفسه بقراءة المادة 76 من الدستور قراءة متأنية لتبين له أنها تتضمن - في غير �'لَبس�' - القواعد المنظمة لترشح من يخلو مكانه من أحد المرشحين لأي سبب غير التنازل عن الترشح في الفترة بين بدء الترشح وقبل انتهاء الاقتراع.والتي أحالت بدورها تفصيل تلك الإجراءات إلي المادة 18 من قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية المصرية التي حسمت تلك المسألة بنصها علي أنه : "إذا خلا مكان أحد المرشحين لأي سبب غير التنازل عن الترشح خلال الفترة بين بدء الترشح وقبل إعلان القائمة النهائية للمرشحين تتولي لجنة الانتخابات الرئاسية الإعلان عن خلو هذا المكان في الجريدة الرسمية وفي صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار. وامتداد مدة الترشيح أو فتح بابه بحسب الأحوال لخمسة أيام علي الأكثر من تاريخ هذا الإعلان له. ويكون لغير باقي المرشحين التقدم للترشح خلال هذه المدة. وذلك بذات الإجراءات المقررة.." * ومن ثم فقد نظم الدستور والقانون الإجراءات الواجبة في حال خلو مكان أحد المرشحين لانتخابات الرئاسة. لسبب غير التنازل عن الترشح علي عكس ما يتصور د. نافعة .. فعلي أي أساس إذن أقام د.نافعة مقارنته.. ثم هل تفضي مقدمات مغلوطة كهذه إلا إلي نتائج مماثلة جري إقحامها واستخلاصها عنوةً. لا أقول بسوء نية أو جهل من صاحبها. ولكنها - علي الأقل - لم تسلم من الغلو والتطرف في المعارضة. وكان حرياً بأستاذ جامعي يلقي علي طلابه بالجامعة دروساً في مبادئ السياسة وقواعد الدستور والقانون ألا يتجاهل هو نفسه أبسط ما يعلمه لطلابه ..فلم يكن الأمر بحاجة إلي خبراء وجهابذة في القانون الدستوري حتي يجيبوا عما طرحه "الأستاذ" في مقاله. بقدر ما كان بحاجة إلي تلميذ "مدقق" يجتهد في قراءة مواد القانون والدستور قبل أن يتصدي لطرح أسئلة كهذه أو عقد مقارنة " مغلوطة" علي النحو الذي ذهب إليه د. نافعة . وفي تصوري أن ما ساقه د. نافعة في مقاله ليس مجرد سهو. أو هفوة أو حتي كبوة. بل سقطة كنا نرجو ألا يقع فيها كاتب مثله . فالمبالغة والغلو في الذم والتهكم في النقد. كالإسراف في المدح والإطراء تماماً .. كلاهما تطرف. يبدد الحقيقة. ويذهب بالموضوعية والنزاهة.. وقد حان الوقت لأن يتخلص إعلامنا وصحافتنا من تلك الآفات التي تضر بمصداقيته وتسيء إلي المجتمع كله ولا تفيدنا في شئ. E-mail:[email protected]